فلنتحاور .. ايها ( الديمقراطيون ) القدامى !!

علي شمدين*

قرات مقالا للسيد معقل زهور عدي بعنوان (حول بيان إعلان دمشق بشأن توزيع الأراضي في محافظة الحسكة (، كان قد نشره في موقع اخبار الشرق الالكتروني بتاريخ (15 تموز/ 2007) ، وهو رد قاسي على بيان مكتب الامانة العامة لـ( اعلان دمشق المؤرخ في 12/7/2007 والذي ادان قرار وزارة الزراعة العنصري القاضي باستقدام 150 عائلة عربية من منطقة الشدادي وجبل عبد العزيز ، لتوطينها في القرى الكردية بديريك وتوزيع الاراضي المسلوبة من فلاحي هذه القرى ، على تلك العوائل وترك اصحابها المستحقين محرومين من اي شبر من الارض
وقد وصف البيان هذا القرار بانه يثير الفرقة والفتنة بين ابناء الوطن الواحد واعتبارها خطوة تهدد الوحدة الوطنية وتطعنها في الصميم ..

ولكن السيد عدي دافع في رده عن القرار واعتبره امر عادي ومن حق الدولة ان تتصرف باراضيها كيفما تشاء ، وقال بان مثل هذا البيان انما يتضمن دعوة مشبوهة الى تقسيم البلاد وهذا ما لايرضيه لاعلان دمشق بحسب زعمه ..
وكنت قد كتبت مقالا بعنوان (احذروا ..

انكم على تخوم معقل عدي !!)*  ، وهو رد على رد السيد معقل زهور عدي ذاك ، حاولت فيه ان افند تلك الاتهامات بحق قوى اعلان دمشق وخاصة ما يتعلق باتهامها باثارة تقسيم البلاد ، وان اوضح بعض النقاط التي يبدو وبحسب رده بانه يجهلها وخاصة موضوع الحزام العربي ومراحل تنفيذه وكيف ان القرار الاخير انما جاء كحلقة متمة لسلسلة حلقات التعريب الجارية في المناطق الكردية منذ مايزيد على نصف قرن والتي بلغت ذروتها حينما بدات السلطات الشوفينية بتنفيذ الاحصاء الاستثنائي عام 1962 وتجريد عشرات الالاف من العوائل الكردية من جنسيتها السورية ، و تطبيق الحزام العربي عام 1966 بحجة اقامة مزارع الدولة (الحزام العربي) في الشريط الحدودي المحاذي لتركيا والممتد بين (عين ديوار شرقا وسري كانيه غربا) بهدف تغيير التركيب الديمغرافي لسكان المنطقة ، فضلا عن سياسات التجهيل والتجويع والتهجير الجارية بحق الشعب الكردي تطبيقا لمقترحات غلاة الشوفينيين امثال محمد طلب هلال الذي وثق دزينة كاملة من وصاياه المشؤومة في كراس بعنوان (دراسة حول الجزيرة من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية) ..
وبعد ان نشرت ردي في موقع اخبار الشرق وفي العديد من المواقع الالكترونية الاخرى ، عاد السيد معقل زهور عدي من جديد ليرد على مقالي هذا في موقع أخبار الشرق – يوم الثلاثاء 21 آب/ أغسطس 2007 بمقال آخر تحت عنوان (ديمقراطيون جدد !!) ، وقد جاء في رده ما يلي : (قرأت في بعض المواقع الالكترونية ردا للسيد علي شمدين على مقالتي التي انتقدت فيها اعلان دمشق في موقفه المتسرع من توزيع الأراضي على المتضررين بالغمر في محافظة الحسكة ..) ، ويقول : (كان بعيدا عن الحد الأدنى من الموضوعية، وحسبه في ذلك أنه شخصن المسألة من عنوان مقالته وحتى آخر كلمة فيها، فالمستهدف ليس الأفكار ولكن – معقل عدي-  بل ان اسم – معقل عدي -هو اسم مصطنع ورمزي حسب مخيلته التي ذهبت الى أبعد مما ذهبت اليه ألف ليلة وليلة  ..) .
ومن هنا يمكن تسجيل بعض النقاط التي نراها ضرورية في هذا المجال :
– من الواضح انه يؤكد بان (معقل زهور عدي) هو اسمه الحقيقي ، وهذا يقتضي مني الاعتذار على ربطي لـ(اسمه) بـ(افكاره) ، لانني بالفعل اعتقدت انه اسم مستعار لان الاسم صدفة جاء متطابقا مع المسمى تماما ..
– ويبدو انه قد تراجع هذه المرة عن موقفه السابق من اعلان دمشق حينما اتهمه بالمساهمة في تقسيم البلاد لمجرد ادانته لقرار السلطات الانف الذكر واعتباره زرع للفتنة ، واكتفى السيد عدي بوصف اعلان دمشق في رده الاخير هذا بان موقفه كان متسرعا ، وهذا تحول ايجابي في موقفه من اعلان دمشق ، تحول من الاتهام بالتقسيم الى الاتهام بالتسرع ، وهذا يقتضي التثمين ..
– يدعو الى الحوار وينتقد التعصب  في تناول مثل هذه القضايا ، وهذه دعوة صحيحة لابد من التفاعل معها وتجذيرها بالنقاشات الموضوعية المنطلقة من الواقع كما هو لاكما نرغب ، والمستندة الى الحقائق دون تشويه او تحوير ، ودعوته هذه اعتبرها كلمة حق ولكن يجب ان لاتبطن باطلا ، ولذلك ساحاول من جهتي الالتزام بمنطق الحوار لاغناء هذه المناقشة لما فيها خير بلادنا ووحدتها الوطنية عبر كشف الباطل الذي تضمنه مرة اخرى رد السيد عدي مع الاسف الشديد ..


الحقيقة ان ما استوقفني في رد السيد عدي الاخير هو قوله : (ما أرغب في التأكيد عليه هو التمييز بين الأكراد الذين كانوا لمئات القرون ومايزالون أقرب القوميات للعرب حيث امتزج التاريخ والدم على امتداد رقعة الوطن من صلاح الدين الأيوبي الى ابراهيم هنانو، وبين بعض الذين يدعون تمثيلهم من اليساريين سابقا المتأمركين حديثا والملتحقين بذيل الحملة العسكرية الأمريكية المنهزمة على المنطقة العربية ..) ، ويضيف : (لقد أصبح صلاح الدين الأيوبي بطلا وعظيما عند الجميع ليس لأنه التحق بالصليبين واستغل قدومهم لينشىء كيانا مصطنعا ولكن بالضبط لكونه اندمج بحركة مقاومة الأمة بكاملها، وهذا هو طريق من يريد الانتساب اليه بحق..) ، ويتابع في رده  قائلا : (واذا كان السيد شمدين وأضرابه مازالوا يعيشون أوهام لحظة الاحتلال الأمريكي لبغداد وانتهاز الفرصة للنفخ في مظالم محقة للأكراد في سورية وتحويلها الى عقيدة انفصالية برعاية أمريكية فقد فات الأوان، فالآلهة الأمريكية تائهة اليوم ومحتارة في كيف تخرج من العراق..) ، ويختتم رده قائلا : (راية التعايش العربي الكردي هي راية من يقف في وجه مشاريع الهيمنة الأمريكية وهي ذاتها راية صلاح الدين وابراهيم هنانو ..) .
وبالامعان قليلا في هذه الفقرات المنقولة من رده يمكن تثبيت ما يلي :
 فاذا كان السيد عدي قد تراجع في اتهامه لاعلان دمشق بالمساهمة في اثارة تقسيم البلاد ، الا انه مع الاسف يتوجه في رده الثاني الى الاكراد ليتهمهم  بانهم يحولون مظالمهم الى (عقيدة انفصالية) ، وبانهم يستغلون قدوم من يسميهم بالصليبيين لينشاوا (كيانا مصطنعا) ، ويترك التعايش العربي الكردي مرهونا بمدى الوقوف في وجه المشاريع الامريكية في المنطقة ، ويعتبرهذه المواجهة المعيار الاساسي لقبول التعايش مع الاكراد ، ويؤكد على ضرورة اقتداء الاكراد بصلاح الدين الايوبي الذي اندمج بحركة مقاومة الأمة (العربية طبعا) كطريق وحيد لقبول التعايش معهم والا فانهم مدانون بكل الادانات والاتهامات ، وينسج السيد عدي كل هذا الباطل على انغام التغني بامجاد (المقاومة) التي يعتقد بانها مرغت الالهة الامريكية بالهزيمة في العراق ، وتوهتها وهي لاتعرف كيف تخرج منها ..
اجل هكذا يفهم (الديمقراطيون) القدامى مفهوم الحوار والتعايش الاخوي ، انهم يستندون الى مبدأ : من ليس معي فهو ضدي ، و ينطلقون من منطق ميشيل عفلق الذي يقول : كل من تكلم العربية فهو عربي ، هذا المنطق الذي لم يعاصره صلاح الدين الايوبي لحسن حظه ، وانما كان يعيش تلك اللحظة التاريخية الهامة من التعايش الاخوي بين الاقوام والاجناس تحت راية الاسلام كـ(دين) لا كـ(سياسة) ، مرتكزين في ذلك على منطق لافرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى والعمل الصالح ، فهل يعد السيد عدي قرار وزارة الزراعة بتجويع احفاد صلاح الدين الايوبي في قرى ديريك لمجرد انهم اكرادا ليس الا ، عملا صالحا ؟؟!! ..

وهل تعتبر نصرة السيد عدي لهذا المنطق الشوفيني الاعوج ، ممارسة للتقوى والعدالة والحق ؟؟!!.
———
* كاتب واعلامي كردي من سوريا
—-

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…