إتفاقية اللّاأمان وَلا ضَمان!

إبراهيم شتلو
الجّميع يَدور وَيُحاور وَيناقش وَكُلّ حَسب فَهمه لمَصلَحته وَأطماعه وَجشعه السّلطوي وَسَعيه وراء تثبيت نُفوذ حُكمه وَبَسط سَيطرته على أراض الآخرين وَإنتزاع أوطانهم منهُم في حين تَتوارى جَميع المَبادئ الأخلاقية وشرائع الأديان السماوية ولائحة حقوق الإنسان وَمبادئ المُنظمات الدُولية عن حق الشعوب في تقرير مصيرها خلف إستراتيجية السّيطرة وَبسط النفوذ وَتحقيق المَكاسب الإقتصادية وَتحقيق الأهداف التوسُعية دون أي إعتبارات أخلاقية أو إنسانية أو معايير عادلة.
الرئيس الأمريكي ترامب يُريد أن يَرد الإعتبار لنَفسه بَعد أن تَخلّى عن أغلى مايَملكُه الإنسان ألا وَهُو الأيفاء بالوعد وَ رَد الجّميل بالمثل وَالوقوف إلى جانب الحَق فَحشَد ما يُمكن لَه أن يُجنّد من مُعاونيه وأفكار ليَحط في أنقرة عند سُلطان الطورانية الحاقدة مُساوما مُفاوضا راجيا وَمُلوحا بالقَطيعة والعقاب سَعيا لحفظ ماء الوَجه وَحفاظا على ماتَبقى له من شَعبية بين قادة جيشه وأعضاء حزبه الجّمهوري. وَكان له ما يَعتقد أنّه نجاح رَد لَهُ الإعتبار كرئيس أكبر دولة ذات نُفوذ وأعطى لسلطان طوران رجب أردوغان فُرصة لحَشد المَزيد من القُوات وإعادة دَرس الإستراتيجية الحربية ضد الشّعب السوري الذي صَمد بكُل بُطولة وَتضحية سامية رفيعة في مدينة رأس العين طوال تسعة أيام تَحت قصف جوي وَمدفعي وحصار عسكري و وَحشية جحافل قُطّاع الطّرق والإرهابيين.
لَم تَهدف مَساعي ترامب في بعثته إلى أنقره إلى دَعم حق الشّعب الكردي في الحياة الحُرة الكريمة وَلَم يَكن الدّافع إليها رغبته في حمايته من حرب الإبادة التي يَتوَعَدُه بها أردوغان طورانستان وَلم يَكُن في حُسبانه أي إعتبار إلى إحترام حُدود الدّولة السورية وسيادتها على أراضيها.
هدنة 122 ساعة وَلأول مَرة في تاريخ البشرية الحديث يُطالَب مُواطنوا دَولة بإخلاء بيوتهم وَقراهم وَمُدنهم لصالح إحتلال دَولة أجنبية مارقة حاقدة وَ إدخال مَجموعات مُسلحة مرتزقة إحتضنتها دولة أجنبية طامعة معتدية وغذتهم بروح الكراهية ضد وَطنهم الأم وَدرّبتهم على قتال أبناء جلدتهم بكُل وَحشية وَغدر.
أتفاقية جَرت بَين طَرفين: أحدُهما خانَ العَهد لحَليف قدم 12 ألف شهيد من خيرة بناته وأبنائه درأ لأخطار أكثر المجموعات الإرهابية شراسة نيابة عن الإنسانية دولا وشعوبا وأخر طوراني شوفيني تاريخه غارق في دماء الشعوب والطوائف الأخرى صَنع مؤخرا الإرهابيين وأسكَنهم معسكراته وَدرّبَهم على القتل وَالنّهب وَالسّبي وَ زَودّهم بالسّلاح وَالعتاد وَ رَصد لهُم المنح والإغراءات كُلّما أمعَن في مُمارسة التّخريب وَ الدّمار وَالقتل في أبناء الشّعب السوري.
إتفاقية تُلزم الشّعب السوري بالإنسحاب من أرض أجداده وَتراب وَطنه لصالح جَيش طوران العَرمرم وشراذم العملاء والمرتزقة ممن يطلقون على أنفسهم الجّيش الحر و قوات درع الفرات.
إتفاقية كهذه بين طَرفَين وبدون أي خَجل حَيثُ لا يُمثل فيها الطّرف الرئيسي المَقصود وَالمُستهدف بشكل مُباشر ليُعلن الوَسيط والمُعتدي توصّلهم إلى إتفاق يُلزم الضّحية بالتنفيذ خلال 122 ساعة ليعقب تلك الهدنة القصف الجوي والمدفعي والهجوم الشرس للمجموعات الإرهابية على مُدن الشمال السوري. 
وَليكون كُل شئ مُباح والأبواب مَفتوحة للمُعتدي لأنّ الطرف الآخر – الكردي – لايُريد النُزول عند رغبة سلطان طورستان وَيخرج من المُدن والقرى التي يُريد الجيش التركي الدخول إليها..!…
هَل قرأتم أو سَمعتم بمثل هذه السابقة في تاريخ البشرية الحديث وَالمُتمدّن والحضاري مَثيلا لَها؟
أتفاقية بنس – أردوغان في يوم 17 تشرين الأول 2019 إنما هي صَفَقة حفظ ماء الوَجه لأحدهما وَترخيص رسمي مُوثّق لتنفيذ رغبة الإحتلال للطّرف الآخر المُعتدي إذ لا أمان لها وَلا ضَمان لأمن الشّعب الكردي السوري في وطنه وَالمجازر في الأيام القليلة القادمة سَتروي لنا مَرة أخرى أشنع صُور القتل والتدمير وَحرب إبادة الشّعوب تَحت غطاء جَديد ألا وَهُو أنّ الشّعب الكردي يَرفض تَنفيذ أتفاق بين دَولة خانَت العَهد وَفضّلت تَسليم الضّحية للجَّزار على نُصرة الحَق وأخرى هدفها إقتلاع جُذور شَعب عريق من أرض آبائه وأجداده وَيرفض إخلاء مَوطنه لجَيش المُعتدي الأجنبي الغاشم.
وَسنُتابع وَبكُل مرارة وألم مُشاهدة طوابير عشرات الآلاف من المواطنين العُزل وَهُم يُحاولون النّجاة بأنفُسهم من وابل القَصف الجّوي وَقنابل مَدافع أحد أكبر جيوش حلف الناتو وَمجازر عصابات مُرتزقة سُلطان طوران كلّ ذلك على مرأى ومشاهدة الدول الإقليمية والعربية والإسلامية والإتحاد الأوربي وروسيا الإتحادية والمُنظّمات الإقليمية وَالدينية وَالخَيرية وَالعالمية وإمام الأزهر الشريف وبابا الفاتيكان. وَسَتكون إتفاقية أنقرة الأخيرة حَلَقة جَديدة أخرى تُضاف إلى سلسلة حَلقات حُروب إقتلاع الشعب الكُردي من جُذوره وَإبادته عَلى يَد أحفاد سلاطنة آل طوران. 
وَلكن هَل يُمكن إبادة أمّة بأكملها وإنهاء وُجودها في حين بَناتها وأبناؤها مُستَعدّون دائما لتَقديم ثَمن حُريَتها وَكَرامتها؟ 
دراسات كُردية – إسلامية
ألمانيا ، 18 أكتوبر2019

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…