مصطفى جمعة
بداية لا بد من القول أن تركيا ما كانت لتستطيع القيام بهذا العدوان لولا حصولها على الضوء الاخضر الأمريكي الروسي، وبموافقة ضمنية من النظام وإيران، فتركيا ضغطت لتجاوز الاتفاقية الأمنية بينها وبين أمريكا بموافقة الإدارة الذاتية، لأنها تحد من تحركها العسكري المباشر. هذه الاتفاقية وفرت الأمن للحدود وأبعدت تهديدات قوات قسد كما تزعم تركيا، ولا داعي للغزو إذن، ولكن هدف تركيا ليس هذا كله. هدف تركيا احتلال كردستان الغربية بأكملها وليس عفرين سابقا ولا المساحة القابعة بين گرى سپي وسرى كانييه حاليا، لأن هذه المساحة لا تستوعب أكثر من ثلاثة ملايين مهجر سوري في تركيا مضافا إليهم ما يمكن جلبه من ادلب بعد فتح معركتها لاحقا .
كما لا يخفى على أحد سمات المشروع التركي الذي يأتي صراحة على لسان القادة الأتراك حول احتلال كامل روج آفا وصولا الى الحدود العراقية، والحصار الاقتصادي والسياسي على إقليم كردستان العراق وربما التدخل، لأن هذا الإقليم الذي سقط المصطلح الدستوري له من الخطاب التركي وأصبح شمال العراق، مصدر إنتعاش وقوة لجميع الكرد أينما كانوا .
أمريكا بانسحابها سلمت أمور الوضع السوري بخلاف الرأي الأوروبي والتحالف الدولي الى روسيا . وروسيا منذ البداية دخلت سوريا بموافقة النظام، ومساعدته على بسط سيادته على كامل التراب السوري، فما الذي بقي خارج سيطرة النظام حتى الآن غير منطقة إدلب، بعدما تم تسليم مناطقنا له من قبل تابعه ب ي د .
الفعل على الأرض الآن بيد روسيا ، وهي حتى اللحظة ليست في وارد وقف الاجتياح التركي، رغم أن العقوبات الأمريكية والأوربية تساعد في ذلك، بل هي تسعى الى إضعاف الإدارة الذاتية لفرض شروط النظام بشكل أفضل في المستقبل من جهة، وعدم الضرر بعلاقاتها مع تركيا من جهة أخرى .
ولكن الأمور لا تسير دائما كما يخطط لها ؛ بل ربما تتغير مسار العمليات العسكرية بصمود المدافع الكردي ، كما يتغير الموقف الدولي الذي يتحسن لصالح الطرف الكردي الى حالة عملية في وجه المشروع التركي الذي يضر بمستقبل استقرار منطقة الشرق الأوسط .
برأيي فشل الغزو التركي يتوقف على جملة عوامل تتوفر مع صمود شعبنا ، أهمها بروز مواقف دولية أكثر حزما وقوة وصولا الى قرار من مجلس الأمن بوقف العدوان والانسحاب ، وإرسال قوات دولية الى مناطق الحدود لضمان حماية الشعب الكردي من أي تهديد لاحق ، وكذلك الاجماع الكردي وفق مرجعية كردية شاملة تنشأ سريعا بدعم الأشقاء ، تكون بيدها القرار السياسي والعسكري الكردي حتى تنتفى ذرائع التدخل بحجة الإرهاب .
من جملة ما يساعد على وقف العدوان وسحب الذرائع والحجج من الموقف التركي ، إعلان من ب ي د بقطع العلاقة السياسية والتنظيمية مع حزب العمال الكردستاني المصنف كحزب إرهابي ، والعودة الى الخيمة الكردية عبر إعلان صريح ومبدئي الى وحدة الصف الكردي والحركة السياسية الكردية ، وبناء تفاهمات تخدم ليس فقط منجزات الشعب الكردي ؛ بل وتساعد في تأليب رأي عام دولي مؤيد للحق الكردي .
ولا ننسى هنا أن القراءات السياسية للمجلس الوطني الكردي بشأن معظم المسائل السياسية كانت خاطئة ولم ترقى الى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه ، خاصة وأن المجلس بتركيبته الحالية ولائحته الداخلية ومشروعه الذي لم يعمل به ، وكذلك أحزابه ، لم يوفر أية أرضية يمكن البناء عليه وفق التطورات التي حصلت وتحصل على الساحة السورية عموما والكردية خصوصا ، ولهذا بقي حتى الآن متردد ودون موقف سياسي واضح تعبر عن الآمال الي علق عليه شعبنا ، وعليه بقي في واحة انتقاد ب ي د دون تقديم البديل الممكن ، مع أن كردستان سوريا يتعرض لعدوان تركيا والمجاميع المسلحة التابعة له ، بهدف إنهاء القضية الكردية وإسكان ملايين المهجرين السوريين وتثبيت التغيير الديمغرافي الذي يسعى له بجدية . فمنذ احتلال عفرين وندعو الى مراجعة شاملة وإعادة النظر في مواقفنا وديناميكية عملنا وآليات نجاحه دونما فائدة ، ولا ننفي هنا أن ب ي د وإدارته الذاتية السبب الرئيس في استعصاء التفاهم والتوحد السياسي في الميدان الكردي ، ولا زال على نفس الخطى .
دور الرئيس مسعود البارزاني والقيادة الكردستانية مهم جدا في هذه المرحلة دبلوماسيا وميدانيا ، ويمكن أن يساهم في حلحلة بعض التوافقات الكردية والكردستانية ، ويتفاعل مع بعض المواقف الدولية لوضع حد لهذا الغزو والدمار والقتل ، وينقذ ما يمكن إنقاذه .