نظام مير محمدي*
قبل واحد وثلاثين عاما في مثل هذه الأيام كان خميني على قيد الحياة ومع نهاية حرب الثمان سنوات المدمرة لم يصل لنصره الذي كان يترقبه وأجبر على قبول قرار وقف إطلاق النار رقم ٥٩٨ الذي اعتبره خميني بمثابة تجرع كأس السم ولكن٨ لم يذكر رسميا من المسبب الرئيسي في شرب هذا الكأس السام ولكن حاشيته ومن بينهم أحمد خميني وقائد حرب الثمان سنوات هاشمي رفسنجاني اعترفوا فيما بعد بأن خميني أجبر على شرب كأس السم بسبب حركة السلام التي قادها مجاهدو خلق.
وبالطبع، بسبب الطبيعة الرجعية والمناهضة للديمقراطية التي وسمت شخصية خميني فقد كان يحمل حقدا كبيرا في قلبه لقوات المجاهدين التقدمية ولم يسمح رسميا لهذه القوة التقدمية بالنشاط والفعالية ولطالما تعرضت للاستهداف من قبل مكاتب خميني وهيئاتها مع قوات ما يسمى بحزب الله وتم ضرب وجرح واعتقال وسجن العديد من مناصري المجاهدين.
لكن حادثة وقف إطلاق النار وكأس السم الذي تجرعه خميني تركت أثرا كبيرا على مدى الحقد الشديد الذي يكنه خميني للمجاهدين ولهذا السبب أقدم على تنفيذ مجزرة المجاهدين كعمل انتقامي ضدهم.
وفي تاريخ ٢٤ يوليو ١٩٨٨ أقدم، وبشكل سري كاشفا عن نيته الشريرة من أجل إبادة منافسه الوحيد الذي تم التخطيط له منذ سنوات، على إصدار حكم تشكيل محكمة ظالمة تحت عنوان «محكمة للتحقيق في جرائم وانتهاكات الحرب»، وقام بتعيين الملا علي رازيني كرئيس لها.
ولكن مهمة هذه المحكمة تحولت بسرعة لتستهدف مناصري وداعمي المجاهدين في غرب إيران.
في ٧ أغسطس ١٩٨٨ حذر السيد مسعود رجوي رئيس المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في برقية للأمين العام للأمم المتحدة في ذاك الوقت وقادة الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن حول عمليات الإعدام الواسعة التي طالت أشخاصا لم يتواجدوا في المعارك التي خاضها جيش التحرير الشعبي فقط بسبب تأييدهم لمنظمة مجاهدي خلق.
في ٢٥ أغسطس ١٩٨٨، كتب السيد رجوي في برقية لخافيير برز دو كوئيلا الأمين العام للأمم المتحدة في حينه: “خلال أيام ١٤ ١٥ و ١٦ أغسطس ١٩٨٨ فقط، تم نقل جثامين ٨٦٠ شخص من السجناء السياسيين الذين تم إعدامهم، من سجن إيفين في طهران لمقبرة بهشت زهرا”.
الدكتور كاظم رجوي الذي كان في ذاك الوقت ممثل الجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في الاجتماع الرسمي للجنة التحقيق الدولية حول المختطفين والمختفين السياسيين ومقرها مقر الأمم المتحدة في جنيف، قال في حديثه: ” نظام خميني في خضم قبول قرار مجلس الأمن لوقف إطلاق النار، وجه كل غضبه نحو مناصري المقاومة في داخل إيران”.
بحيث أنه منذ يوم إعلان وقت إطلاق النار حتى الآن، كان يخطف كل يوم المئات من الأشخاص من المدن الإيرانية المختلفة ويتم إعدامهم سرا أو جرهم للسجون”.
النظام الإيراني القمعي أقدم بعد ارتكابه جريمة مجزرة عام ١٩٨٨، على بذل مساعي حثيثة من أجل إخفاء آثار المقابر الجماعية في جميع أنحاء إيران. وأقدم على القيام بأعمال مثل بناء عمارات أو شق طرقات في أماكن تلك المقابر، وتغيير شكل تلك المقابر بواسطة الجرافات، و تحويلها لمقابر جديدة ويمكن الإشارة أيضا لاعتقال وتعذيب العوائل التي كانت تبحث عن قبور أبنائها.
نقطة انطلاق خميني كانت من مجزرة عام ١٩٨٨ الاستئصال والقضاء على المجاهدين بشكل كامل. وأمام هذه الجريمة البشعة قال السيد منتظري خليفة خميني حينها في شريط صوتي مسجل: “إن مثل هذه الإعدامات بدون محاكمة وخاصة بالنسبة للسحناء والاسرى، سيكون في صالحهم على المدى الطويل والعالم سيديننا عليها. إن محاربة الفكر والفكرة من خلال القتل أمر خاطئ. المجاهدون هم أشخاص ذوو طريقة تفكير ولا يمكن القضاء عليهم بالقتل. لمجرد الاعتقاد لا تقم بتضمين شخص في لقب المحارب والباغي… ومع الأسف لم يبدي المجتمع الدولي أي ردة فعل حول هذه الجريمة المهولة سوى الصمت وعدم الفعالية.
أكبر الجناة وأعلى المسؤولين عن تنفيذ هذه الجريمة وأعضاء هيئات الموت هم الآن جزء من زمرة القادة الرفيعين في نظام ولاية الفقيه. ومن بينهم رئيس السلطة القضائية ابراهيم رئيسي وعلي رضا آوايي وزير العدل ومصطفى بور محمدي المستشار الأعلى للسلطة القضائية… وجميعهم بقوا لديهم حصانة من أي محاسبة.
الملا أحمد خاتمي أحد أعضاء هيئة رئاسة مجلس الخبراء النظام والمقربين من خامنئي قال في تاريخ ١٩ أغسطس ٢٠١٦ في صلاة الجمعة بطهران: “إن ما قام به الإمام الراحل في عام ١٩٨٨ هو عمل فقهي قرآني وثوري وكان خدمة كبيرة لأمة المسلمين في إيران. إن أمننا اليوم يعود لتلك الحركة الثورية التي قام بها الإمام. يجب تقديم ميداليات لأولئك الأشخاص الذين اجتثوا المجاهدين..”!
وكتبت العفو الدولية في تقريرها الصادر في ديسمبر ٢٠١٨ حول مجزرة عام ١٩٨٨: “إيران تواجه أزمة حصانة ويرتبط استمرار الجرائم في إيران ارتباطًا مباشرًا بالحصانة التي يستفيد منها مسؤولو النظام الإيراني”.
بسبب هذه الحصانات والاسترضاءات مع نظام ولاية الفقيه، بالإضافة إلى تكثيف القمع الداخلي، على الساحة الإقليمية والعالمية، فقد تفاقم سياسة تصدير الإرهاب ونشر الحرب التي يتبعها هذا النظام.
عقدت المقاومة الإيرانية هذا العام، بالإضافة إلى المظاهرات التي جرت في مختلف دول العالم، سلسلة من الأنشطة والمؤتمرات بين 11 و 15 يوليو في أشرف 3 في ألبانيا.
وخلال تلك الأنشطة تم التعريف بالبديل الديمقراطي وتم التطرق لكشف جرائم النظام في معرض الأربعين عام الذي عقدته المقاومة و في المؤتمر الخاص بمجزرة عام ١٩٨٨.
سيد احمد غزالي رئيس الوزراء الجزائري السابق الذي شارك في اجتماع المقاومة الإيرانية في تاريخ ١٥ يوليو والخاص بحركة مقاضاة المسؤولين عن مجزرة 1988، قال بعد سماعه شهادة شهود مجزرة عام ١٩٨٨:
“عندما يتحدث الضحايا لنا لا يمكننا أن نبقى متفرجين. بل يجب ترك موقع المتفرج والوقوف بمكان تحمل المسؤولية.
لقد شاركت بجميع الجلسات التي عقدت خلال الثلاث أيام الماضية ولكن هذه الجلسة كانت أصعبها”.
الآن، تم الكشف عن جريمة النظام الغادرة التي ارتكبها النظام الإيراني في صيف عام 1988، وقد حان الوقت كي ينهي المجتمع الدولي حصانة استمرت ثلاثة عقود.
من الضروري إحالة قضية انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وخاصة مجزرة 1988 إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
لقد حان الوقت لتقديم خامنئي وأعضاء آخرين في نظام الإرهاب والقمع إلى العدالة لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.
ويجب أن تنشئ الأمم المتحدة لجنة تحقيق دولية بشأن الإبادة الجماعية التي حدثت في عام 1988.
والحل النهائي للتخلص من نظام الغدر والاغتيال والرعب الذي يحكم إيران هو أن العالم يعترف بحق الشعب الإيراني في المقاومة والكفاح من أجل الإطاحة بالفاشية الدينية.
*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
@ParhamNezam51