حكومة كوردستان بلا أحزاب دينية!

كفاح محمود كريم 
أصيبت أحزاب الإسلام السياسي بهزيمة كبيرة في انتخابات 2018 التي جرت في إقليم كوردستان، حيث تقهقرت شعبيتها عن الدورات السابقة بشكل مثير دفعها إلى أن تقصي نفسها من المشاركة بالحكومة الجديدة، رغم محاولات الحزب الأكبر وهو الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي قاد عملية الاستفتاء في 25 أيلول 2017 وحصد إثرها غالبية الأصوات في البرلمان الكوردستاني،
حاول إقناعها بالمشاركة رغم ضآلة مقاعدها في البرلمان، إلا أنها اختارت أن تكون خارج التشكيلة الحكومية، بل أنها رفضت تعديل قانون رئاسة الإقليم، ولم تصوت لمرشح الأغلبية في رئاسة الإقليم، ولا لرئيس الوزراء في محاولة لخلق كائن جديد باسم المعارضة، خاصة وإنها خاضت تجربة مريرة في اشتراكها بالكابينات السابقة وادعائها بأنها تحارب الفساد وتتهم الحكومة بأنها ضالعة فيه وهي جزء منها ومنه! 
هذا السلوك المهجن لصناعة معارضة بين المشاركة في الحكومة ومعارضتها في البرلمان استخدمته حركة كوران (التغيير) في دورتها الأولى بعد انشقاقها عن الاتحاد الوطني الكوردستاني، ولم تجنِ ثمرا من ذلك التهجين، بل خسرت الكثير من أصواتها في الانتخابات الأخيرة،
ويبدو إن الأحزاب الدينية حاولت استنساخ عملية التهجين في الدورتين السابقة والحالية، وها هي تحاول ثانية إقناع شارعها بأنها ستكون خارج السلطة التنفيذية لكي يتسنى لها معارضتها، رغم إن النتائج الأخيرة كانت مخيبة لأمالها في الجلوس على مقاعد برلمانية تعطيها نفوذا اكبر، بل على العكس أعطت مؤشرا أكد إن شعبيتها النسبية التي كانت قد تحققت في دورات سابقة من الانتخابات إنما جاءت بسبب خلافات الحزبين الرئيسيين (الديمقراطي والاتحاد) وادعائها بأنها تحارب ظاهرة الفساد، مما تسبب في تورمها على شاكلة الأعراض الجانبية لبعض الأدوية، هذا التورم سرعان ما انكمش في الانتخابات الأخيرة وظهر حجمها الحقيقي ليس في الشارع الانتخابي فحسب بل لدى مساحات واسعة من الأهالي التي تؤمن فطريا بأنه لا علاقة للدين بالسياسة، وان الدين علاقة روحية ثابتة بين الفرد ومعتقداته، لا يمكن التلاعب بها وإدخالها في عالم السياسة المتقلب.
وعلى ضوء تلك النتائج أقصت هذه الأحزاب نفسها عن المشاركة بالحكومة ظنا منها بأنها سترضي ما تبقى من مؤيديها، وتلملم مؤيدين جدد لصفوفها مستقبلا، وبذلك ولأول مرة منذ استقلال الإقليم ذاتيا وتشكيل حكومته الأولى في 1992م، تأتي الكابينة التاسعة لحكومة كوردستان خالية من أحزاب الإسلام السياسي، مما يعطي رغم كل التفسيرات انطباعا أوليا باتساع مساحات الثقافة المدنية وتكريس نظام علماني يحترم الأديان لكنه يبعدها عن فضاءات السياسة وإدارة الدولة، كمقدمات مهمة لتشريع دستور دائم للإقليم، تعمل السلطتين التشريعية والتنفيذية على تحقيقه خلال دورتها الحالية.
kmkinfo@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة…

إبراهيم كابان لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل…

اكرم حسين لاشك أن استبعاد ممثلي الشعب الكردي من أي حوار أو مؤتمر وطني سوري ليس مجرد هفوة أو إهمال عابر، بل سياسة مقصودة تُجسّد رفضاً مُضمراً للاعتراف بحقوق شعبٍ عريقٍ ساهمَ في تشكيل تاريخ سوريا وثقافتها. فالكرد، الذين يُشكّلون أحد أقدم المكونات الاجتماعية في المنطقة ، عانوا لعقود من سياسة التهميش المنظم ، بدءاً من حرمان الالاف من الجنسية…

ملف «ولاتي مه» حول مستقبل الكورد في سوريا، يُعتبر أحد الملفات الهامة التي تُناقش مستقبل الكورد في سوريا في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص. يركز هذا الملف على تحليل الأوضاع الراهنة والتحديات التي يواجهها الكورد، بالإضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم في ظل الصراعات الإقليمية والدولية. يسلط الملف الضوء على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف…