مصطفى أوسو
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العام الماضي قرار سحب قوات بلاده من مناطق “شمال شرق سوريا”، اتفقت الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا على إقامة “منطقة آمنة” فيها على الحدود مع تركيا، ولكنهما رغم ذلك اختلفتا على التفاصيل المتعلقة بها، مثل عمقها وأبعادها والقوات التي ستشرف عليها..، وغيرها من المسائل والقضايا التفصيلية.
ففي حين أرادت الولايات المتحدة الأمريكية من فكرة إقامة “المنطقة الآمنة” في “شمال شرق سوريا” – وفق ما تعكسه تصريحات مسؤوليها – أن تكون هادئة ومستقرة وآمنة، لضمان بقاء قواتها العسكرية في سوريا، وتحقيق مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، خاصة بعد الحديث الروسي المتكرر عن تزايد الوجود الأمريكي “غير الشرعي” في سوريا،
فأن تركيا في المقابل رأت فيها فرصة سانحة – أيضاً وفق ما تعكسه تصريحات مسؤوليها – لضرب الشعب الكردي، والعمل على منع تطور قضيته القومية والوطنية الديمقراطية في سوريا على المستويات الدولية والإقليمية وحتى المحلية أيضاً، ومحاولة القضاء عليه وإبادته وتهجيره وتشريده من مناطقه التاريخية، وتوطين اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا فيها، تمهيداً لتغير ديمغرافيتها وتركيبتها السكانية، في تكرار منها لتجربتها في منطقة عفرين.
التصريحات الصحفية الصادرة عن المسؤولين الأمريكيين، ومنهم جيمس جيفريـ بعد سلسلة الاجتماعات الأمنية والعسكرية الأمريكية التركية حول إقامة “المنطقة الآمنة” في “شمال شرق سوريا”، التي رافقتها خلافات شديدة بين الطرفين، وتوجت باتفاق بين الطرفين على إنشاء مركز عمليات مشتركة لتنسيق وإدارة وإنشاء هذه المنطقة، تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد إبقاء باب المفاوضات والحوار مع حليفتها تركيا مفتوحاً أطول مدة ممكنة من الوقت، لعوامل واعتبارات عدة، منها: أن الولايات المتحدة الأمريكية ستبقي في المدى المنظور على قسم من قواتها العسكرية في سوريا كجزء من القوة العسكرية المتعددة الجنسيات المقترحة لمواصلة الحملة على تنظيم “داعش” الإرهابي، وذلك وفق ما يستشف من كلام وزير دفاعها الجديد مارك إسبر خلال جلسة استماع في الكونغرس في منتصف شهر تموز/يونيو الماضي. وبمعنى أخر هناك سعي من وزارة الدفاع الأمريكية/البنتاغون، لإعادة هيكلية الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، حيث يرجح أن تتمركز هذه القوة العسكرية المتعددة الجنسيات في “المنطقة الآمنة”، التي يجري التفاوض الأمريكي التركي حولها.
ومن ناحية أخرى فأن الولايات المتحدة الأمريكية، تحاول وتريد بشتى الوسائل إيجاد نوع من التوازن في المنطقة يحفظ لها مصالحها من جهة، ويطمئن حليفها التركي من جهة ثانية، وأيضاً يحمي حليفها الكردي (قوات سوريا الديمقراطية/قسد) من جهة ثالثة، وفق ما يفهم من التصريحات الأمريكية المتكررة المتعلقة بهذا الشأن في الفترة.
وهنا يجب أن لا نتجاهل أبداً، عامل الوجود والتدخل الإيراني في سوريا، والذي ترى فيه الولايات المتحدة الأمريكية تهديداً لمصالحها الإستراتيجية ومصالح حلفائها، في وقت تشهد فيه علاقتها مع إيران تصعيداً وتوتراً شديدين على خلفية التهديد الإيراني للملاحة الدولية في مضيق هرمز واحتجازها لثالث سفينة أجنبية بالخليج في فترة أقل من شهر، وأيضاً سعي الولايات المتحدة الأمريكية وحاجتها تشكيل تحالف دولي لتأمين حركة الملاحة في الخليج.
خلاصة القول: أن “المنطقة الآمنة” في منطقة “شمال شرق سوريا”، يجب أن تؤمن استقرارها وضمان حقوق شعوبها ومكوناتها القومية والسياسية والدينية والمذهبية، وعيشها – شعوب المنطقة ومكوناتها – بسلام وأمان وتآخي ووئام، بعيداً عن الصراعات والنزاعات والحروب والكوارث والويلات، التي لم تجلب سوى الخراب والدمار والويلات، بتشكيل إدارة موحدة قوية فيها يشارك فيها الجميع، تجسداً لمبادئ الديمقراطية والتعددية والعدالة والمساواة، وهذا غير ممكن عملياً في ظل إطلاق يد تركيا فيها، لأن ذلك لو حدث، سيؤدي إلى وقوع انتهاكات خطيرة وجسيمة، وإلى تعريض الأمن والسلم الاجتماعي في المنطقة لمخاطر لا يمكن التكهن بنتائجها ومآلاتها، وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فيها، بما في ذلك جرائم التطهير العرقي، وهي هواجس ومخاوف مستمدة من التهديدات التركية القائلة بـ “دفن الأكراد تحت التراب في هذه المناطق”، وأيضاً ما تفعله وتقوم به في منطقة عفرين منذ العدوان عليها واحتلالها في 18 آذار/مارس 2018.