إبراهيم اليوسف
ثمة بعضهم من المعنيين بالشأن السياسي، ومثلهم من بين حملة القلم، لاسيما الكتاب منهم، اعتدنا أن نفتقدهم في كل الامتحانات والمحن والتحولات الخطيرة التي يمر بها أهلنا، ويمكننا هنا أن نتناول مواقفهم منذ مرحلة ما بعد ثورة الاتصالات، أي منذ مطلع الألفية الجديدة، فحسب، بعد أن بات تدريجياً في إمكان أي منا أن يبدي رأيه في أية قضية في المنابر الإلكترونية التي باتت تتكاثر، وغدت صوت من لاصوت لهم، قبل الثورة الثانية في هذا الإطار، ثورة شبكات التواصل الاجتماعي التي تم خلالها التمكن من التخلص من سطوة الموقع الإلكتروني- وكان آنذاك في إمكان أي كان أن يطلق لنفسه موقعاً إلكترونيا بتكاليف مستطاع عليها – وذلك، بعكس شبكة التواصل ذات السمة المجانية التي دقت المسمار الأخير في نعش سلطة الإعلام الذي لايزال بعض مموليه يهيمنون عليه، من خلال استكراء كتبة ومأجورين، إلى جانب بعض أصحاب الأقلام الحرة نسبياً
بعد هذه المقدمة السريعة، أحاول أن أتناول بعض هؤلاء الذين كانوا يهرعون صوب سياسييهم وكتابهم:
لم ليس لكم موقف؟
وإذا كان لايزال هناك بعض هذا النموذج موجوداً، ممن يرمي سواه بالتقصير في المهمة الملقاة على كاهل كل منا، بالإضافة إلى وجود ذلك الأنموذج الذي يعبث بما توافر له من حضور على هذه الشبكة، من خلال لعب دور سلبي لتثبيط همم من يعمل على نحو جدي، أو من خلال مناصرة طرف دون طرف، حتى وإن كان الطرف الذي ينتصر له مخطئاً، إلى ما هنالك من حالات جد كثيرة
ما أريد التوقف عنده – هنا- هو نموذج يدعو إلى الحيرة من أمره، إذ تراه ذا حضور كبير في أية جلسة، أو سهرة، يفتح خلالها باب الاستعراض، يزايد على سواه في الوطنية، ومنظومة القيم والحرص والمبادئ والأخلاق، ولعل بعضاً من هذا الأنموذج يخرس من يعمل على نحو صحيح، سواء أكان ذلك مواجهة، أو من خلال النيل الإلكتروني منه الذي جعل كل امرىء ذا تاريخ إلكتروني بطولي، إلى الدرجة التي نجد فيها من رضع حليب النظام، وكان عيناً على سواه قد يتحدث عن أنه كان معارضاً، ومدافعاً شرساً عن حقوق الإنسان، بل ثمة من يختلق حكاية سجن وهمي، أو بطولات في مواجهة أمن النظام.
البطولات أصبحت رخيصة في زمن الإلكترون، وثمة تشويش على أذهاننا جميعاً، إذ نسمح لبعضهم بأداء كل هذه الأدوار البائسة أمام أعيننا، وثمة من يريد اتخاذنا شهوداً، فإما أن نسكت ويبدو بطلاً، وإما أن نواجهه ونخسره…!
والخطير هنا، أن بعضهم بدا وخلال العقدين الماضيين، ولاسيما منذ محطة ربيع دمشق، ومروراً بانتفاضة الثاني عشر من آذار، واستشهاد الشيخ معشوق الخزنوي، وما بعد الثورة السورية إلخ، وما بين هذه المحطات مما لم يحضرني في هذه العجالة، دأب السكوت في أشد المحن التي يمر بها أهلنا، ثم ينتظر زوال دواعي الخوف، ومن ثم جلاء الأمور، ليقف إلى جانب طرف من هذه الأطراف، يتذكر بعض أصدقائي أننا كنا في غمار إحدى الأزمات الشديدة على شعبنا، وقال احد كتابنا وهو ثمل:
أعترف انني جبان، وأن فلاناً كذا
ليتحدث عن بطولات شخصية، في ما بعد، بل ليسيء إلى كل من اتخذ موقفاً شجاعاً، من خلال طرق ما، بل إننا في محطة هي الثاني عشر من آذار مثلاً وجدنا إساءات من قبل بعضهم، على من رافعوا عن أهلهم، وثمة الكثير لدينا، وهناك من يعيش تلك العقدة حتى الآن؟
إن انتظار انقشاع سحب الخوف، والسكوت عن قول الحق في الوقت الذي يكون ذلك مكلفاً شأن بعضهم، الذين خبرناهم، وها هي دائرتهم تتسع، لاسيما أمام عدم المقدرة في اتخاذ الموقف الصائب، في هذه المرحلة المفصلية، حيث كرامة أهلنا تدنس
هؤلاء الذين يصمتون، أثناء اشتداد المحن، والوقائع، يمكننا تفهم أحوالهم. أمورهم، إلا أذا أخرجوا رؤوسهم من مخابئهم، وباتوا ينظرون في ثنائيتي: الصواب والخطأ، ليقدموا أنفسهم فرسان الموقف!
تعالوا نقرع الأجراس؟!