البناء على أسوأ سيناريوهات المنطقة الآمنة هي فرصة الكورد الوحيدة

المحامي عماد الدين شيخ حسن
إعلان الأتراك و الأمريكيين مؤخراً عن توصّلهما لإتفاقٍ أو توافق مبدئي نراه الأصحّ تعبيراً، بشأن إقامة منطقةٍ ( آمنة  أو ممر  سلام ) في سوريا، و إن كان قد كبح جماح تركيا في القيام بعمليةٍ عسكرية تضبط و ترسم من خلالها معالم تلك المنطقة بصفةٍ منفردة ،انطلاقاً من زعمها الفشل في الحصول على دعم أو اتفاق دولي يلبّي مطالبها الملحُة و المحقُة ، إلا أن ذلك التوافق لا يعني مطلقاً بإنّ الأراضي السورية و المناطق ذات الخصوصية الكوردية منها تحديداً باتت بمنأى عن خطر الاجتياح و الاحتلال و منهجية الإبادة بصورها و التي تحملها تركيا إزاء تلك المناطق و أهلها ، تماما كتلك التي تمارسها في عفرين حالياً .
و سنداً لهذا فإننا نرى بأنّ المنطق السليم يحتّم على المعنيين ومن تتهدّدهم تلك المخاطر توقّع أسوأ السيناريوهات و الإحتساب لها في اطار إدراك حجمهم و تدارك المطلوب منهم والمتاح لهم من إمكانيات و بعقلانية دون التعويل على  طرفٍ غير كوردي و الاتكال عليه.
لذلك… فلا شكّ بدايةً من الأخذ في الحسبان بأنّ ما تسمى بالمنطقة الأمنة في شرق الفرات بات إنشاءها واقعاً راسخاً و مسألة وقتٍ ليس إلّا ، و ستسعى تركيا جاهدةً مع الامريكيين و غيرهم لتقريب أوان تنفيذها عبر الإلحاح على الولايات المتحدة في اجراء مباحثات الخوض في تفاصيل و آليات التطبيق و التنفيذ و الاتفاق عليها . في مقابل ذلك و إن كانت الولايات المتحدة من حيث المتوقع ستمارس دبلوماسيتها في اللعب على عامل الوقت و تأخير أمد البدء بالتنفيذ ريثما تجد أو يطرأ ما يتوافق مع سياساتها من أحداث و حلول تستوعب من خلالها هذا الازعاج التركي لمصالحها و تتغلب عليه، أو حتى  يتناسب و يتوافق المطلب التركي ربما مع سياستها أيضاً زمنياً ، و لكن بجميع الأحوال لا يجب التعويل على تلك الإحتمالات و الاتكال عليها .
علينا أن نعي حقيقة أنّ الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتجاهل مصالحها و علاقاتها المتجذرة مع تركيا أو أن تقفز عليها، و إلا سنكون ساذجين للغاية ، و أيضا علينا أن لا نقزّم على الاطلاق دور تركيا و حجمها و قوتها في المنطقة و العالم عموما ، و أي  تعويل أو أعتقاد بأن الولايات المتحدة و سواها ستنحاز الى الكورد أو الى حليف كوردي ما على حساب علاقاتها مع تركيا هو وهمٌ و مدعاةٌ للسخرية ، و أبسط مثالٍ على ذلك ، يجب ان نعتبر منه ولا ننساه هو …. إذا كانت الولايات المتحدة فضّلت العراق الهزيلة بوضعها المزري في اختبار الاستفتاء على كردستان العراق شبه الدولة وفي أوج استقرارها ،  فباليقين القاطع لن تختار و تفضّل مجرّد حليف لها مسخّر في الحرب على داعش على دولة بحجم و شأن تركيا .
إذاً ..التسليم بأن المنطقة الآمنة حقيقةٌ قريبة القيام و الحدوث هي الخطوة الأولى الصحيحة في بناء و وضع التدابير و الالتزامات ، يرافقه كما ذكرنا الاقتناع بالاعتماد على الذات و عدم التعويل على أحدٍ أو حدث كما أسلفنا الذكر.
نأتي الآن… الى تسليط الضوء على المحور المتعلّق بمدى حجم و دور تركيا و مساهمتها و نفوذها في المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها  ؟؟
و قبل الخوض في هذا التساؤل ، لا بدّ لنا من تدارك أمرٍ هام ، نمحو من خلاله ما قد يتولد لدى القارئ من إنطباع و تصوّر  بأننا ربما ضدّ إقامة منطقة آمنة في سوريا ،  لنقول بأنّ هذا غير صحيح على الإطلاق ، بل على النقيض منه ، نرى بأن للمنطقة أو المناطق الآمنة في سوريا  أهميةً بالغة ، و هي حاجةٌ قصوى تأخرت تلبيتها كثيراً و لسنوات ، و كانت كفيلة بإنقاذ  عشرات و ربما مئات الآلاف من السوريين من الهلاك و مختلف الأهوال  .
لبّ ما نراه و ما لا نتفق معه و عليه هو أنّ هناك مسعى تركي تحديدا لأن تلعب دورا هاما في إنشاء منطقة هي في واقع الحال على النقيض من اسمها و غاياتها تماما و أنها منطقة كوارث بمسمى آمنة ، فتركيا التي تحمل العداء الشديد لأطرافٍ سورية و بالتالي  هي جزء أساسي متسبب في مأساة السوريين و تفاقمها ، من غير المعقول و المنطقي أن تكون جزءا و طرفاً في مساعي الحلّ و الاستقرار و تخفيف المعاناة . 
و أيّاً ما سيكون عليه حجم الدور و الصلاحيات التركية في المنطقة الآمنة مستقبلاً ، و جب توقّع أنُ ذاك الدور سيكون كبيراً ، فالمصالح الدولية لا يؤتمن جانبها و بالتالي ستتعرض المناطق الكوردية لذات السيناريو و المخطط الممنهج الذي تعرضت وتتعرض له عفرين من استباحة و إبادة و تهجير و تغيير ديموغرافي و سواه من مختلف صنوف الإجرام .
إذ بات جليّاً بأن تركيا لا تستهدف فئةً كردية بعينها من منطلق و ذرائع أن الأخيرة تمارس الارهاب و تهدد أمنها القومي و سلامة اراضيها ، بل تستهدف الكورد و حقوقهم و وجودهم أينما كانوا ، و المثال دائما هو عفرين و ما تتعرض لها .
و حيث أنّ ورقة اللاجئين السوريين في تركيا كانت و ما زالت على الدوام الجوكر الأكثر مفعولاً و تنوّعاً في الاستثمار و الاستخدام بالنسبة لتركيا ، سواء في الداخل التركي و خارجه ( يد عاملة ، تلقي الاموال و الدعم و الاعانات باسمهم ، ابتزاز اوربا ، استخدام البعض منهم كمرتزقة مأجورين عسكريا و سياسيا ، و غير ذلك الكثير ) ،  و في النهاية توظيفهم كوقود لمآربها في التغيير الديموغرافي في عفرين و سواها من المناطق ذات الخصوصية الكوردية .
إن ضخّ ما يقرب من ثلاثة ملايين لاجىء سوري متواجد في تركيا على المناطق ذات الخصوصية الكوردية في سوريا يعتبر من أخطر التحدُيات التهديدات التي تواجه الكورد و أكثرها ديمومة في التأثير و الضرر عليهم و على وجودهم ككل .
لذلك كان لزاماً و فرضاً أن ينصبُ جلّ التركيز و الاهتمام على هذه الناحية و استدراك سبل صدّها أو الحدّ من آثارها على أقل تقدير ، كالقيام بمبادرات استباقية مثل العمل على عودة اللاجئين الكورد إلى دورهم و ممتلكاتهم و اشغالهم لها قبل أن يشغلها و يستوطنها الغرباء كما حدث في عفرين ، حيث هناك أعداد كبيرة منهم و قريبة متواجدة في كردستان العراق ،يمكنها العودة إن تهيأت لهم سبل و ضمانات العيش و لو ابسطها .
هذا و في السياق ذاته لا بد لنا من التنويه الى أن التجارب السابقة الخاصة بالمناطق الآمنة في العالم تخلو من ظاهرة توطين أو تأمين سكان في مناطق لا ينتمون اليها ، بل يجب تأمين ممرات عبور آمنة لهم عبر المنطقة الآمنة للوصول و العودة الى أماكن سكناهم الاصلية إذا كانت آمنة ، و إلا وجب بقائهم أو إبقائهم في بلاد اللجوء .
و مع هذا كله فإنّ واقع الدول و المنظمات الدولية لجهة الضمانات و الاعتبارات الانسانية و الحقوقية و دورها و نفوذها و مساهماتها في هذا الإطار لا يبشّر بالخير على الاطلاق ، بل يكاد يتجه نحو الأسوأ أسفاً .
إن الوضع الداخلي التركي يغلي إقتصاديا و سياسيا و بشكل عام و يتجه نحو الانفجار ، و السلطة الحاكمة في تركيا تبحث و بأيّ ثمن عمّا يخفف عن كاهلها المآزق و الأزمات تلك ، لذلك تجد في الأوضاع و السياسة الخارجية سبيلاً من السبل التي تلهي و تشغل به الاتراك عن الوضع الداخلي السيء و تسعى عبر ذاك السبيل لتحقيق انتصاراتٍ ولو وهمية تستر بها عيوب سياساتها في الداخل و الخارج .
و في الختام لا يسعنا إلا أن نؤكّد و حسب قناعتنا بأنّ الكورد عامةً و المتحكمين بذمام امورهم خاصةً من قيادات و أحزاب و سواهم ، لا يزالون يملكون الكثير من مقومات القوة الكافية للتحكم بمصيرهم متى ارادوا ذلك و وعوا جيداً حجم المصائب و المخاطر التي تحيط بهم و بالتالي الوابات الملقاة على عاتقهم إزاءها . 
الى الآن و للامانة نقولها ..ما من بشائر على الاطلاق في هذا الاتجاه و ما من بوادر البتة تدعو الى التفاؤل و بكل ألمٍ و أسف .
ألمانيا ١٠/٨/٢٠١٩ 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خورشيد شوزي في ظل الأوضاع المعقدة التي تشهدها سوريا، يبقى النهج الإقصائي الذي تمارسه سلطات الأمر الواقع أحد العوامل الأساسية في تعميق الأزمات بدلاً من حلها. فالتهميش المستمر ورفض التعددية السياسية يضعف أسس الاستقرار، ويؤدي إلى إعادة إنتاج أخطاء الماضي. أي سلطة تسعى إلى بناء دولة قوية ومستقرة لا بد أن تعتمد على مبدأ الشراكة الوطنية، وتعزز التعددية…

نارين عمر   يبدو أنّه علينا كشعب أن نعيش عمرنا بين تساؤلات واستفسارات موجّهة إلى مختلف قيادات الحركة الكردية والأطراف التي ترى نفسنا أنّها تمثّلنا في سوريا دون أن نتلقى إجابات واضحة منهم تهدّئ من صخب فكرنا وتنعش النّفس ببعض الآمال المحققة لطموحاتنا وحقوقنا. في اتفاق أسموه بالتّاريخي بين “قسد” وحكومة دمشق تمّ طرح عدّة بنود منها: (( دمج قسد…

درويش محما قد تصبح الامور عصية على الفهم في بعض الاحيان، وضبابية غير واضحة، حينها يجد المرء نفسه في حيرة من امره، ازاء سلوك او تصرف معين يقدم عليه شخص ما، والسبب بكل بساطة، يكمن في عدم معرفتنا للهوية الحقيقية للشخص صاحب التصرف والسلوك. اما ماهية الهوية كمفهوم، فهناك اجماع على تعريفه، بمجموعة السمات والخصائص المميزة لفرد ما بعينه،…

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…