الواقع السوري والمنطقة الآمنة

ريزان شيخموس
إن كل المتابعين للثورة السورية منذ بداياتها وخاصة عدد من الأصدقاء الحقيقيين للشعب السوري وثورته نصحوا قيادات المعارضة وبشكل واضح ان يكون خطابها موجهاً لكل الشعب السوري بكل مكوناته واستقطاب كلها ليكونوا جزءاً أساسياً منهذه الثورة، وان يبتعدوا مطلقاً عن أسلمة الثورة والمحاولة الجدية بتحييد اسرائيل عن الصراع القائم في سوريا وعدم تسليح الثورة مهما تعقدت الأمور، وخاصة أن النظام السوري وحلفاءه سيعملون من كل بد توجيه الثورة في هذا الاتجاه والذيسيعقد مجريات الثورة وأن تكون ضريبتها كبيرة جداً على الشعب السوري والبنية التحتية السورية، وسيفتح قريحة معظم الدول الكبيرة بالتدخل في سوريا والبحث عن مصالحها فيها،
 وأشعلت الحرب في معظم المدن السورية، وتدخلت مباشرة دولحليفة للنظام، وقدمت له كل الدعم للاستمرارية، وبالمقابل تدخلت العديد من الدول باسم أصدقاء الشعب السوري، وقدّمت الدعم العسكري والسياسي للعديد من أقطاب المعارضة ذات توجهات تعكس الدول الداعمة لها ومن ثم تحولت سوريا إلى ساحةصراع حقيقية وحرب بالوكالة، وكانت النتيجة تقسمت سوريا الى مناطق نفوذ دولية تتصارع، وتتصالح وفق أجنداتها ومصالحها، وتعقد مؤتمرات دولية واقليمية بحثاً عن تنفيذ أجنداتها وتم سلب القرار السوري ليس فقط من النظام بل من المعارضةأيضاً ومن كل الفصائل والمجموعات العسكرية التي تتلقى الدعم من الدول المتنفذة حيث إن الصراعات القائمة بين الدول المحتلة لسوريا ليست من أجل الشعب السوري ولا من أجل مصالحه، وإنما على سوريا وعلى مصالحها وأجنداتها في سوريا،وان هذه الدول ليست جمعيات خيرية وإنما دول لها مصالحها. وكل دولة او حلف يدعمون جهة معينة لتنفذ مصالحها على الارض. وفي النتيجة ووفق الاتفاقات الموقعة تحت طاولة هذه الدول تجميع المعارضة السورية في مناطق محددة للتحكم بهاوتوجيهها وسلب إرادتها. 
حيث ان اشتداد المعارك على إدلب في الأيام الاخيرة من قبل النظام السوري وبدعم مباشر وقوي من روسيا وإيران يأتي في سياق تنفيذ القرارات الصادرة من اتفاقية أستانا وخاصة الاخيرة بين روسيا وإيران وتركيا والذي يهدف إلى فتح الطريقالرئيسي الرابط بين دمشق وحلب لصالح النظام وتأمينه وإبعاد شبح الحرب عن المناطق الرئيسيّة التابعة للنظام وحصر المعارضة أكثر في مناطق محددة. وإن الضغوطات العسكرية على نقاط تابعة لتركيا والتهديدات الروسية الداعية إلى الغاء اتفاقيةأستانا هو ضغط مباشر على تركيا للمساهمة في تنفيذ قراراتها وبالتالي الضغط الجدي على المعارضة والانسحاب من المناطق المتفق عليها في الاستانة. 
لا يوجد أمام تركيا خيارات كثيرة سوى المساهمة في الضغط على الفصائل العسكرية التابعة للمعارضة السورية، حيث حصلت تركيا على الكثير من مناطق النفوذ وفق هذه الإتفاقيات وخاصة منطقة عفرين وتبحث جدياً عن مناطق نفوذ أكثر  فيشرق الفرات. وكل التوقعات لن تحدث أية اشتباكات مباشرة بين النظام السوري وتركيا، بالعكس هناك بعض المعلومات التي تتحدث عن تحسن العلاقات بين الطرفين. لان ما حدث في سوريا منذ بداية الثورة وخاصة بعد عسكرتها والتدخل المباشرمن العديد من الدول الإقليمية والعالمية فقد السوريون النظام والمعارضة قرارهم المستقل اي تحولوا أدوات تنفذ قرارات الجهات أو الدول التابعة لها. لذلك ما سيحدث في ادلب سيتم تنفيذ قرارات آستانا، وسيفتح طريق دمشق حلب وربما تبقىالمعارضة في المناطق المرسومة لها من قبل الدول المتنفذة في سوريا. وما يخشى من نتائج هذه المعارضة وضراوتها انسحاب المعارضة من هذه المناطق والتوجه الى مناطق درع الفرات وعفرين، وهذا سيكون له انعاكسات كارثية على شعبنا فيعفرين.
إن الارادة الدولية في المدى المنظور غير متوفرة في البحث عن اي حل سياسي شامل ينهي الحرب في سوريا، ويوقف هذا النزيف المستمر، ويؤسّس لدولة سوريا الجديدة لكل السوريين بعيداً عن الاستبداد والظلم والعنف، وهذا واضح ما يحدث فيشرق الفرات، أي مناطق نفوذ الأمريكان والذي تعرض فيها الكرد إلى قلق كبير ازاء التهديدات التركية باقتحام هذه المناطق بحجة الخطر -الآبوجي – هذا الذي حمى الحدود التركية أكثر من النظام نفسه وقدم كل التبريرات المطلوبة لهذا التدخل – وانالاتفاق الامريكي التركي بإنشاء منطقة آمنة على الحدود التركية المحاذية للمناطق الكردية السورية أنهى هذا القلق، كما أنه ابعد شبح الحرب على هذه المناطق. وان الأمريكان لن يسمحوا مطلقاً بمشاركة تركيا لها في مناطق نفوذها. وهذه الفرصةكبيرة جداً للكرد وحركته السياسية وخاصة للمجلس الوطني الكردي بالاستفادة من هذه الفرصة والحوار المباشر مع الأمريكان والاتراك كي يكونوا جزءاً أساسياً من هذا الاتفاق الذي ينفذ بنوده في مناطقهم وان لا يسمحوا بتكرار تجربة عفرين،ويساهموا بشكل جدّي في تقديم أوراق القوة المتوفرة لديهم ليكونوا جزءاً أساسياً من المشاريع المطروحة في منطقتنا وان لا يسمح بتجاهلهم في المستقبل السوري عموماً. 
وان كل المراهنات على وحدة الصف الكردي والحوار مع الحزب العمال الكردستاني وفرعه السوري دون امتلاك القوة الكافية لمستلزمات الحوار غير مجدية، لان هذا الحزب لن يسمح لأحد بالشراكة ولا يقبل بهم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…

عزالدين ملا عندما اندلعت الثورة السورية، كان أول مطالبها إسقاط نظام عائلة الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد وحوّلها إلى مزرعة لعائلته وأزلامه. كانت هذه المطالب تمثل رغبة شعبية في التحرر من عقلية الحزب الواحد والفكر الشمولي، التي أدت إلى الاستبداد والديكتاتورية وقمعت الأصوات المخالفة. إلا أن المرحلة التي تلت سقوط النظام كشفت عن تحديات جديدة أمام بناء سوريا…

د. محمود عباس هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة…

إبراهيم كابان لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل…