زكي شيخو-سويسرا
من المؤلم جدا مشاهدة الانقراض في ذاته لامة كانت جريمتها الوحيدة انها ليست روسية
هل يمنح الروس تجاربهم للدولة التركية حول كيفية ابادة شعوب واثنيات وتطهير اراضيهم وتغيير ديموغرافية مناطقهم,ام تجارب العثمانيين انفسهم لا يقل عن هؤلاء؟
بدا ايفان الرهيب امير موسكو العظيم وقيصر روسيا الاول ما بين اعوام 1533-1584 في اخضاع الاراضي الواقعة شمال البحر الاسود تحت سيطرته,بعد ذلك استمرت حروبه مع التتار القرميين الناطقين باللغة التركية ومسلمين اخرين واستمرت تلك الحروب لمدة مئة عام بشكل وحشي من قبل الجميع بين المسيحيين والمسلمين وصولا الى عهد القيصر الروسي بطرس الاكبر او بيتر العظيم 1689-1725,حينها كانت سلطة ووجود التتاريين قد جرى تقليصها وتقزيمها بشكل ملحوظ ومحصورة في منطقة صغيرة جدا
قام الروس بتطهير المناطق التي استولوا عليها من المسلمين واستبدلوهم بالمسيحيين استمرت سياستهم تلك حوالي 150 عاما,قاموا بتهجير التتار القرم الذين كانو تابعين بشكل رمزي للسطان العثماني منذ اواخر قرن 15.
في عام 1770 خان التتار النوغيه ولاءهم من التتاريين القرم الى الروس اثناء زحف الاخير نحو بلادهم مما سهل مهمة السيطرة على القرم وبدا الروس في توطين المسيحيين في القرم والاراضي التي استولوا عليها وقاموا بقتل المئات من ثوار التتار المتمردين مع ابناءهم ونساءهم,بعدها اعلنت الامبراطورة كاثرين العظيمة ضم القرم الى الامبراطورية الروسية.
بعد الاجتياحات الروسية الاخرى بدأت هجرة الكثير من التتار الى الامبراطورية العثمانية نتيجة الضغوطات الروسية المرعبة عليهم وحتى مطلع التاسع عشر تبعهم الباقون,قام الروس بالاستيلاء على عقارات والاراضي التتار بشكل تعسفي و غير قانوني وطردوا الفلاحين من اراضي اسلافهم ومن بقي منهم جعلهم الروس كعبيد يعملون لديهم في الاراضي التي استولوا عليها,كان الروس يفرضون عليهم رسومات واتاوات مضاعفة جدا ويسخرونهم في اعمال شاقة قسرية ورفع عليهم الضرائب وتمت جباية ضرائب اضافية غير قانونية كرشاوي,اضافة الى الابتزازات,كان الجيش الروسي القوزاقي يقوم بمضايقة المدنيين والقرويين التتار, وفي الاخير بحجة ولاء التتار للعثمانيين وحلفائهم البريطانيين والفرنسيين وليس مع روسيا,في حرب القرم عام 1854-1856,قام الروس بارسال وحدات مسلحة متشكلة من مرتزقتهم القوزاقيين الى قراهم وهددوا بإبادتهم وقتلوا الكثير منهم واجبر الاخرين على الفرار ونفي بعض منهم الى الداخل الروسي و نتيجة الحروب النفسية الكبيرة على التتار اجبرهم على الهجرة والتشتت,
من يخون عهده لاخوته لن يكون مصيره افضل:
بعد تتار القرم,جاء الدور بعد ذلك على اخوانهم المواليين للروس تتار النوغية واجبرهم الروس على الرحيل وانضموا الى الهجرة الجماعية دون رجعة عام 1860م الى مصير مجهول في الاراضي الامبراطورية العثمانية, بحيث لا المال ولا الطعام ولا الخيم متوفرة لاحتضانهم ومساعدتهم ولا حتى وسائل النقل متوفرة بشكل كافي والوضع الصحي بين اللاجئين المقيمين في المخيمات يرثى لها,وكان يموت منهم كل يوم العشرات,لم تعد بعد ذلك القرم اسلامية ولم يبقى اثر لهم استولى على اراضيهم مسيحيين وسلاف,والبقية القليلة المتبقية هناك وضع ستالين بعد الحرب العالمية الثانية حد لوجودهم وقام بترحيل كل من تبقى هناك,كان لاسلوب الضغط الاداري والاقتصادي واساليب الترهيب نتائج كبيرة لتطهير تلك الاراضي من التتر.
تشكلت ارمينية الحالية بيد الروس من الجاليات والمهاجرين الارمن والهاربين من غضب وارهاب الامبراطوريتين الفارسية والعثمانية على عدة مراحل منذ مطلع القرن التاسع عشر حتى مطلع القرن العشرين ومن نجوا من عمليات الابادة التي تعرضوا لها بعد قرار ترحيلهم وذلك نتيجة التغيير السكاني الذي حدث نتيجة الحروب التي وقعت بين كل من روسيا والامبراطوريتين الاسلاميتين الفارسية والتركية في اعوام 1827-1829م في مناطق قفقاسية تحت سيطرة الفرس وبعدها في مناطق شرقي اناضول تحت السيطرة العثمانية.
تم استبدال سكاني ضخم في منطقة اقليم اروان او اريفان التي كانت حتى عام 1827 تحت السيطرة الفارسية وباكثرية مسلمة لكن اتاحت ابادة السكان المسلمين او نزوحهم القسري من قبل الروس وطردهم من تلك المنطقة باستبدالهم بالعنصر الارمني الذي لاقى مصير شبيه بمصير المسلمين لكن من قبل ايران والامبراطورية العثمانية.
كان الارمنيون متعاونين ومنسقين ويقدمون خدمات كبيرة للغزو الروسي كمرشدين واستقبلوهم بحفاوة اثناء تقدمهم وانتصارهم على الفرس والعثمانيين,كانوا يرون انفسهم اخوة في الدين والطائفة واقرب من بعضهم ويرون في قوة الامبراطورية الروسية خلاصهم من سيطرة الامبراطوريتين المسلمتين, اثناء رحيل الروس عن الاناضول عام 1829 رحل معهم عدد كبير من الارمن المقيمين في الاناضول خوفا من انتقام المسلمين منهم.
بعد دحرها للامبراطورية الفارسية في عام 1828 والعثمانية في عام 1829 فرضت روسيا سيطرتها على اقليم اريفان ومناطق عديدة في قفقاسيا وشرعن احتلالها لتلك المناطق بمعاهدتي گلستان 1813 و تركمان جاي 1828 ,فقط المناطق الداخلية الوعرة الواسعة المأهولة بالقبائل المسلمة لم تهزم بسهولة من قبل روسيا,ولم يقبلوا بالحكم الروسي,حيث تشكلت بعد عام 1836م مقاومة شرسة بقيادة الامام شامل المسمى بأسد قفقاس القائد اللامع ذو كاريزما قوية ضد الوجود الروسي في تلك المنطقة,كانت قواته مؤلفة من تركيبات قبائلية متعددة متباينة كالشيشانيين والداغستانين, كان مقاتلي القبائل يدافعون عن بيوتهم وعوائلهم وممتلكاتهم وارضهم ضد جيش نظامي كبير لا يرحم يشن هجوما موسعا على شعوب باسرها لا يفرق بين النساء والاطفال والرجال المقاتلين,كان ضمن الجيش الروسي الروائي الكبير ليو تولستوي حاضرا وشاهدا على هذه المجازر,بعد انتصار الروس في قرم عام 1857 استطاع تحييد الخطر العثماني ليستطيع بكل قواه شن الهجوم على قوات شامل والمقاتلين القفقاس وهزم القبائل الشيشانية والداغستانية المنهكة من المعارك لسنوات واضطر شامل للاستسلام في 25 اب عام 1859م وهزم الجركس بعد ذلك,بحلول عام 1864 سيطرت روسيا بشكل كامل على قفقاسيا وقامت بتنفيذ سياسة النزوح القسري وصممت على تحويل غرب وشمال قفقاس الى ارض مسيحية موالية لامبراطوريتها,تبنت طريقة للقمع بحيث جعلت بقاء القبائل الجركسية في تلك المنطقة مستحيلة قامت بنهب القرى ثم تدميرها واحراقها,استولت على المواشي وكل شئ ضروري لاجل البقاء اي استولت على جميع مقومات الحياة ودمرت البيوت والحقول ولم تترك لهم سوا الفرار او الموت جوعا وخيار نزوح الى مناطق اخرى تحت سيطرة وهيمنة الامبراطورية الروسية او الرحيل الى الامبراطورية العثمانية,بذلك استطاع الروس تطهير تلك المناطق من العنصر الاسلامي والجركس واستبدالهم بالمهاجرين الروس السلافيين والمسيحيين.
استمر الروس في ممارسات تطهير مناطق القفقاس من القبائل والاثنيات المسلمة وتحويل تلك المناطق الى مسيحية موالية لها,بعد ثلاث سنوات على فرار وطرد الجركسيين,اي بحلول عام 1869 و 1870 تم طرد الابخازيين القسري من قراهم المتمركزة في منطقة سخم قلعة ايضا بنفس الاساليب,جاء الجنود الروس الى القرى الابخازية وقاموا بحرق البيوت وسرقة المواشي وممتلكاتهم الاخرى وجعلوا منهم مشردين مع شئ بسيط ليستطيعوا العيش لفترة قصيرة او الهجرة,كما وصفها القنصل البريطاني گيفورد پالگراڤي الذي تجول على ظهر جواده في منطقة ابخازيا ليجمع المعلومات كما يؤكد المؤرخ الامريكي جوستن مكارثي ذلك في كتابه الطرد والابادة وجد القنصل ان ثلاث ارباع المسلمين الابخاز والمناطق المحيطة مستعدون للهجرة بسبب الغزو والهمجية الروسية,فر الالاف من الابخاز لكن ابقى الروس الاكثرية ليسخروهم كعبيد واستثمارهم في الاراضي التي استولوا عليها خاصة من ذوي البنية الجسدية القوية الشابة وفي العمل القسري,بينما جرى تشجيع وتهجير المسنين والنساء والاطفال نحو الاقاليم العثمانية بذلك لم يبقى العنصر الابخازي في القفقاس بشكل عملي,كما يقول پالگراڤي من المؤلم جدا مشاهدة الانقراض في ذاته لامة كانت جريمتها الوحيدة انها ليست روسية,بذلك عملت روسيا بعدها على تأهيل تلك المناطق التي استولت عليها باناس وشعوب تعدهم بالنسبة لها اكثر ولاءا وتجانسا كما حدث ان اصبح السكان الرئيسيين للقرم من الاوكرانيين والروس اصبحت المناطق القفقاسية الجركسية الابخازية التي استولت عليها من الروس والسلاف والقوزاق ,
بعد ان تم طرد الجركسيين والابخاز والقفقاسيين الاخرين من بيوتهم وبسبب سوء التغذية وحشرهم في قوارب الرحيل واللا عودة دون مؤن ومساعدات لقي الكثير منهم حتفهم بسبب مرض الجدري والتيفوس والاسقربوط في شتاء 1863 كان يموت يوميا في طرابزون حوالي 50 جركسيين وعند الربيع وصل العدد بحدود 500 شخص في اليوم,وفي مناطق اخرى وفي المخيمات نتيجة الامراض والظروف الصعبة المماثلة,وبعد ان تم توطينهم في الامبراطورية العثمانية وتوزيعهم في مناطق البلقان العثمانية,فما قام به الروس بممارساته تلك من ازالة شعوب واثنيات قفقاسية لغمت المجتمعات و فتحت الابواب على مصراعيها للصراعات الدموية بين الطوائف المسيحية والمسلمة في الاراضي الامبراطورية العثمانية وفي البلقان وعموم المنطقة.
حظر القانون القيصري اعتناق أي دين غير المسيحية الأرثوذكسية في قفقاسيا، وتم استبدال اللغة السلافية بكل اللغات العربية والتركية والفارسية التي كانت سائدةهناك في ذلك الوقت، فضلًا عن الإهمال المتعمد للمدن والحواضر الإسلامية حتى تتحول إلى خرائب.