محمد مندلاوي
أولاً، يجب على أي مواطن في العراق أن يحكم عقله لا قبله في فهم ما يجري هذه الأيام مِن فوضى عارمة في شوارع وساحات العراق، أي، أن يوزن الأمور بتأني وعقلانية كي لا يقع تحت تأثير الشعارات الشعبوية ومنطق السفهاء..، حتى يدرك بحاسته الفطرية كإنسان متحضر أن الوضع المزري الذي يمر به الكيان العراقي (عادل عبد المهدي) غير مسئول عليه، لأنه كما تعرفون لم يمض على تسنمه منصب رئيس مجلس الوزراء سوى عدة شهور لا غير، لم يكمل عامه الأول بعد، وهل هذا يكفي لتغيير بلد نحو الأفضل واصل فيه الفساد لأبو موزة؟؟. لمعرفة رؤوس الفساد، إذا نرسم معاً جدولاً بيانياً نبين فيه من أوصل العراق إلى هذه الحالة الشاذة بعد التحرير عام 2003 بلا أدنى شك سيحتل فيه رأس الفساد نوري المالكي مربع رقم واحد بلا منازع، والمربع الثاني سيتنافس عليه كل من إبراهيم الجعفري والقزم حيدر العبادي.
هؤلاء هم مثلث الشر الحقيقي الذين أفلسوا العراق تحت شعار فرهود يا أمة محمد. تصور عزيزي القارئ، بلد مثل العراق، يشقه نهران كبيران من أقصاه إلى أقصاه، ويملك 30 مليون نخلة، ويُصدر 4 مليون برميل نفط يومياً، وتزوره عشرات الملايين من البشر سنوياً للسياحة الدينية الخ، لكن في النهاية نرى أن مواطنيه باتوا يتنقلون بالتُكتُك!!، ودويلات جارة للعراق لا تملك نصف خيرات العراق نرى أن أبنائه يملكون قصوراً فخمة، ويتنقلون بالسيارات الفارهة، ويملكون أرصدة كبيرة في بنوك العالم الخ، وفي المقابل كما أسلفنا نشاهد في قنوات التلفزة في شوارع بغداد تسير فيه الأعداد الكبيرة من التُكتُك تتخيل كأنك تشاهد مدينة هندية أو باكستانية الفقر فيها ضارب أطنابه؟؟!!. أنا متأكد كل التأكيد، إذا استمرت الحالة المأساوية على ما هي عليها ولن تعالج معالجة جذرية سيصفون على تاكسي دراجة، أو دراجة هوائية يجرها إنسان معدم كما هي في جنوب شرق آسيا، وسيتحسرون حتى على أيام التُكتُك. مًن يدري ربما يعودوا إلى أيام الگاري والربل. يا محلى الصدف، لقد قرأت في إحدى صفحات الفيس أن عربة التُكتُك تُستورد من الهند. انتبه، قبل 100 عام أيضاً استورد العراقيون عربة الربل من الهند أيضاً، حقاً كما يقال أن التاريخ يعيد نفسه، وأن العراقيين أوفياء للهنود، تبين أن البهارات الهندية تغزر، بعد قرن من الزمن لم يخيبوا ظنهم عادوا إليهم واستوردوا منهم التُكتُك، وهذا يعني أن الشعب في العراق على حطت أيدك، شعب مستهلك فقط، على مدى قرن من الزمن لم يستطع أن يصنع تُكتُكا؟؟.
عزيزي المتابع لما جرى ويجري في العراق، لا زالت ذاكرتي تحتفظ بكلام قاله شخص نجس رجس شيطان ناطق اسمه طارق عزيز حين سؤل في عهد حكم المجرم صدام حسين عن المعارضة العراقية قال: هؤلاء ليسوا معارضة، هؤلاء حفنة من اللصوص. وبالفعل لم يخيبوا ظن ذلك البعثي اللعين طلعوا الجماعة لصوص، سُراق وأصحاب كار على أصوله، وعلى وجه التحديد شيعة السلطة المتمثلة بمثلث الشر والبغي والخديعة المذكور أسمائهم أعلاه ومعهم أولئك الذين يسيرون في ركابهم من الناطقين بالعربية، أعني بعض أولئك الشيعة.. الذين أصولهم فارسية أعجمية، وكوردية فيلية شيعة، وتركمانية طورانية، ممن رخص نفسه بسعر بخس وصار مطية لهم مقابل حفنة من مال العراق المنهوب. لكن الفِرية.. التي غشوا وخدعوا الناس بها كشفت لغالبية الشعب العراقي بأنها مجرد أباطيل وافتراءات منمقة لا غير؟ إلا أنهم أذكياء في المراوغة والاحتيال والمكر بتضليل الشعب عن هدفه الذي ينشده، فعليه جاءوا بفِرية التعديلات الدستورية، التي أوجدوا لها تخريجة دستورية ويحاولون من خلالها إذا استطاعوا أن ينقلبوا على الدستور، أَي نعم، أنهم يحاولون بكل السبل والوسائل المتاحة لهم أن يؤولوا ما جاء في الدستور حتى ينقلبوا عليه، ويبغون من ورائها أن يتطاحن الشعب فيما بينه، أو يجعلوا العرب والكورد يتطاحنوا فيما بينهم وهم يجلسون على التل ويتمتعون بمشاهد القتال بين الشريكين، وبإخراجهم لهذا المشهد الدرامي المأساوي ينسى الشعب كل ما قاموا به من سرقات مال العام وعدم مراعاتهم لمواد وبنود الدستور خلال الأعوام المنصرمة التي لم ولن يحترموا فيها إرادة الشعبين العربي والكوردي اللذين تحدوا القدر وجاءوا بهذا الدستور الاتحادي الذي يضمن حقوق القوميتين الرئيسيتين العربية والكوردية وكل الأقليات العرقية والدينية في العراق وإقليم كوردستان، للحق والتاريخ أقول، لا يوجد في عموم بلدان الشرق الأوسط دستوراً يضاهيه، إلا أن الجانب الآخر، وأعني غير الكوردي، كعادته الشيطانية أدى القسم، لكنه عند التطبيق حنث بالقسم الذي أداه على القرآن ولم يلتزم به رغم أنه إسلامي..!!! مع أنه يجب عليه قبل الجميع أن يحترم قسمه. لكن للأسف؛ لم يكن قط أميناً على تطبيق بنود الدستور. بل حتى رجال الدين الشيعة كالمراجع وغيرهم ممن له ارتباطات.. بالأحزاب والكتل الشيعية صار يستخدم المنبر الحسيني لتشويه الشعب الكوردي دون أي وخز ضمير أخلاقي يؤنبه على فعلته، بلا أدنى شك، مثل هذا المخلوق.. قط لا يوخزه ضميره، لسبب بسيط، لأن الضمير ليس مثل الأعضاء الموجودة في جسم الإنسان كاليد والقدم والعين الخ أنه شيء مجرد إذا مات عند الإنسان لا يحس به، وعنده يتحول إلى كائن عديم الضمير عندها يقول ويفعل ما يشاء بلا مراجعة الذات. للأسف الشديد، أن كل هؤلاء الأشياع الذين يدورون في فلك السلطة سكتوا سكوت أهل القبور عن كل تجاوزات حكام الشيعة على بنود الدستور التي تنصف الشعب الكوردي قليلا. لكن القرآن لم يترك هؤلاء الظلمة المنافقون يتمادون فلذا وصفهم في سورة البقرة آية 140 وصفاً دقيقا: ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون. وأكد القرآن على سكوتهم عن الحق في ذات السورة في آية 283: ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فأنه آثم قلبه. عزيزي القارئ اللبيب، أن الجانب الشيعي قذف كل القيم والمبادئ خلف ظهره ولم يكتف بكل هذه الخروقات العديدة التي قام بها علناً على الدستور الاتحادي، والآن، رغم أن الوقت غير مناسب، جاء بكذبة التعديلات على الدستور. لكن وراء الأكمة ما ورائها. إنه وأعني الجانب الشيعي يحاول بشتى الطرق الملتوية والحيل المكيافيلية أن يجرد الإقليم من بعض الصلاحيات الدستورية التي منحه إياه المشرع لمواجهة شراسة حكام بغداد إذا حاولت التطاول على حقوقه المشروعة التي حصل عليها في الدستور، ثم أن التعديل على الدستور كما يحصل في عموم البلدان المتحضرة يجب أن يكون لترسيخ الديمقراطية والنظام الاتحادي لا أن تتآمر عليه من أجل تقليلها؟؟. للأسف، لا زالوا كما كانوا يسيرون على ذات النهج الشيطاني، لقد كونوا مؤخراً لجنة سميت بلجنة التعديلات الدستورية من 18 نائب في البرلمان الاتحادي ليس فيهم شخص واحد اختصاصه “القانون الدستوري”. تصوروا من ضمن هذه اللجنة شخص حاصل على شهادة ثالث متوسط!!!. ومن ضمن اللجنة أيضاً شخص طوراني من مخلفات الاحتلال العثماني في كوردستان، لا يضبط لسانه حين يسرد أقاويل ليس لها رصيد من الصحة ولا سند تاريخي، ويمد رجليه أكثر من غطائه. للعلم؛ إن وطنه الأم الذي جاءوا منه هو وأقليته يقع على حدود الصين؟؟. إلا أن الجماعة.. جعلوه رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الاتحادي؟؟؟!!! بالمناسبة، أنه من نفس الشجرة العائلية التي فيها هولاكو، وجنكيزخان، وتيمور لنك، أولئك الذين قتلوا الخليفة العباسي “المستعصم بالله” ودمروا بغداد والمدن الإسلامية الأخرى، وأبادوا معظم أهاليها. على أية حال. حقيقة لا أعلم كيف تتعامل القيادات الكوردية في الإقليم مع حكام بغداد فيما يخص مؤسسات الكيان الاتحادي؟؟ الذي نعرفه منذ أمد بعيد، أن القوميتين الرئيسيتين داخل الخارطة السياسية التي خطها الاستعمار البريطاني للعراق هما الكورد والعرب، أما الآخرون عبارة عن أقليات عرقية أو دينية نزحت إلى العراق وكوردستان في ظروف وتواريخ متباينة، لكن هذا لا يمنع أن يتمتعوا بكافة الحقوق التي يتمتع بها المواطن العراقي والكوردستاني. إلا أن الاتحاد كما أسلفت انبثق بين الإقليم العربي المسمى عراق، والإقليم الكوردي جنوب كوردستان، فمشاركة الأقليات غير العربية وغير الكوردية في المجلسين وغيرهما من مؤسسات البلد يجب أن تحسب على كوردستان أن كانت تعيش تلك الأقلية ضمن حدود وجغرافية جنوب كوردستان وتنحسب على العراق أن كانت تعيش ضمن حدود وجغرافية إقليم العراق، لكن الإقليمان العربي والكوردي يقعان ضمن حدود بلد الاتحاد الذي يسمى جمهورية العراق الاتحادية. من أجل هذا، كما جاء في الدستور الاتحادي في المادة (65) يجب أن يكون بجانب مجلس النواب مجلس الاتحاد، الذي نص عليه الدستور، ويكون فيه عدد أعضاء إقليم كوردستان وعدد أعضاء الإقليم العربي متساوية، وعند تصويت مجلس النواب على مادة معينة بأكثرية الأصوات تأتي إلى مجلس الاتحاد وهنا يحصل على القرار النهائي، لأنه بعدم وجود مجلس الاتحاد كل القرارات والقوانين التي سنها البرلمان الاتحادي تعد باطلة، ليست لها أية شرعية لأنها اعتمدت عند التصويت النهائي عليها على الأكثرية والأقلية وهذا لا يجوز في ظل النظام الاتحادي الذي يجب أن يكون فيه مجلس آخر باسم مجلس الاتحادي أو تحت أي اسم آخر يتفق عليه حتى يحفظ التوازن التشريعي في البرلمان ولا يمر من خلاله القوانين الشاذة، أضف أنه لا يجعل أن يتسيد الجهة الأكثر عدداً على الجهة أقل عددا، وكذلك لا يدع أن يتسيد إقليم من الإقليمين في الاتحاد العراقي على الإقليم الآخر. ومن واجبات البرلمان بمجلسيه أن يراقب أداء السلطة التنفيذية، التي تعمل وفق القوانين والقرارات والتوصيات التي يشرعها ويصدرها ممثلو الشعب في البرلمان الاتحادي.
الذي أريد أن أقوله في نهاية هذا المقال، أنني شاهدت من خلال قنوات التلفزة أن هناك إرباكاً عند القيادات الكوردية من التغييرات التي ستجري على مواد الدستور الاتحادي، حيث صرح عدد كبير من المسئولين في الإقليم بهذه المناسبة، لكن كلامهم فيه حيرة واضطراب لم يكن فيه صرامة وتهديد لمن يقترب من المواد الدستورية التي تخص الشعب الكوردي وإقليمه. ثم لماذا صرح هذا العدد الكبير من المسئولين عن هذا التغيير..؟ بيان واحد صارم وصادر من عموم الأحزاب والمنظمات الكوردية التي اجتمعت مع رئيس الإقليم كان كافيا لردع من تسول له نفسه إذا يحاول مد يده نحو حقوق الشعب الكوردي التي في الدستور الاتحادي. ثم، أن أي تغيير في الدستور سيعرض في نهاية الأمر على الشعب إذا رفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات لا يؤخذ بتلك التغييرات. أضف لكل هذا، أن ديباجة الدستور الاتحادي يقول: إن الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادة. لا حظ عزيزي القارئ المشرع يقول: يحفظ للعراق اتحاده. وليس وحدته. والاتحاد كما هو معروف ينبثق من قبل طرفين وأكثر؟؟.
09 11 2019
” الدستور هو المرشد الذي لن أتخلى عنه أبدا” الرئيس الأمريكي (جورج واشنطن)