وليد حاج عبدالقادر / دبي
منذ البدايات، ومع دفع الأزمة السورية صوب نفق الصراع المسلح، والتي أدت بطبيعة الحال الى ظهور المئات من الكتائب والمجموعات المسلحة، تحت مسميات وبتوجهات كما واجندات متعددة، وكظاهرة طبيعية في هكذا حالة، كان لابد من تنوع آليات وطرائق المتداخلين بساحتها في مد وتجاذب، فتفرز معها أشكال من التجاذبات والتداخلات في المصالح حينا، وتصارعها في أحايين أخرى حتى ضمن النسقية الواحدة، هذا الأمر دفع بالمؤثرين في المشهد العسكري بالسعي الى إيجاد شكل منظم يضبط العمل العسكري من جهة، ويؤسس آلية للتحوط اللوجستي والتحكم بطرائق دعم وتقديم السلاح، كوسيلة سواء لضمان السيطرة أو التحكم بما يفيد في الأساس،
وهذه ثانيا، الغاية الرئيسة لتلك الحالة العسكرية، فكانت غرفتا عمليات ( موم ) في تركيا التي واكبت الهيكليات العسكرية في الشمال، و ( موك ) في الأردن لمتابعة كتائب الجنوب، هاتان الغرفتان اللتان أضحيتا غرفتي تحكم وقيادة وإدارة المعارك وقيادتها وبالتالي تكويعها بما يتوافق في الأساس مع المنهج الرئيس والمؤطر تحت يافطة (التحالف ضد الإرهاب )، وعلى هذه القاعدة وبسياقية صريحة أخذت ملامحها تنكشف بالتتابع، وكانعكاس عملي للضربات المتتالية التي أخذت تنهك التنظيمات الإرهابية، خاصة بعد تقسيم الخارطة السورية وتقطيعها مناطقيا من جهة، وإيجاد بؤر – بقع وتهيئتها كبيئات استيعابية للمتشددين، مثل إدلب ومحيطها، الأمر الذي بدا لغالبية المراقبين حينها، بأن إدارة أوباما الأمريكية، التي كانت على وشك الرحيل حينها من جهة، إلا أنها في ذات الوقت وعبر وزير خارجيتها جون كيري كان يؤسس وبعمق ركائز جد مهمة ومتينة في أسس ضبط إيقاع وآلية توجه الصراع الذي أخذ منحاه الدموي يتسع في سوريا، ومن ثم ايجاد أشكال – قواعد لضوابط التحكم بها وبمعايير شديدة، تودي بالدرجة الأساس، المهمات الموضوعة، وايضا بدقة، وهنا، وبعيدا عن الإسترسال النظري، فأن مبادرة / تفاهمات كيري ولافروف والتي أسست قاعدة أصبحت بمثابة عرف عبر غرفة ال – موك – في عمان، والذي تم بموجبه الاتفاق على وقف النار في الجنوب، وتحت بند خفض التصعيد القتالي في بعض من مناطقها، وما تلاها من ترتيبات للمهادنات في مناطق أخرى، وكذلك ماتم بعدها من المبادلات الديموغرافية سواءا في القلمون او حمص وغيرها من المناطق، هذه الخطوات وما نتج عنها يمكن اعتبارها ببساطة مقدمات للمراحل التي تتالت، ويكفينا تاملا بالذي جرى في حوض اليرموك ومعها محافظات الجنوب وبشكل خاص مدينة درعا ومحيطها، وتقاطعها مع القنيطرة وبعض من مناطق محافظة السويداء وصولا الى مثلث الموت فاجزاء من ريفي حمص وحماة، ومع القضاء على داعش في حوض اليرموك حربا او ترحيلا من مناطق في أطراف بادية الشام، ومع خفوت او إضمحلال دور داعش كمهمة اساسية، ظهر موقف دول التحالف من الكتائب العسكرية على حقيقته، وبصورة أدق ! أوضحت الغاية الرئيسة والوحيدة في دعمهم لتلك الكتائب، ومع اول حالة تصادم فعلية مع جيش النظام قرب نقاط الحدود المشتركة السورية – الأردنية، ظهر موقف دول التحالف والذي فسر على انه تساهل، وإن عده كثيرون انحياز حقيقي لأمريكا وغرفة ال – موك – في إعادة هيمنة النظام وبسط سيطرته على تلك البقاع، وكان الموقف الأمريكي صارما مع مجموعتي كتائب ما عرفت ب – مغاوير الثورة – و – كتائب الشهيد احمد العبدو – حيث هددتهما إما بتسليم الأسلحة الثقيلة أو أنها ستقوم بتدميرها، في تعليل واضح على أنهم قدموا هذا السلاح لمحاربة الإرهاب لا النظام، وعليه، فمن الغباء جدا والحالة هذه، الذهاب تشطيحا في الجانب المقابل، وأعني به نطاقية غرفة – موم – خاصة بعد إيقاف أنشطتها التدريبية واللوجستية العسكرية منذ عدة سنوات، كل هذا وبالترافق مع التصريحات الأمريكية وعلى لسان مسئولين في مختلف المستويات، بأن التحالف الدولي موجود في هذه البقاع لمحاربة الإرهاب كهدف أوحد لا غير . ومع دحر الإرهاب، والحد من خطورته إلى أدنى المستويات، بات الوضع بشكل عام لا يحتاج إلى ذلك الرفد اللوجستي والمتنوع إن من الأسلحة الثقيلة، أو تواجد القوات وبزخمها السابق على الأرض، هذا الامر لم تخفه مصادر عديدة في البنتاغون والإدارة الأمريكية، والتي وان تعاملت بكياسة سياسية هادئة، إلا ان كل الدروب والطروحات أكدت منذ البدايات، وبلا ادنى شك بأن الأسلحة الثقيلة ستتم سحبها او تحييدها بشكل او بآخر، وما سيتم توفيرها كبديل، هي مستلزمات قوة سعى التحالف إلى تجهيزها وتدريبها بعد سقوط الرقة وأجزاء من ريف ديرالزور، لتصبح كقوة شرطية تقوم بمهام الأمن الداخلي وحراسة بعض من قطاعات الحدود مع العراق، تلك القوة التي حددت بحوالي أربعين الف عنصر وقد جهز أكثر من نصفها إلى الآن ويتوقع أن تستلم مهامها في القريب العاجل. أن تعدد الرؤى والتحليلات التي تتناول هذا الجانب من المشهد السوري، وفي هذه البقعة، والتي تم تحديدها جغرافيا بما بات يعرف بإسم شرق وشمال شرق سوريا، هذا النطاق – الإقليم النظري والذي يشكل بحد ذاته عبئا ديموغرافيا وجغرافيا وبانعكاس سياسي سلبي وسيء جدا على القضية القومية الكردية في سوريا، لابل يساهم وبشكل فاضح في تعويم كافة المشاريع العنصرية التي طبقت والتغييرات الديموغرافية التي جرت وستتشرعن في نطاق هذه الأقاليمية من جهة، وبالتالي ستلغي او تعوم كل خاصية كردية في خارطة سوريا سايكس بيكو، وعليه، فأن حجة المتطلبات الأمنية التركية الملحة والعاجلة من جهة، ومايرسم من ملامح للمنطقة ليست بالمطلق هي نتاج ما يتم الترويج لها، بقدر ماهي في الأساس، أجزاء رئيسة من الخطط الموضوعة، ومن جديد، في نطاق ضبضبة المنطقة ككل وضمن سياقية الإستدراج الممنهج على قاعدة خفض التصعيد وكأمر محتم فيها، وأعني بها متلازمة خفض القوة، وهنا يلاحظ بأن سقف هذه التخفيضات ستتجاوز الاطر والهيكليات العسكرية ذي المنحى المحلي – سوريا – لتغطي بقعا اخرى، مثل ايران المتخبطة حاليا وتركيا التي كرست – ولاتزال – كل جهودها في لعب دور المقايضة على الأرض السورية باستمرار، وكل اهتمامها مركز على إبقاء ثقل صراعها مع منظومة حزب العمال الكردستاني خارج كردستانها. وفي الختام: ان المنطقة الآمنة – الفاصلة وتحت أية مسمى تكن، هي في الأساس من الخطط المرسومة مسبقا ومنذ بدايات الأزمة السورية، وما تغير فيها هو مساعي كل طرف وبذله كل ما يمكن من جهد وضغط في سعي لتمرير أجندته من خلاله، وما يلاحظ في هذا المجال وكموقف جد مهم هنا هو الموقف الأوروبي، الذي يسعى وبكل جهد، لتأسيس او إيجاد ملاذ يمكن تسميته بالآمن، يتم التأسيس عليه ومع توفير ضمانات معيشية وامن لتعيد اعداد من المهاجرين وتحد من اسباب الهجرة ذلك السلاح الذي برعت تركيا في استخدامها، أما المقابل، او ما ستقايض بها تركيا، في إدلب وأطراف المحافظات المتداخلة معها، فهي ستكون الأساس في شروطها المقدمة والتي ستثتثمر كهدف وأعني بها ابعاد وحدات الحماية عن حدودها لمسافات تراها هي آمنة بعد تجريدها من الأسلحة الثقيلة، وهنا يلاحظ الكياسة الأمريكية ودقتها في التعامل عكس ما مارسته في الجنوب مع – مغاوير الثورة – من جهة، ومع ملاحظة الحساسية الكردية من أية خطوة عسكرية تركية في مناطقها خاصة بعد تجربة احتلال عفرين وممارسات الكتائب المحسوبة على الجيش التركي، يتوقع ان تأخذ دول التحالف هذه الأمور بعين الإعتبار، وان تراعي التركيز على القوى المحلية من أبناء المنطقة والتي يتوقع ان تلعب بيشمركة روج فيها دورا مميزا. أن كل الدلائل تشير بأن كل القوى العسكرية التي انخرطت بشكل او بآخر في الصراع المسلح داخل خارطة سوريا سايكس بيكو ستحال إلى فترة اعادة تأشكل بنمط وعقلية جديدة بعيدا عن روحية الميليشيات التابعة لتوجهات محددة وتدار وفق ذلك خدمة لأجنداتها أيضا، وإلى ان يتحقق ذلك التحول ستكون اليد الطولى لتلك القوات التي ما تلوثت أياديها بعد بشكل او آخر في الصراعات البينية.