المشهد السياسي القائم يثير الانتباه أو الترقب لعدد من القضايا في الوضع السوري، وفي المقدمة منها المنطقة الآمنة التي تتداولها الأوساط السياسية والإعلامية، وتسعى من أجلها الدبلوماسية الدولية والإقليمية على حد سواء، ومنها تركيا بشكل خاص، بالرغم من أن الدور الأساسي للتحالف الدولي وخصوصا أمريكا، بحكم أن منطقة نفوذها (شرق نهر الفرات) هي المعنية بإقامة هذه المنطقة، وعليه تبقى أمريكا المعنية بشؤونها بالدرجة الأساس ومن ثم المجتمع الدولي ممثلا بهيئة الأمم المتحدة.
الموضوع الآخر هو شأن محافظة إدلب والصراعات العنيفة الدائرة فيها بين القوى المتقاتلة (فصائل المعارضة المسلحة بدعم تركي من طرف، وقوى النظام بدعم روسي ايراني من طرف آخر ) في سعي من النظام وحلفائه لاستعادة هذه المحافظة الى سيطرة النظام أو النفوذ الروسي، في وقت ينتظر الجميع في ترقب لاجتماع دول استانا – سوتشي ذي الرقم 13 المزمع عقده في 1 و2 من شهر آب 2019 في مدينة نور سلطان الكازاخستانية، كدول معنية بالسعي لخفض التوتر ووقف اطلاق النار في المناطق المعنية بذلك، ناهيك عن المساعي والجهود الدبلوماسية الدولية من أجل انجاز تشكيل اللجنة الدستورية وعقد اجتماعات هيئة التفاوض بهذا الخصوص.
ومن الملاحظ عبر تفاعلات الوضع السوري، أن الترتيبات التي تحصل على الأراضي السورية متزامنة مع التطورات السياسية والمساعي الدبلوماسية في هذا الشأن، ما يعني أن هناك توافقا بين الجانبين رغم التباين أحيانا في القضايا الإجرائية أو المتعلق منها بالمصالح الدولية والإقليمية الآنية، وعليه فقد تحصل حلول جزئية هنا وهناك، لكن الحل السياسي المنشود قد يتأخر إلى حين، سواء لجهة البطء في الترتيبات اللازمة أو لجهة اعتماد النظام السوري وحلفائه خيار الحل العسكري في ذلك، أو لجهة ترابط أزمات المنطقة برمتها، وبالتزامن مع بلورة الاسلام السياسي في معظم بؤر التوتر في المنطقة، ما يقتضي من المجتمع الغربي وفي المقدمة التحالف الدولي بقيادة أمريكا مكافحته لما يشكل من مخاطر على مستقبل المنطقة وعلى مصالح التحالف والقوى الدولية الأخرى.
وتركيا، بالرغم من معاناتها تشعبات السياسة الداخلية والخارجية، والصعوبات التي تتراكم أمامها، إلا أنها ماتزال تلعب دورا مزدوجا في التعاطي مع كل من روسيا والتحالف الدولي، وتسعى بجد من أجل تأسيس المنطقة الآمنة عبر المزيد من التحشيد العسكري على الحدود السورية وإطلاق التهديدات السافرة هنا وهناك بذريعة ابعاد الخطر المزعوم على حدودها وتأمين مكان آمن للمهجرين السوريين المقيمين في تركيا بغية توطينهم وتخفيف أعبائهم عن كاهلها ، ويبدو أن العمل من أجل تأسيس المنطقة المذكورة يتقدم والمشاورات تأخذ حيزا هاما من الزمن ولاسيما في الآونة الأخيرة، إلا أن الخلاف هو على من يديرها أو يشرف عليها، وكذلك على العمق السوري المطلوب بين خمسة كيلومترات وسبعة الى اربعة عشر كيلو مترا وبين 32 الى 40 كيلو مترا ، عموما هناك توافق بين الأطراف المعنية قائما، ويظل القلق يساور مكونات المنطقة خشية تكرار سيناريو منطقة عفرين ومآسيها على المناطق الأخرى المشمولة بموضوع المنطقة الآمنة المرتقبة.
أما إيران، فصراعها في تصعيد مع أمريكا، عبر تسخين الحرب الإعلامية، فهي تخلق الذرائع باتجاه مواجهة عسكرية مباشرة أو عبر وكلاء كل منهما في المنطقة، لأن ذلك ربما تخدم اجندتها لتخفيف الضغوط والأزمات الداخلية عن كاهلها، ورغم العقوبات الاقتصادية الأمريكية المتوالية عليها، فإنها تهدد بالانسحاب من الاتفاق النووي بينها وبين الدول الخمس دائمة العضوية مضيفا اليها المانيا، الأمر الذي يثير القلق لدى الأطراف المعنية، وتمارس شكلا من الابتزاز في هذا المجال، ما يعني أن إيران ماضية في سياستها وتوجهاتها الأيديولوجية ولو على حساب قوت شعبها ومعيشته، وعليه يبقى الصراع مستمرا وتظل ايران تتلقى المزيد من العقوبات الاقتصادية، وتبقى حركة المعارضة الوطنية تتصاعد في الداخل والخارج، وتظل الضغوط السياسية عليها مستمرة، ويبقى العمل قائما من أجل ابعاد خطرها عن سوريا، والسعي يبقى متواصلا للحد من تدخلاتها الإقليمية وخصوصا العراق واليمن ولبنان، وايقاف سياستها وممارساتها في هذا الصدد.
والعراق، من الملاحظ أن حكومة السيد عادل عبد المهدي تخطو خطوات حثيثة ولو أنها بطيئة باتجاه ترتيب الأوضاع عموما، وخصوصا التركيز على الجانب السياسي في هذه المرحلة الهامة، وتسعى للتوافق ما أمكن بين المكونات عموما، باتجاه خدمة الجانب الوطني العراقي، بغية الحد من التدخل الإيراني واستجابة مع متطلبات المرحلة، و بما يسهل التعاطي مع المجتمع الدولي، وابعاد خطر الصراع عن الأراضي العراقية، وفي هذا السياق فقد اتخذت اجراءات عملية باتجاه الحد من الدور الإيراني في الشأن العراقي منها حل ميليشيا الحشد الشعبي وضمها الى الجيش العراقي، كما تتجه الحكومة نحو المزيد من تعزيز العلاقات بين بغداد وهولير ، فقد اقرت المحكمة الدستورية العليا استمرارية مفعول المادة 140 من الدستور العراقي تلك المتعلقة بكركوك والمناطق المتنازع عليها، لكن ما يؤسف له لاتزال في العراق عقليات شوفينية من بقايا النظام البائد والمتوارثة عن حزب البعث الحاكم ما ينبغي اجتثاثها، خاصة تلك التي تتعارض مع الدستور العراقي وتثير الأحقاد والضغائن، مثال الضابط الذي حاول منع توشيح أحد أهالي الشهداء بعلم كوردستان في مقبرة جديدة لضحايا الأنفال في محافظة سماوة.
على العموم، الحكومة العراقية الجديدة تبعث على التفاؤل في تحقيق التوافق والتواؤم بين مختلف المكونات والكتل السياسية باتجاه الاستقرار في ربوع البلاد ..
في إقليم كوردستان، تسير الأمور نحو المزيد من التفاهم والتوافق على القضايا الأساسية وخصوصا بين الأطراف الأساسية ( الديمقراطي الكوردستاني و يكيتي وكوران )، ولئن كان هناك قضايا تقتضي الاهتمام المتزايد بغية توفير المزيد من عوامل الاستقرار والارتياح، فإن الثقة عالية بالدور المنوط بالقيادات والرئاسات الأولى التي تتصرف بمسؤولية وبما يخدم شعب كوردستان بمختلف مكوناته نحو التطور والتقدم، ولعل الدور البارز للقائد المناضل الرئيس مسعود في لم الشمل وتحقيق التفاهمات بين تلك الأطراف الأساسية وعموم مكونات الإقليم له دليل تقدم المشروع القومي الكوردستاني الذي يقوده الرئيس بنفسه، ما يبشر بمستقبل واعد لكوردستان نحو آفاق التقدم والازدهار.
وفي كوردستان سوريا، لاتزال منطقة عفرين تئن تحت وطأة الانتهاكات المستمرة التي تمارسها بعض المجاميع العسكرية ذات الخلفيات الاسلاموية الممتلئة حقدا على شعبنا والمحسوبة على أطراف من المعارضة السورية، والمدانة بكل المعايير الانسانية والأخلاقية قبل الاعتبارات السياسية، وفي هذا السياق لاتزال المساعي والجهود مستمرة لدى الأصدقاء من أجل انهاء معاناة أهل عفرين وتسهيل عودة المهجرين الى ديارهم وأملاكهم، والعمل من أجل ضمان ادارة المنطقة من لدن اهاليها وتوفير عوامل الأمن والاستقرار في المنطقة.
من جانب آخر، ينتاب القلق الأوساط والمكونات المحاذية للحدود التركية جراء التحركات المريبة في خشية لتكرار سيناريو عفرين في المنطقة، في حين يشير التحالف الدولي الى تطمينات من شأنها تجنب المخاطر في الجهود والمساعي الهادفة سواء لتحقيق المنطقة الآمنة المزمع إقامتها على طول الحدود السورية التركية، أو لبناء إدارة جديدة شرقي نهر الفرات، حيث التأكيد على الدور الأساسي والفاعل للمجتمع الدولي وفي المقدمة منها توافق القوى الأساسية المتواجدة على الساحة السورية.
فيما يتعلق بما أسموها الجهود والمساعي باتجاه تحقيق شكل من اشكال التفاهم أو التوافق على القضايا المشتركة بين المجلس الوطني الكردي في سوريا ( EKKS ) وحزب الاتحاد الديمقراطي فإننا سواء في الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، او في المجلس نؤكد أن ليس هناك أية لقاءات مباشرة بين الجانبين في الداخل السوري سوى ما حصل في باريس عاصمة فرنسا ولمرة واحدة عبر الوسيط الفرنسي، ونؤكد على توقف تلك المساعي منذ مدة بسبب عدم استجابة جانب ( ب ي د) على مسألة المختطفين والملاحقين سياسيا وقضائيا حيث طلب منهم الوسيط الفرنسي توضيح الموقف من المعتقلين بعد تسلمهم لائحة مفصلة بأسمائهم وتاريخ اختطافهم.
المكتب السياسي
للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا
في 1 / 8 / 2019