أكرم حسين
بعد «تهديدات» الرئيس التركي بشن عملية عسكرية في شرق الفرات للسيطرة على الشريط الحدودي داخل سوريا، وإنهاء هيمنة «وحدات حماية الشعب» على الشمال الشرقي وإبعاد هذه القوات عن حدودها، «نجحت» جهود الولايات المتحدة الامريكية في التوصل الى اتفاق «يوقف» التدخل التركي الأحادي، ويقضي بتشكيل غرفة تنسيق مشتركة امريكية تركية للبحث في ايجاد «الية» امنية سريعة لتبديد مخاوف تركيا وتشكيل «ممر سلام» وبذل الجهود الممكنة «لتمكين» المهجرين السوريين من الانتقال إلى بلادهم. وقد استطاعت واشنطن معالجة الهواجس التركية بشأن دور «حزب العمال الكردستاني» في شمال شرقي سوريا، وكذلك حماية شركائها في «قسد» ونزع فتيل حرب كارثية كادت ان تقع في المنطقة الكردية على غرار عملية «غصن الزيتون» في عفرين!
ورغم الغموض، وقلة التسريبات، والتصريحات المتناقضة بخصوص تفسير ما تم التوصل اليه يمكن الاشارة الى ما يلي:
– «أبعد» الاتفاق المنطقة الكردية بشكل خاص وشرق الفرات بشكل عام – مبدئيا -من «تبعات» شن عملية عسكرية تركية وبمشاركة من بعض المجموعات المسلحة التي نهبت وسلبت في عفرين هذه العملية التي كان يمكن ان يكون لها أثار و«تداعيات» كارثية لجهة الثأر والقتل وضرب العيش المشترك، واذكاء النعرات الطائفية والعنصرية والشوفينية والتي قد يكون بعضها رد فعل تجاه «قسد»
– «الابقاء» على الامن والاستقرار النسبيين اللذين تتمتع بهما مناطق سيطرة «قسد» فالاتفاقية انهت خطر «تدفق» اللاجئين نحو كوردستان العراق رغم عدم قدرتها على استقبال المزيد منهم او تأمين احتياجاتهم، فكل الذين عملوا مع الادارة الذاتية كانوا سيصبحون اهدافا لهذه المجموعات وسيكون مصيرهم اما القتل او السجن او الخروج من المنطقة، وستشهد المنطقة مزيدا من التهجير والتغيير الديمغرافي و«توطين» ابناء المناطق الاخرى في جغرافية كردستان الغنية بالماء والغذاء والطاقة..
-«قطع» الطريق امام عودة الروس والنظام الى المنطقة والسيطرة عليها من جديد بعد تحريرها من داعش في ظل عدم الاعتراف بالحقوق القومية الكردية.! – عدم السماح للجيش التركي بالتوغل البري في شرق الفرات الا من خلال غرفة التنسيق المشتركة واي تحرك يجب ان يكون مع الامريكان وبمعرفتهم، والا سيكون لأمريكا موقف اخر. هذا ما أكد عليه وزير الدفاع الامريكي، واخذته تركيا على محمل الجد، حين قال إن بلاده ستمنع أي توغل أحادي الجانب في شمال سوريا، مشيراً الى قصف قوات النظام التي حاولت الدخول الى منطقة شرق الفرات عبر القوات الروسية واصفا العملية التركية التي هددت بها أنقرة بـ«غير المقبولة» فقد جاء تصريح إسبر بعد إعلان الرئيس التركي قبل يومين من أن بلاده ستشن عملية عسكرية في شرق الفرات ضد «وحدات حماية الشعب»، وأنه أبلغ موسكو وواشنطن بذلك.
– سقوط رهان الكثيرين بان امريكا «ستتخلى» عن حلفائها في «قسد» وستنحاز الى تركيا، لأنه لا يمكن الوثوق بها فهي دولة مصالح وليست جمعية خيرية، وان مصالحها مع تركيا كدولة عضو في حلف الناتو لا يمكن مقارنتها مع ما يجمعها مع قسد، ورغم كل التهويش الاعلامي والتهويل الذي كان يجري. فان امريكا ليست موجودة في سوريا بغرض النزهة بل ان مشروعها في المنطقة «طويل الامد» له جوانب واهداف متعددة لم يتم الافصاح الا عن بعضها، وعلاقتها مع تركيا ليست في أحسن الاحوال وهناك خلافات جدية بين الطرفين، وما التصريحات الاخيرة القاضية بزيادة عدد قوات «قسد» من 100 ألف الى 120 ألف مقاتل الا تأكيد على هذا المشروع.
– كرد سوريا لم يعودوا كما كانوا وقد أصبحوا رقما صعبا في معادلة الحل السياسي القادم وان «استقرار» سوريا وتقدمها مرتبط بالانفتاح والاعتراف بحقوق الكرد واشراكهم في الدولة السورية القادمة فهم جزء «اصيل» من الشعب السوري وليسوا طارئين او ضيوف على المنطقة.!
– التشكيك في مصداقية البحث في ايجاد حلول وتوافقات لأنهاء الازمة في سوريا بعدما كان الغرب يروج لها بحلول عام 2021 من خلال انتخابات تجري وبرعاية واشراف دوليين.!
– إن رغبة أنقرة في شن عملية عسكرية موسعة كانت «مناورة» سياسية للتعبير عن الإحباط التركي والعلاقات «المتوترة»، بسبب الوعود التي رأتها تركيا «غير مثمرة» اضافة الى اعتقاد انقرة بان ترامب لن يلجـأ الى ضرب الجيش التركي بسبب الانتخابات الرئاسية والتكلفة الأميركية التي ستزيدها الحرب لحماية المنطقة، وتعقّد الانسحاب الذي وعد به، وهو ما قد يفرض على الإدارة الأميركية مزيداً من «التنازلات» الحقيقية لتركيا ، ويعيد لعلاقاتها مع امريكا «دفئا جديداً، ويجنبها خطر العقوبات بعد اتمام صفقة اس 400 رغم التهديدات الامريكية، ويبدو بأن اهداف انقرة الحقيقية تكمن في «التحكم والسيطرة» على الحركة التجارية في شمال شرق سوريا، و«تفكيك» الكتلة الكردية الصلبة في مدنها الرئيسية بعد أن نجحت في منطقة عفرين.
ورغم التعقيد والتناقض يبقى الوجود الامريكي حاسما في المنطقة، لكن على «الادارة الذاتية» القيام بخطوات حقيقية لتخفيف العبء على الجانب الامريكي و«تبديد» الهواجس التركية – رغم انها غير حقيقية – ولهذه الهواجس علاقة بسلاح الكرد وقوتهم وفي هذا الإطار جاء بيان استانا 13 الذي اعتبر «الادارة الذاتية» غير شرعية ولها نزوع «انفصالي».
اخيرا لا بد ان تُقَدِّم «الادارة الذاتية» نموذجاً مقنعاً لكل المكونات خارج منطق الحرب والسلاح بحيث يجعلها اكثر قبولا وشعبية ومشاركة دون الخوض في «الانتهاكات» التي سجلتها في حق من يعارضها وخاصة «الكرد» منهم ،وفي مقدمة ذلك يأتي الاقدام على مراجعة «نقدية» لتجربة الحكم خلال هذه السنوات ،وتوفير المناخات المناسبة من اجل التقارب الكردي على اساس المصلحة القومية تمهيدا الى اجراء انتخابات «حقيقية» وبإشراف ورعاية دولية كي لا تستمر المراوحة بين وهم «النجاح» ووهم «الفشل» وتحقيق «انجازات» مستدامة للقضية الكردية في سوريا !