هذا ليس وقت المزايدات

د. ولات ح محمد
    في كلمة وجهها اليوم الرئيس مسعود بارزاني دعا الكورد إلى بذل كل الجهود لإيقاف هذه الحرب على غرب كوردستان وقال للجميع “هذا ليس وقت المزايدات”. من المؤسف أن هناك من الكورد من لا يتوقف عن إطلاق المزايدات حتى في أصعب الظروف وأخطر اللحظات على الوجود الكوردي. هؤلاء المزايدون ينتظرون سقوط الكوردي الآخر حتى لو كان في ذلك السقوط إبادة الكورد عن بكرة أبيهم. في مأساة كركوك قام قسم من الكورد بممارسة هذه المزايدات بدلاً من القيام بواجب الدفاع عن كركوك وعن الحق الكوردي. وبعد ذلك بشهور قليلة في مأساة عفرين قام قسم آخر من الكورد بممارسة هذه المزايدات بدلاً من قيامهم بواجب الدفاع عن عفرين والتنديد بالعدوان السافر آنذاك.
    مأساة كركوك قادت إلى مأساة عفرين وكلتا المأساتين أدتا اليوم إلى تجرؤ أدروغان على شن هذا العدوان على كل غرب كوردستان. في هذه الظروف العصيبة آثر قسم من الكورد  من جديد اللجوء إلى لغة المزايدات، فمنهم من يصور القضية وكأنها قضيته هو دون غيره، ومنهم من يحمل المسؤولية لخصمه السياسي، وكأنهم لا يعلمون أنهم جميعاً في مركب واحد إذا غرق فلن تقوم لهم جميعاً قائمة بعد اليوم، فهدف أردوغان من هذا العدوان ليس القضاء على حزب أو فصيل كما روج لأكذوبته طول السنوات الماضية، بل وأد التطلعات الكوردية ومكتسباتهم إلى الأبد. وليس هناك كوردي واحد في كل أرجاء المعمورة رابح من هذا العدوان.
    الوقت ليس وقت المزايدات فيقوم كل طرف بتحميل الآخر مسؤولية الكارثة التي قد تقع ويبرئ نفسه وكأنه خارج المسؤولية. هذا ليس وقتاً لتبادل الاتهامات وإظهار كل طرف أنه الأكثر حكمة وحرصاً ونزاهة، بينما تضع الأحداث مصير الكورد برمته على المحك. خطر العداون الحالي ليس فقط على حزب وليس على غرب كوردستان وحدها بل على كل الوجود الكوردي وعلى مكتسباته في كل مكان. نتيجة هذه الحرب ستغير مصير الكورد لخمسين سنة قادمة. لذا على الجميع التوقف عن ممارسة المزايدات والعمل على توظيف كل الإمكانات لإفشال هذا العدوان الحاقد والبغيض.
    عند اتخاذ البرلمان التركي قرار ذهاب الجيش التركي لأداء هذه المهمة العدوانية تخلى جميع خصوم أردوغان عن خلافاتهم معه ودعواتهم لإسقاطه وصوتوا لصالح قرار هذا العدوان، فهل غرب كوردستان ومصير أهلها لا يستحق أن يضع الكورد خلافاتهم السياسية الآيديولجية جانباً ويوحدوا موقفهم من أجل رد هذا العدوان والدفاع عن النفس وليس للاعتداء على أحد؟؟!!. الجميع أحزاباً وأفراداً، كتاباً وإعلاميين وقنوات تلفزيونية مطالبون فوراً بنسيان حساباتهم الحزبية والشخصية والتوقف عن التراشق الإعلامي وعن التحميل المتبادل للمسؤولية المأساة. وبدلاً من ذلك كله على الجميع التسابق للقيام بمسؤولياتهم التاريخية (كل من موقعه وحسب قدراته) لرد هذا العدوان الهمجي، فالتاريخ يسجل ولن يرحم أي متخاذل أو مزايد. هذا ليس وقت المزايدات.. اصحوا قبل أن تناموا جميعاً.. وإلى الأبد.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…

عزالدين ملا عندما اندلعت الثورة السورية، كان أول مطالبها إسقاط نظام عائلة الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد وحوّلها إلى مزرعة لعائلته وأزلامه. كانت هذه المطالب تمثل رغبة شعبية في التحرر من عقلية الحزب الواحد والفكر الشمولي، التي أدت إلى الاستبداد والديكتاتورية وقمعت الأصوات المخالفة. إلا أن المرحلة التي تلت سقوط النظام كشفت عن تحديات جديدة أمام بناء سوريا…

د. محمود عباس هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة…

إبراهيم كابان لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل…