أفكر الآن في شيء واحد

إبراهيم محمود 
أفكر الآن في شيء واحد، وأنا كلّي رغبة، في أن يستقر الوضع حيث يكون أهلنا ” هناك “، شيء واحد حصراً، وهو هل يمكن لهذا الاستقرار، أن يكون متنفساً للجميع الجميع لكي ينظروا إلى الأمام، وليس إلى الوراء، أو اليمين أو اليسار، حرصاً على البقية الباقية من أعمارنا، والبقية البقية ممن ظلوا هناك، ليتمكنوا من الدخول في عقد حياتي من نوع مختلف؟
أفكر الآن في شيء واحد، وليس سواه، وأنا أتحرق شوقاً، إلى اللحظة التي أيمم شطر قامشلو حيث ينتظرني بيتي، تنتظرني شجرتي اليتيمة، سقف بيتي المكدود، شارع بيتي الضيق، الزوايا الحادة والمقوسة لمحيط بيتي، ينتظر، طبعاً، من لا زالوا هناك أهلاً ومعارف وأحبة، ليكون لنا، معاً لقاء حياة من نوع آخر، فالحياة تتطلب أكثر من استراتيجية علاقة بالتأكيد، لتعمَّر.
أفكر الآن في شيء واحد طبعاً، ما إذا كنا نمتلك تلك الإرادة الموحدة في التحرر من ماض انفجاري، انتفاخي، سعاري، سرطاني، طاعوني، حباً بما يمكن أن يعزز حيوات فينا أكثر، حباً بأطفالنا الذين كانت عتمات اللياتي قابلتهم، والأوجاع مهاد أمهاتهم، والمخاوف تتلبس آباءهم.
أفكر الآن في شيء واحد، وليس سواه، ما إذا كان في مقدورنا أن نثبت لأمواتنا أننا قادرون على تجاوز منغصاتهم، وكوابيسهم، وبقايا ظلال أفكارهم المتشظية والمعدية، أن قاماتنا أكبر من شاهدات قبورهم، وأنا ما في أيديهم من حجارة عمارة أرواح مشتركة، أكثر، وبما لا يقاس، من أي معول هدم، مزكى من وصية ميْت فينا، ولا يريد لنا استقراراً.
أفكر الآن في شيء واحد، ما إذا كان لنا، أن نهيء أنفسنا للغد، وليس للماضي، للشجر، وليس للنار التي تحرقه، للطريق المستقيم الذي يسمح لنا بسلوكه دون خشية أي منا من الآخر.
ما إذا كان لدينا وعي مغاير، مستخلص من فظاعات ما عشناه حتى الآن، وما يمكن أن نعيشه إلى إشعار آخر، لنكون قوة حياة، وليس وقود حرب بينية، أو أيادي انتقام.
أفكر الآن في شيء واحد، ما إذا كان في مقدوري أن أكتب نصّي الأخير، وعيناي تنظران إلى رحابة السماء، ويداي تنبسطان تأخذان بوساعة الأرض، وأنا أغمض عيني الإغماضة الأخيرة، وملؤ روحي سعادة تنعش جسدي حتى مقرّي الأبدي…؟!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…

عزالدين ملا عندما اندلعت الثورة السورية، كان أول مطالبها إسقاط نظام عائلة الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد وحوّلها إلى مزرعة لعائلته وأزلامه. كانت هذه المطالب تمثل رغبة شعبية في التحرر من عقلية الحزب الواحد والفكر الشمولي، التي أدت إلى الاستبداد والديكتاتورية وقمعت الأصوات المخالفة. إلا أن المرحلة التي تلت سقوط النظام كشفت عن تحديات جديدة أمام بناء سوريا…

د. محمود عباس هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة…

إبراهيم كابان لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل…