أطروحة السلم الأهلي، من المفهوم إلى التطبيق..!

إبراهيم اليوسف
 
لم تكن مناطقنا، في يوم ما، أحوج إلى السلم الأهلي، كما هي بحاجة إليها، الآن، بعيد ثماني سنوات من الحرب المريرة، التي خلفت وراءها جراحات عميقة، كما أنه تكاد ألا تكون هناك أسرة سورية، إلا وتجرعت كأس المرارة، من خلال التنكب بفلذة كبد، أو فلذة وطن، أو مابينهما مما هو مرير يحمل رائحة الفقد، وطعم الخسارات،، وهوما راكم حالات احتقان رهيبة لم تجد متنفساً لها، من قبل، وها قد غدونا، الآن، وفي هذه المحطة التاريخية أحوج إلى التداعي من أجل تفعيل لجان السلم الأهلي التي وقفنا إلى جانب تشكيلها، خارج الوطن أو داخله، وبقيت مهمشة، ديكورية، إعلانية، عند المجلس الوطني السوري، و موقوتة لدى سواها، كما حال المجلس الوطني الكردي، وذلك بسبب تكبيله، وتهميشه، من قبل الإدارة الذاتية الحاكمة التي ارتأت أن من أول أولوياتها، أن تتشدد مع المجلس الوطني الكردي- الأعزل- وبأكثر من التشدد مع بؤر داعش، حتى المسلحة منها، وهو شأن آخر، تعرف أسبابه، الآن، بعيد التطورات الجديدة التي حدثت في المنطقة على إيقاع:
بالروح بالدم نفديك يابشار!
العبارة التي لا يؤمن بها في أعماقه، حتى من يرددها، لأن جميعهم داخل في حرب طاحنة مفروضة، ولايمكن لأحد أن يفدي الطاغية الأسد، إن أتيحت له الخيارات، إلا أنه مكره، على لوك عبارات كثيرة لطالما لقنت بها الأجيال، في كتب القومية، وحتى التربية الدينية، لتكون مناهجنا المدرسية، بل مدارسنا، عبارة عن مداجن لإنتاج مجرد عقل واحد وبائي، كانت من نتائجه الحرب التي دارت على السوريين، ودفع كل منا ثمنها، بشكل، أو بآخر؟!
لايخفى على أحد، أن في منطقتنا عشرات الآلاف من: الدواعش، ممن إذا كان في رأس قائمة أجنداتهم عدو رقم واحد، هو الكردي، فإن طبيعته لاتوفر-في المحصلة- أحداً، كما حدث في مظان كثيرة، إذ إنه تنظيمهم مؤسس على حرق جميع مكونات البلاد، بغرض إعادتنا إلى مجاهل التاريخ، كما أن عسكرة منطقتنا- وللأسف- نتيجة دواع عديدة، جعلت الكثير من أنواع الأسلحة متوافراً بين الناس، بالإضافة إلى وجود جهات وقوى وخلايا نائمة، على امتداد مدننا، وأريافنا، ولهذا فإن أول خطوة، منذ اليوم. منذ هذا اليوم، يوم مابعد المستجدات الطارئة في المنطقة هو انطلاقة هذه اللجان، وإمساكها بزمام الأمور، لوضع حد أمام من تسول لهم أنفسهم، ممن تربوا على ثقافة القتل، والسرقة والنهب، أو من لهم أحقاد سابقة على سواهم.
إننا في بلدنا كله، وفي مناطقنا هذه، سواء أرفضنا أم قبلنا شركاء البيت الواحد، وما علينا إلا أن نحرص على من معنا، قبل أنفسنا، وبعيداً عن ممارستي: تقزيم أحد، أو الاستعلاء على أحد، ومن دون الشعور بدونية الذات: أية ذات، أمام الآخر، فالتاريخ الحقيقي لمكاننا، هو ما نخلقه الآن، والجغرافيا الحقيقية لمكاننا هي تلك التي نتفق عليها الآن.
المهمة جد سهلة، إن تواجد الحب واحترام الآخر والذات، وهي جد صعبة، إن هيمنت ثقافة الفرقة التي أسس لها خلال سنوات الحرب، على نحو خاص، وتم خلالها تأجيج النفوس، فإن من ينتقم من سواه فإنما هو ينتقم من نفسه. من أمنه. من أمانه. من حياته، وحياة كل مكون. كل فرد. كل طائر. كل فراشة، من مكاننا لتكن على سلم الحرص، كما حرصنا على أنفسنا، وما يقع في دوائر ملكيتها..!
ليس لديَّ أجندة جاهزة، في هذا المجال، وإن اشتغلنا في بداية الحرب، على مسودات بعضها: تصورات أو وقائع، إلا أن أهلنا هناك قادرون على تفعيل مابين أيديهم من- كشاكيل- سلم أهلية، صالحة، لتكون دستورنا جميعاً، فلا زلنا قادرين الحفاظ على ماتبقى لنا، وماخسرناه، يمكننا رصده غداً، من دون أن يضيع حق أحد..!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…