أهي ناقصة أن تكون أحزابنا عديدة وكردية؟ – الجزء الثالث

د. محمود عباس
جدلية الوطن ما بين الحراك الكردي والعربي:
  … وبالمقابل عندما بدأ العالم يتلمس دور الكرد وخدماتهم في مواجهة الإرهاب، وبثت إعلامهم معلومات صحيحة عن واقعنا ومعاناتنا مع الأنظمة المحتلة على مدى العقود الطويلة الماضية، وقضايا التمييز العنصري العرقي بحقنا، وتبينت لهم وللمنظمات الإنسانية القهر الديني والمذهبي والقومي الذي تمارسه هذه الأنظمة في الجغرافية المسماة جدلا بالوطن، بدأوا يتحدثون بشكل علني عن مجريات التعامل في الوطنين، العربي والعربي السوري، وقدموا خدمات للكرد، وساندوهم للحصول على بعض المكتسبات التي كانت حتى سنوات قليلة ماضية التحدث فيها جريمة، بل وكنا نراها شبه مستحيلة. 
 وبعد إعادة الدول الكبرى النظر في بعض مواقفها المبنية على مصالحها، على خلفية جرائم المربعات الأمنية المتصاعدة بحق الشعوب العديدة المحتلة عربياً، وفي مقدمتهم الكرد والأمازيغ والقبط والسريان والأشوريين،  وغيرهم، وأخرها ما قامت به حكومة الجزائر بحق الناشطين الأمازيغ وزجهم في السجون لمجرد رفعهم للعلم الأمازيغي في مسيرات المعارضة، والتي هي واحدة من بين المئات من المواقف العنصرية المتصاعدة في السنوات الماضية الجارية  ضد الكرد في سوريا من قبل طرفي النزاع، مرافقة مع الشعارات الوطنية المتعالية، تأكدت أنه من الصعب لهذه  الشعوب العيش بشراكة تحت هيمنة السلطات الشمولية في الوطن الواحد  بدون نظام لا مركزي فيدرالي.
  فعلى خلفية التغيرات الجارية، نأمل من الحراك الثقافي السياسي العربي، مواجهة الواقع، ومراجعة خلفيات تشدقهم المتصاعد نحو الوطنية العروبية ومعارضتهم للنظام اللا مركزي الفيدرالي، والتي تبينت وبعد دراسة تجارب الأنظمة المماثلة في معظم دول العالم، أنه الأنسب للعيش معا ضمن الوطن الواحد، والأفضل لإزالة الفروقات في المفاهيم وحقوق المواطنة بينهم وبين الحراك الكردي وحركات الشعوب الأخرى. 
  فما لم تنظر السلطات العربية وحملة مفاهيمها إلى الأمر من الجانب الأخر، ويقبلوا بالنظام اللا مركزي الفيدرالي ضمن الوطن الواحد، ويقتنعوا أن الوطنية الصحيحة هي الخالية من الدمغة والصفة العربية، لا يمكن أن يتشكل وطن يجمعهم والكرد ويستقر الشعوب فيه، فالوطن الجدلي الشامل لـ 22 دولة سياسية أو تسميتها بالأوطان مع صبغتيهما مغالطة ثقافية واجتماعية وسياسية، ولن يكون حاضن للكرد أو الأمازيغ أو القبط أو السريان إذا استمرت بهيمنتها العربية الإسلامية السنية.
  فلا سوريا ستكون وطن للجميع إذا فرضت على الجمهورية السورية الكلمة العربية، ولن يكون هناك دستورا إذا كانت البنود المتعلقة باسم الدولة أو تحديد رئيس الجمهورية موصوفة بها، فالرئيس والناخبين يجب أن يكونوا من مواطني الجمهورية السورية بدون العربية، حتى ولو كانت الدولة تابعة للجامعة العربية، يشملهم الوطن العربي، ولكن بالمقابل هناك من يرى أن امتداده كردستاني، مثل امتداد المواطن العربي نحو الوطن العربي، فعلى هذا المنطق بالإمكان إدراج سوريا كوطن للكل، وليس على منهجية المجتمع السوري عربي، ومراكز التعليم والثقافة عربية، المساجد عربية قبل أن تكون إسلامية، والشارع عربي، والإعلام عربي، والعلم عربي، وسوريا عربية، مختصرا لا كيان غير العربي في سوريا العروبة.
 لكن ما يجري على أرض الواقع هو العكس، فلا حرج لدى هؤلاء الوطنيون الجدد أن يكون الرئيس أو الناخب كرديا أو أمازيغيا أو قبطيا أو سريانيا، شريطة أن يكون مستعرباً ومسلما سنيا، الوطن يجمعنا حسب مفاهيمهم فقط تحت راية العروبة والدستور العربي، مثلما يحق للكل في تركيا أن يكون رئيسا أو برلمانيا شريطة أن يكون مستتركا جملة وتفصيلا كأردوغان ورئيس وزراءه والعديد من الوزراء الذين أصولهم ليست تركية. 
كردية الأحزاب:
 ينتقد البعض من العروبيين الحراك الكردي ومعظم الأحيان بلهجة التهكم، منهجية أحزابها بإدراج كلمة الكرد- الكردي- أو الكردستاني مع أسمائها لتعريف العالم على خلفيتها القومية، لكنهم يتناسون أن العروبيون هم أول من أتجهوا إلى التعصب القومي، وصاغوا أسماء أحزابهم لإبراز عروبيتها ومن البعد اللا وطني، وهم أخر من تنبهوا إلى أن الأحزاب الوطنية ليست بخلوها من أسماء شعوبها، بل في المناهج التي تبنى عليها، وما تبثه من المفاهيم بين شعوبها، وهم يدركون قبل الجميع أن الأحزاب العربية التي تبوأت السلطات، ركزت على ترسيخ البنود العنصرية في مناهجها، وعداءها للشعوب الأخرى، وأكدت بشكل دائم على عروبتها قبل الدين والوطن، ولم تقبل يوما في حكوماتها شريكا غير العربي أو المستعرب. ويلاحظ اليوم ديمومة هذا النهج بين شرائح المعارضة المستميتة على السلطة. وأول من يجب أن يلام على هذا الانزياح عن الوطنية هي القوى السياسية العربية وشريحة واسعة من حراكهم الثقافي، وبالإمكان جر العشرات من الأمثلة على هذه الحقيقة في الواقعين النظري والعملي، ولا يتوقع أن تكون هذه الجدلية الباهرة غير معروفة في الشارع العربي.
 ومن الغرابة، أن أكثر الأحزاب الكردية في سوريا والتي تهاجم من قبل المعارضة، وتتهم بالخيانة والتعصب القومي، وتهجير المكون العربي، هو حزب الإتحاد الديمقراطي، الـ ب ي د، ويكاد يكون الحزب الوحيد الذي لا يحمل الاسم الكردي أو الكردستاني، وأيدولوجيته فيها، حسبما هو وارد في مناهجه، مبني على البعد الوطني أو الاشتراكي الشامل لجميع الشعوب، وهو ما لم يحتضنه أي حزب عربي، ولا المنظمات المعارضة السورية، كما وأبواب الحزب مفتوح لكل القوميات من الانضمام إليه، وهذه تؤكد أن التهجم على الحراك الكردي منبعه الحقد القومي وليس الحيز الوطني، وللحد من هذه التهمة تؤكد معظم الأحزاب الكردية، بل وحتى الحركات الثقافية أسم (سوريا) كمتلازمة وطنية ضرورية، في الوقت الذي تبتعد عنها معظم الأحزاب والمنظمات الثقافية العربية السورية…
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@mail.com
25/8/2019م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد خليل* يُشكّل المسيحيون في سوريا جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني، وقد لعبوا دورًا محوريًا في تاريخ البلاد منذ اعتناق المسيحية في القرن الأول الميلادي. تعتبر سوريا واحدة من المراكز الأولى التي احتضنت المسيحية، حيث يُعتقد أن القديس بولس تحول إلى المسيحية في دمشق، ومن هنا انطلق لنشر رسالته في العالم. كما تُعد مدينة أنطاكية، الواقعة شمال سوريا،…

كاميران حاج عبدو تُعدُّ سوريا مثالًا لدولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب، تزخر بتنوع ثقافي واجتماعي ولغوي. ومع ذلك، فشلت الأنظمة السياسية المتعاقبة في توظيف هذا التنوع كعامل قوة لبناء هوية وطنية جامعة. بدلاً من ذلك، اعتمدت سياسات إقصائية اختزلت مفهوم الهوية الوطنية في إطار ضيق، بعيدًا عن الاعتراف الحقيقي بالتعددية التي تميز المجتمع السوري. على مدار تاريخها الحديث، لم تشهد…

خليل مصطفى أمس (السبت 25/1/2025) نشر الأستاذ إبراهيم اليوسف، مقالاً هاماً، عبره سلَّط الأضواء على أكثر الناشطين خطورة ليس على كورد سوريا فحسب، بل على شعوب الأُمَّة السورية. أقتبس (مع إضافة): يبدأ (أ. إبراهيم) قوله: يبدو لكُلِّ عاقل بوضوح، أنَّ بعض العُربان (السوريين) الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، قد اتخذوا (لشخوصهم) دوراً محورياً في بثِّ خبثهم لتأجيج الخلافات بين الكورد…

عبدالرحمن كلو بعد سقوط النظام السوري، تغيَّرت معادلة توازن القوى في سوريا بشكل كبير وملحوظ. فغياب نظام الأسد وإيران معًا أحدث بيئة سياسية مختلفة تمامًا عما كانت عليه في السابق. ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل رفعتا الغطاء بشكل كامل عن السلوك الإيراني في كل المنطقة، مُنهيةً لعبة القط والفأر التي أدارتها إدارة أوباما-بايدن مع إيران، والهلال الشيعي…