المهاجر السوري بين الحاجة والاستغلال

خالد بهلوي / المانيا    
أعتقد العامل السوري الذي عانى ويعاني من ويلات الحرب والفقر والجوع بان الهروب او الهجرة خارج الحدود تنقذه ويجد فيه الامل والحل الأمثل لجميع مشاكله بدءا من أيجاد فرص العمل وانتهاء بالأمان والاستقرار. 
فمن وصل الى أي دولة أوروبية توفر له السكن وراتب شهري وضمان صحي وضمان ضد العجز والشيخوخة وتعليم لأولاده ومستقبل امن هادئ.
  اما من وصل الى أحد الدول المجاورة فمع بداية انطلاقة نحو هذا الحلم يبدا بالصعوبات اولها البحث عن السكن الشبابي لأنه رخيص ثم البحث عن مصدر رزق حيث أصبح المواطن السوري بعد الأزمة صغير الحجم في كل شيء وقليل القيمة في عمله وتعامله، بل أصبح ذلك المنبوذ الذي يسترزق من المنظمات هنا وهناك بعد أن ضاقت به المعيشة لأنّ لا أحد يعترف به وإن عمل فهو يعمل بأجور بخسة لا تعادل معيشته اليومية. 
في الصباح الباكر ينطلق مع زملائه نحو المطاعم والمقاهي والمشاغل اليدوية باحثا عن فرصة عمل ولكن هيهات يحظى بحلمه ففي كل مطعم وكل فرن او مشغل او بناء حتى جمع الكرتون من الشوارع يصادف مواطنية وأصدقائه السوريين الذين سبقوه في العمل ويعملون في ظروف صعبة لعشر ساعات عدا ثلاث ساعات يقضيها بالمواصلات ذهابا وايابا الى كوخه او منزله ويعمل في ظروف لا تتوفر فيه أي ضمان او امان كالأمن الصناعي ويتعرض لأسوء حالات الاستغلال من قبل صاحب العمل. وإذا احتج او اشتكى سيبقى في الشارع لان رب العمل سرعان ما يلاقي شباب اخرين أكثر فتوة وخبرة وحتى بأقل اجر. 
هنا لا أحد يسال عن الشهادة او الخبرة المهم الالتزام بخط العمل وزيادة الإنتاج ليزداد ربح رب العمل الذي يفضل العامل السوري لأنه أرخص ولا يطالبه بالتأمينات الاجتماعية وإذا أصيب بكسر او مرض يطرد من العمل ويتعالج على نفقته الخاصة وإذا عالجه رب العمل كما حدث مع عامل بعد اصابه يده اضطر الى الجلوس في منزله 14 يوما قضاها دون راتب رغم ان كل القوانين تنص على تامين صحي يدفع كتعويض من رب العمل للعامل المصاب الا ان الجميع يتهرب من الالتزام بحجج غير مقنعه وغير منطقية وقسم من ارباب العمل لا يلتزمون بالدفع الشهري الكامل او لا يدفعون لأنهم على معرفة ان العامل السوري لا يستطيع الحصول على حقة المشروع.
رغم كل الصعوبات يضطر جاهدا بذل اقصى ما يملكه من طاقات لبقائه في عمله وهي نسبة ضئيلة جداّ وان حصل عليه يتحمل قساوة العمل وغلاظة رب العمل متنازلا عن حقوقه وعن شهادته التي كان يحمله كما هو حال أبو احمد الذي لم يقبض راتب شهر أيار وهو في منتصف تموز ومقبل على العيد وبحاجة ان يتدين ليصرف على اطفاله من راتبه لأنه إذا اشتكى سرعان ما يحل مواطن سوري اخر محله وقد يقبل باجر اقل وساعات عمل أكثر المهم ان لا يعود الى البيت فارغ اليدين.   وفي المساء يعود الجميع الى السكن الشبابي يحكي كل قصته وروايته فمن كان سعيد الحظ وجد عملا لو كان جمع الكرتون الفارغ من الشوارع وبيعها لشركات لكسب قوت اليومي .. المشؤوم يعود لكوخه يفكر كيف يتدبر أمور معيشته واسرته التي تركها خلفه وفي كل يوم يبحث عن مصدر رزق لكن هيهات يحقق حلمه الذي أصبح فرصة العمل قمة الحلم بعد ان ترك كل أحلامه وذكرياته في بلده. اما من كان لديه رأسمال وعددهم قليل استطاع ان يفتح مطعم او ورشة عمل ويكسب قوت يومه ويستمر الجميع في كفاحهم اليومي باحثين عن لقمة الخبز والأمان والمستقبل المفقود. 
امام كل شكال والوان العذاب لا بديل عن البحث وتشكيل هيئات او جمعيات او روابط من محاميين وحقوق الانسان للدفاع عن حقوقهم المسلوبة وجهدهم المسروق وخبزهم المغمس بالذل والاهانة بانتظار اشراقة امل او شمعة تنير لهم طريقهم نحو حياة سعيدة افتقدوها مع بداية الانتفاضة الشعبية ولكن هيهات الغد المشرق يسعفه مع ساحات الحروب التي تتوسّع شيئاً فشيئاّ في بلده ويكثر الدمار والقتل والفوضى الخلاّقة وكل ذلك يزيد من همومه في البحث عن عمل وزرق يأكل منه وسكن يحميه في الغربة من غدر الزمان وأهواله. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…