الكورد ووحدة الصف

عزالدين ملا
القوة هي المشهد المسيطر على الوضع في سوريا والمناطق الكوردية خاصة، فالدول الكبرى والقوية تسيطر على الدول الأقل قوة والدول الأقل قوة تسيطر على الجماعات والفصائل الأقل قوة وهكذا تندرج القوة إلى ان تصل إلى المكونات المنهكة الموجودة داخل المشهد السوري.
سوريا البلد الذي أبيح فيها كل ما هو غير منطقي، جعل الكثيرين مراجعة تصوراتهم وتحليلاتهم، وحتى وصل الكل لحد في عدم إعطاء تحليلاتهم لأي مستقبل قريب أو بعيد لسوريا.
ما يحصل خلال سنة 2019 ضَرَبَ المنطق والواقع في عرض الحائط، فمنذ بداية هذا العام ازداد الحديث وكُثفت التحركات السياسية والدبلوماسية على مستويات دولية رفيعة حول انشاء المنطقة الآمنة في المناطق الكوردية، ورجالات السياسة الأمريكية من بومبيو وجيمس جيفري وغيرهم في جولات مكوكية إلى الدول المعني بالشأن السوري وبالأخص تركيا، لوضع الخطوات الأساسية في بدء بتنفيذ مشروع المنطقة الآمنة، وصدر هذا المشروع المشهد السوري العام، وكأنَّ الحل السياسي السوري بات قريبا من خلالها، وبعد أخذ ورد والعديد من الاجتماعات، لم يتم التوصل إلى أي اتفاق نهائي حول كيفية تطبيق تلك المنطقة المزعومة، وعدم التوصل إلى حل ليست في تلك الحجج الذي يطلقونها والاتهامات التي يتبادلون بها، بل في عدم وجود إرادة دولية هذا أولا، وثانيا ان هذه الاساليب هي من سياسات الضغط ضد بعضهم البعض، وتتبادل صدارة المشهد السياسي بينها وبين منطقة إدلب المعقل الأخير للمعارضة، وبدأت المناورات والاتهامات بين الدول، والعمليات العسكرية الروسية والنظام على مناطق المعارض المدعومة من قبل تركيا.
أما في الفترة الحالية، فهناك تحركات مكثفة على صعيدين، أولاً، فيما يخص اقامة منطقة آمنة في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا، بين كل من أمريكا وتركيا، اجتماعات مكثفة في وضع التفصيل النهائي لتلك المنطقة، دون العودة إلى إرادة مكونات المنطقة وخاصة الكورد، والتوصل إلى اتفاق حسب ما أعلنوا عنه بعد الانتهاء من المباحثات بين الطرفين، هذا الاتفاق الذي يغلف الكثير من الغموض.
ثانياً منطقة إدلب، وجولات استانا 13 بين كل من روسيا وتركيا وايران، والتي لم يحقق أي نتائج حقيقية سوى موضوع واحد وهو اتفاق الجميع كما جاء في البيان الختامي على ان سورية هي الجمهورية العربية السورية ووحدة اراضيها، هذا تصريح واضح على اتفاقهم على الكورد، ووصفهم بالانفصاليين.
وإذا ما قارنَّ بينهما نجد ان هناك قاسم مشترك وهو تركيا، التي تتفاوض في الجهتين، مع الأمريكان من جهة على المنطقة الآمنة، ومن جهة أخرى مع الروس وايران حول منطقة ادلب.
ونحلل، ان هذا القاسم المشترك- تركيا- هي من تتحرك بين قطبي الصراع الرئيسيين أمريكا وروسيا لتحقيق توازنٌ يُرضي الطرفين ودون المساس بأذرعهما واجنداتهما، وما الأزمة الحاصلة في الخليج إلا وهي ضمن تلك التحركات التي تضمن تلك التوازنات.
واهمٌ من يقول ان هذه الدول أتت لانقاذ الشعب السوري، وواهم أيضاً من يقول انهم جاؤوا لترسيخ الديمقراطية وحقوق الشعب السوري، فالتاريخ خير مثال، عندما قامت الثورة الصناعية في أوروبا، لجؤوا في البحث عن خامات لتلك الصناعات وأسواق لتصريف منتوجاتها. وكذلك ما يحدث الآن، فالدول المتداخلة في الشأن السوري ليسوا سوى ذئاب ينهشون في جسد الفريسة، وكلٌ يحاول نهش أكبر قدر ممكن من تلك الفريسة. والكورد هم الفريسة الأكثر سهولة للإنقضاض عليها ونهشها، فالقطيع عندما يكونون مجتمعين يصبحون المسيطرين على الوضع ويُدخِل الخوفَ والذعرَ في قلوب الوحوش المفترسة حيث يحسب ألف حساب قبل الانقضاض، بينما ان خرج أحدٌ ما من بين تلك القطيع فيكون عرضة للوحوش المراقبة من بعيد لإفتراسها. وكذلك الشعب الكورد، التشتت والتشرذم  سببا لفتح المجال أمام الطامعين للانقضاض عليهم، فقوة ووحدة الكورد هي خوف ورعب الأعداء، لذا كلما كان الكورد في تفرق كلما كان الأعداء أكثر قوة وأكثر جرأةً للقضاء عليهم، فتضامن وتراصص الكورد يجعلهم سيد الموقف، ومن خلالها، هم من يحددون مصيرهم ومصير مستقبلهم، فلنكن يدا واحد وصفا وموقف واحد، وندخل الرعب في نفوس الأعداء، ونبني مستقبلنا.   
     

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…