ما لابد من قوله مجدداً

 إبراهيم محمود
لا يولد أحدهم كاتباً، أو مثقفاً، إنما يكونُه. ولو تسنى لسياسيينا إجمالاً، لسدنة عقائدياتنا القطيعية، لما سمحوا بظهور أي كاتب، أي مثقف، يتكلم دون إذن منه قطعياً ، أو يكتب دون أي إذن من أحد. وأن يصبح أحدهم كاتباً فعلياً، مثقفاً يثير سخط من يتلاعب بالعقول والنفوس، لا بد أن يصادق مصاعب شتى. خصوصاً في عالمنا اليوم. وما أكثر القدرات المتاحة للكتابة، لمن يحاول الظهور كاتباً أو مثقفاً يؤمّن على رصيد مستقبلي. وجائزته الكبرى تنبيهه لمن يخشاه أنه له بالمرصاد.
ما لا بد منه مجدداً، وفي ظل هذا التدهور الكردي، والتفكك الكردي، وليس لأن الأعداء أقوياء حصراً، ما لا بد منه، إن أراد أي كان أن يكون كاتب الحقيقة، مثقفها، شاهد عيانها. فليسم كل شيء باسمه. كل مدينة، وما عانته على مدار حرب أردوغان وغير أردوغان، كل منطقة، كل ناحية، كل قرية، كل حارة، كل زاوية كردية.أبعد من حدود روجآفا.
ليؤرخ على طريقته لصراخ الثكالى الكرديات وغير الكرديات، ليكون إنساني الأبعاد، ليرسم صورة ملونة لصرخة كل أم، وخوف كل فتاة، وقهر كل رجل مسن. ليصف، ولو في عبارات معدودة، ما هو عليه حال بني جلدته، وغير بني جلدته، لئلا تتلبسه تهمة العنصرية .
أن يضع إصبعه على الجرح. وما أكثر جراحات الكردي. ما أكبر جرح الأرض فينا، ما أوسع جرح الشجر فينا، ما أعمق جرح البهيمة المرصودة لرصاص الأعداء وحصار الخراب فينا. أن يوغل في ألم الجريح، جريح حرب العدوان عليه من جهات شتى، أردوغانياً أو خلافه، ويأتي على وصفه بالدقة، أن يرسم ذهول المحتضر، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وهو يدافع عن بيته، عن جماده، عن سمائه، عن أهله، عن حرمة كل ما ينتمي إليه بصلة، لينال شرف الكتابة .
أن يطلق للعنان: أفكاره، لتشهد له يوم حساب ما، باللحظة، بالساعة، بالنهار، بالليل، بالرقم الدقيق، شهادة أنه يعيش متغيرات الزمن من حوله، ومتأثرات المكان من حوله.
لا بد أن يعلنها بالفم المليان، عما جري ويجري في الحسبان، ودونما تردد، فمن أكبر الهوان، أن يأخذه الخوف من أحدهم، ذي شأن، أو خسارة موقع، أو وظيفية، أو مقام. 
ليس على الكاتب، المثقف الكردي من حرج، إن أخرج قواه الحية إلى جهاته المفتوحة، كما لو أنه الوحيد في الساحة، فصيحاً، مفصحاً عما تعرض مكانه الآهل بالحياة، زمانه المأهول بالحياة، ليكون أهلاً بصفة الكاتب أو المثقف، فهو وحده مرجع ذاته الوحيد، وهو محكمته الذاتية، عُرفه الأخلاقي الوحيد الأوحد، معين روحه الهادر في كل اتجاه، ودونما التفاتة إلى الوراء. فالنهر من طبعه، أن يشق مجراه في جلمود الصخر، في متن الصحراء، إلى الأمام  .
لا يملك الكاتب/ المثقف الكردي سوى قيوده. فلينطلق .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عزالدين ملا عندما اندلعت الثورة السورية، كان أول مطالبها إسقاط نظام عائلة الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد وحوّلها إلى مزرعة لعائلته وأزلامه. كانت هذه المطالب تمثل رغبة شعبية في التحرر من عقلية الحزب الواحد والفكر الشمولي، التي أدت إلى الاستبداد والديكتاتورية وقمعت الأصوات المخالفة. إلا أن المرحلة التي تلت سقوط النظام كشفت عن تحديات جديدة أمام بناء سوريا…

د. محمود عباس هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة…

إبراهيم كابان لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل…

اكرم حسين لاشك أن استبعاد ممثلي الشعب الكردي من أي حوار أو مؤتمر وطني سوري ليس مجرد هفوة أو إهمال عابر، بل سياسة مقصودة تُجسّد رفضاً مُضمراً للاعتراف بحقوق شعبٍ عريقٍ ساهمَ في تشكيل تاريخ سوريا وثقافتها. فالكرد، الذين يُشكّلون أحد أقدم المكونات الاجتماعية في المنطقة ، عانوا لعقود من سياسة التهميش المنظم ، بدءاً من حرمان الالاف من الجنسية…