من أسقط كركوك؟.. من أسقط سري كانيه؟

د. ولا ح محمد
    رداً على الانتقادات الحادة التي وجهت إليه بسبب سحب قواته من شرق الفرات والتخلي عن حليفه قوات سوريا الديمقراطية قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي: “تتذكرون قبل عامين من الآن، عندما كان العراق يحاول محاربة الكورد (على الطرف الآخر من سوريا)، أراد الكثيرون منا أن نقاتل جنباً إلى جنب مع الكورد ضد العراق، في حين أننا كنا قد قاتلنا معاً للتو في خندق واحد. لقد قلت لا. ولم يحارب الكورد، فعلوا ذلك مرتين، الأمر ذاته يتكرر الآن مع تركيا”. 
    لا شك أن مثل هذا الكلام يكشف عن الطريقة التي يتعامل بها ترامب مع الأحداث ومع حلفائه على حد سواء، الأمر الذي لا يقتصر على الكورد كما يظن بعضهم؛ فهذا الرئيس الفلتة لا يجيد سوى لغة مدير شركة وهو يتعامل سياسياً واستراتيجياً مع حلفائه ومع خصومه، فلطالما خاطب حلفاءه في الخليج مثلاً بأن تلك الدول إذا أرادت كذا وكذا فعليهم أن يدفعوا، وكأنه مدير شركة أمنية تعمل بالأجرة وليس رئيساً لأكبر وأقوى دولة في العالم. علماً أنه يخاطب حلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة وليسوا مؤقتين، كما أنهم دول قائمة بذاتها وليسوا أحزاباً كحال الكورد.
    قبل عامين تعرض ترامب بعد سقوط كركوك لانتقادات كبيرة من الطبقة السياسية الأمريكية بدعوى أنه أضعف حلفاء أمريكا وقوى خصومها عندما سمح لميليشيات تابعة لإيران من انتزاع كركوك ومناطق أخرى من الحلفاء الكورد. منذ أسبوعين يتعرض ترامب أمريكياً (من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء) وعالمياً لانتقادات أكبر مما تعرض لها في موضوع كركوك بسبب قرار انسحابه بهذا الشكل وفي هذا التوقيت (وكذلك اتفاقه المهين لأمريكا مع أردوغان)، إذ يرى الأمريكان أن القرار سيجعل أمريكا أقل أماناً وأقل مصداقية، وقد وصفه زعيم كتلة الجمهوريين في الكونغرس بـ”الكابوس الاستراتيجي”. 
    هذا الكابوس الاستراتيجي الذي خلقه ترامب لبلده ولحلفائه هو الذي أسقط كركوك قبل عامين وهو الذي يتسبب اليوم في مأساة الناس في كري سبي وفي سري كانييه وفي مناطق أخرى؛ فبغض النظر عن كل الظروف والمعطيات القائمة لو تصرف ترامب كرئيس أمريكي طبيعي لاستطاع أن يسحب قواته لدواعي شخصية انتخابية وأن يمنع في الوقت نفسه أردوغان بمكالمة تلفونية واحدة من ارتكاب عدوانه على أبناء المنطقة؛ فمن يصف رئيساً بالأحمق والشيطان ويخطابه بتلك الدونية قادر على منعه من ارتكاب هكذا جريمة، ولكنه لم يفعل.
      يقول ترامب في تصريحه أعلاه إنه رفض طلب رفاقه منه القتال إلى جانب الكورد في كركوك وكذلك في روجآفا ضد كل من العراق وتركيا وإن الكورد لم يحاربوا في المرتين، وبالتالي يعتز بصحة موقفه في الحالتين. هذا الكلام لا يخرج عن سياق تصريحاته ومنطقه الغريب عموماً، ولكن يمكن القول لترامب مباشرة: إن الكورد يا سيد ترامب لم يكونوا بحاجة إلى قتالك معهم أو نيابة عنهم ضد الآخر، بل كانوا بحاجة فقط لأن تكون صادقاً معهم وتقول للآخر: لا. لقد حارب الكورد في المرتين ـ كما تعلم ـ ولكن يبدو أنك لا تميز بين القتال دفاعاً عن النفس وبين القتال حتى الانتحار!!!
    بعد سقوط كركوك كتبت مقالاً بعنوان (من أسقط كركوك؟)، وحتى لا أكون متسرعاً في أحكامي لم أقم بنشره إلا بعد ستة أشهر. كتبت في ذلك المقال “أن من أسقط كركوك هو أولاً من خان قومه وقام بتسليم مفاتيحها لمرتزقة تحت جنح الظلام وهرب وترك أهلها فريسة للغزاة. وثانياً هو الأمريكي الذي سمح (جهلاً أو معرفة) للأول أن يفعل فعلته وبالتعاون مع خصوم أمريكا نفسها”. ذلك الأمريكي لم يكن سوى ترامب وقرارته وبعض عماله على الأرض آنذاك. 
    الآن من سمح ببلادة قبل عامين لميليشيات إيران بأخذ كركوك بتلك السهولة (في 16 أكتوبر) هو من يسمح اليوم بذات البلادة لميليشيات تركيا بأخذ سري كانيه باتفاقه مع أردوغان (في 17 أكتوبر!!). مع العلم أن أمريكا تعتبر تلك الميليشيات في الحالتين مجموعات إرهابية. وإذا كان ترامب (البارع) قد سكت في موضوع كركوك عن إيران وهي الخصم لأمريكا (كما يدعي) فهل ينتظر العالم منه أن يصرخ بشأن سري كانيه في وجه تركيا الحليفة؟. هل ستمضي الإدارة الأمريكية خلف رئيسها الكارثي حتى النهاية؟؟؟. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…