ذكرى مرور ثلاثون عاما على اغتيال واستشهاد رجل السلم والحرية الشهيدالدكتور:عبدالرحمن قاسملو


 سليمان مخصو
لم يهز اغتيال اي كردي في العالم الى حينه مثل اغتيال الشهيد د:عبدالرحمن قاسملو واستشهاده . ولم يثر هذه الدرجة من الغضب . غضب الكردواحرار العالم واصار السلمواعداء القتل والموت في العالم ولم يطل الحديثعن استشادغيره كماحدث عند اغتياله حقا كان قاسملوكبيرا في حياته وكان كبيراعند استشهاده .كان قاسملوشهيددرب خلاص كردستان قائدا بارعا ومناضلالا يعرف الكلل .سلاحهالكلمة .وكان سياسيايملك فكرا ثاقبا وقدرة هائلة على العمل . ومكافحا صامدا وشخصية علمية كبيرة وثوريا بكل معنى الكلمة .كان خبيا بخرائط العالم .وعلما بالاشجار والورودواقتصاديا عالما باقتصاديات البلدان المتقدمة والنامية .كان يتحدث مع الفلاح عن الحبوب والبيادر والمحاريث وادوات الزراعة .كان ابن المدينة والريف والجبل ابن الكرد .ابن الشرق وكان عليما في اوربا ايضا بكل التقاليدوالاداب كان ابن هذا العالم.
حياته وبدايته :
  ولد الدكتور قاسملوفي ليلة يلدا اول ليلة من شتاء 22-12-1930في وادي قاسملو في منطقة اورمية في كردستان ايران .كان والده محمد اغا وثوق ا لدولة له مركزه ومقامه .وكان عمره63عاما عند ولادة د:قاسملو من زوجته الاثورية من جولمرك وكان واله من الكرد المعروفين المرتبطين بالحركة القومية الكردية .-وايضا الكثيرين من اسرته بذلوا الجهد والمسعى في مسيرة الكفاح الكردي – جعل من سلطته ومقامه الاجتماعي واحدا من الشخصيات المعروفة الذين اصبحوا قبل تكوين جمهورية كردستان في مهاباد في الوفد المتوجه الى باكو في كانون الاول عام 1941. ويروي الدكتور في دفتر ذكريات طفولته عن هذا الموضوع اذ يقول : “رغم اننيانذاك كنت في الحادية عشر من عمري .ولكن السياسة كانت تجلب انتباهي شاني شان الكثيرين من اترابي الاطفال .كان ابي واحدا من اعضاء ذلك الوفد.اتذكر جيدا انه حمل معه بعد عودته من باكو بضعة رؤوس من سكر القند وبمدقية صيدجيدة .كنت اتعجب من ذلكاذ كان اخوتي وابناء اعمامي الذين كانو اكبر مني يتحدثون في دارنا عن  سفر والدي واشخاص اخرين الى باكو للمطالبة بحقوق الكرد.ولذلك سالت والدي صراحة وماذا عن حقوق الكرد. فاجابني “اطمئن انها تتحقق”دفعت بيئته الاسرية هذه قاسملو نحو النضال القومي في سن مبكرة .فاصبح في ايا م الجمهورية مسؤولا عن لجنة شبيبة اورمية. كان مركزوالده قددفعه الى ان يخط اولاده طريق العلم والدراسة .وهكذا توجه الشهيدالى مدارس اورميةوتبريزوطهران ا نهى المراحل الثلاث في ايران.
  وعندما قضى على جمهورية كردستان في مهابادونصبت اعواد المشانق لقادة الجمهورية وزج بالكوادر المتنفذين في السجون او شردوا في الخارج ورضخ البعض منهم للعدو. فان شعلة النضال واعادة التاسيس كانت تندلع في قلوب الشباب وكان قاسملو واحدا من هؤلاء الشباب الذين كانت لهم مكانتهم ومساعيهم البارزة في اعادة تكوين الحزب الديمقراطي الكردستاني -ايران.
 وفي بداية الخمسينات تزوج من فتاة جيكية والتي اصبحت رفيقة حياته ودرب نضاله -هيلينا -وكانت معروفة لدى الاكراد ب الاخت نسرين او نسرين قاسملو وكانت الزوجة الوفية والتي امتزج وفاؤها له بحبها للشعب الكردي وتعلمت الكردية والفارسية .واصبح الاسهام في نضال الشعب الكردي والحزب الديمقراطي رغبة عارمة في حياتها وخلفت له بنتين هما -هيوا-و-اوات-وشاركت الشهيد في سنوات كفاحه حيث خرجت قبل الشهيد من ايران الى السليمانية وبغداد وعادت بصورة سرية عبر الشام الى جيكوسلوفاكيا الاشتراكية سابقا وكانت تعتدبجواز السفر الذي اخرجه لها اصدقاء الدكتور في النجف باسم -مديحة كاظم-
نضاله السياسي :
 كان النضال الوطني والقومي الكردي يتحد في فكر وجهد قاسملو ورفاقه منذالبداية مع السعي من اجل الديمقراطية وتحقيق نظام ديمقراطي تقدمي وترجمت مجموعة من المناهج التي عرفت فيما بعد بنهج قيادة قاسملو في -حدكا- ومنذ ذاك الزمان وخمود الارهاب في ايام الدكتور مصدق-1951-1953-لم يفقدقادة -حدكا -هويتهم الكردية الى جانب جهودهم العامة بل خطوا التعاون مع الحركة الايرانية عامة .ففي تلك السنين قام قادة -جدكا- وكان قاسملو ابرزهم ومنهم :غني بلوريان .عبدالله اسحاقي .اسعدخداياري بزيارة سرية الى كردستان العراق وبذلوا جهودهم من اجل توحيد اجنحة الحزب الديمقرا طي في عام 1956وفي توحيد اجنحة الحزب الشيوعي العراقي ايضا وعندما انقلاب زاهديعلى الشعلة الوطنية والديمقراطية لايام مصدق قضى سنوات قاسية من النضال.واستمر الشهيد قاسملو في النضال السري مدة من الزمن في طهران ثم في كردستان وقضى فترة من اختفائه في دار الزعيم الخالد قاضي محمد وكان يتحدث الى اواخر حياته باحترام عن ضيافة وشجاعة وشرف المسئوولية لدى السيدة مينا خانم ارملة الزعيم الشهيد قاضي محمد.
  ترك الشهيد قاسملو ايران عام 1957وعاد الى براغ وواصل هناك الدراسة الى جانب عمله النضالي وعمل على تقوية صلات حزبه مع الحركات الثورية العالمية واستفادمن تلك الصلات لتربية كوادر -حدكا-حيث ساعدعلى سفر عبدالله اسحاقي وكريم حسامي وغيرهما الى براغ للدراسة .وعندما قامت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958في العراق سافر بعد ايام بصحبة الدكتور -رضا رادمنش -سكرتير حزب تودة الى العراق عبر الشام .وقابلالبرزاني الخالد بعد عودته من الاتحاد السوفياتي .
  وخاض الدكتور في تلك الفترة نضالا ونشاطا وصراعا متنوعا حيث :
 – كان يفهم بصورة جيدة منذ البداية وحدة واختلاف التكوين والمهام والفكر بين حزب تودة وحدكا وكانا يريدان تكوين علاقة بين الحزبين على اساس صحيح من التعاون ودون التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما .وكان يرى خطين مختليفين في الخلق الثوري والموقف تجاه الشعب الكردي في حزب تودة .
  -كان لديه فهما واضحا لوحدة واختلاف نشاط التنظيمات المختلفة في عموم كردستان ويفهم شعار الحكم الذاتي لكردستان و الديمقراطية لايران .حيث يقول : “نحن واثقون من ان الديمقراطية هي القضية الرئيسية .فبدون الديمقراطية الراسخة والمتصلة سيكون الحكم الذاتي لكردستان مهددا باستمرار وان القضية الكردية في ايران ليست مشكلة داخلية في البلاد انها تتعلق بالحقوق الانسانية والقومية.
-وكوطني كردي يؤمن بالمسير المشترك للاكراد .فيعتبر اي انتكاس او انتصار في اي جزء من كردستان هو اتكاس او انتصار لعموم الكرد .وقد عرف مراراالتضحية لصالح الامة الكردية باكملها .
 -وكان ايمانه راسخا بواقع القضية القضية الكردية وحقوقها حيث يقول : “نحن الاكراد ننتمي الى شعب قسمته وبعثرته الاتفاقيات التاريخية بين خمس دول .نتضامن وسنبقى متضامنين مع جميع الاكرادحيثما ينواجدون ” ويصف الواقع اكثر عندما يقول : ” نحن 25 مليون نسمة ولا احد يعلم بوجودنا ولابنضالنا كيف للمرء ان يصدر قضية عندما لايجد نفسه متورطا بين الشرق والغرب وعندما يرفض الاغتيلات السياسية واحتجاز الرهائن واختطاف الطائرات ” 
 – وكان يرجع ضعف الحركة القومية الكردية الى اخفاقهم في الاتحاد .
– ولم يفقد الاقتراب الايدولوجي عند قاسملو في بعض الجوانب من الديمقراطيين الاشتراكيين نهجهه وطبيعته الثورية ومثل حزبه لدى منظمة الاشتراكية الدولية ومع ذلك فان خطوطا اخرى لفكرونهج -حدكا- بقيادة قاسملو تظهر للعيان :
1-عدم الاصابة بالغرور في الانتصار وعدم الاصابة بالقنوط والياس لدى الاخفاق. 
2-عدم اللجوء في اي حال من الاحوال الى الارهاب الداخلي والخارجي.
3-اللجوء الى جميع اشكال الكفاح معا .الى العمل التنظيمي داخل المدن والريف وعمل الانصار المسلح.وعدم الابتعادعن اسلوب التفاوض للوصول الى الهدف
    اظهر قاسملو بعودته الى ايران ايام انتفاضة الشعوب الايرانية .وبتوسع جدكا وتعاظم عمله .قدرة كبيرة وخبرة وقابلية في قيادة وتنظيم واستيعاب تلك الجماعير الواسعةوحيث حمل الكثير من مناضلي حدكا السلاح وبرز ذلك في سلوكه قي عامي 1967-1979واثبت في مجال الكفاح المسلح انه فارس مقدام وبطل كردي احتل مكانه في صف القادة البارعين لكفاح الانصار عند الشعوب .
   وفي تلك الفترة كانت تنقلاته ورفاقه الى العراق ونحو الحدود تجري بصورة سرية الى تموز عام 1967عندما سمح بالنشاط لمعظم معارضي النظام الايراني .اتخذ نشاطهم شكلا مغايرا .وكان هم الدكتور منصبا على ان يحافظ على ا ستقلالية حدكا وقد صان الحزب بقيادة قاسملوتلك الاستقلالية .وعندما تهيا ل حدكا ونظم نفسه في السبعينات كام النهج الديمقراطي الذي لم يكن التشر د والارهاب يسمحان بتوطيده في جدكا ياخذ طريقه تدريجيا عبر كونغراسات ومؤتمرات الحزب وانتخب قاسملو في المؤتمر الثالث للحزب عام 1973سكرتيرا عاما للحزب .واسهم بفعالية في تحريروتوجيه جريدة كردستان فكريا .وعمل على اصدارها بشكل منظم .وفي العراق ولكي يؤمن معيشته دون مساعدة الحزب فقد عمل خبيرا في وزارة التخطيط وكانت بصماته واضحة في هذا الميدان ايضا.
   وفي ربيع عام 1974توجه الى اوربا مرة اخرى ولكنه ترك هذه المرة حزبا اكثر تنظيما وظلت العلاقة بينه وقائده مستمرا .فكان رفاقه يقومون بالامور الحزبية وهو يرشدهم دون كلل ويوطد علاقته وعلاقات حزبه وشعبه في الخارج في ميدان عالمي واسع .وعن ذلك يقول جوناثان راندل في كتابه -امة في شقاق -“ادهشني قاسملو دوما الى يوم اغتياله لانه الكردي الوحيد الذي ينتلك القدرة اللزمة على التعامل باحترام والتفاهم مع كل الذين يتعاونون معه .فقد امتلك بفضل فهمه لكيفية سير الامور في العالم.والصداقات والعلاقات التي اقامها مع الصحافيين والسياسيين والاكادميين قي اوربا وغيرها من القارات ” وعليه يقول بان بعض الكرد كان يؤكد “انهلو ظل قاسملو على قيد الحياة لكان اعد برنامجا سياسيا لجميع الكردفي العالم”
وبراع التي سافر اليها هذه المرة كانت براغ ما بعد ربيعها المشهور ولم تطق الاجهزة الامنية ذرعا بمجموعة من نشاطات الدكتور قاسملو .وخاصة انه كان يحمل مجموعة من الافكار والاراء والمقترحات حول تشيكوسلوفاكيا التي قضى فيها سنوات من زهرة شبابه.وكان يرى نفسهصاحب الحق والاسهام في تخطيط افق مصيرها وتعرض لذلك للمضايقات .وان الدكتور قاسملو غدا في وقت مبكر واحدا من رافعي الراية ومخططي التحولات وواحدممن يبصرون افاقها في المحيط العالمي .فاذا نظر الباحثون بانصاف الى الوثائق المختلفة على نطاق العالم فان “بحث مختصر حول الاشتراكية ” قدصور قبل مباحث كثيرة عن الغلاسنوست والبرويستريكا مظاهر لهذه الحركات والافكار بوضوح اكثر.
نشاطه الفكريو الابداعي:
     كان قاسملو بحق مناضلاوعالما وحكيما وكان يستخدم بصورة جيدة عشر لغات شرقية وعالمية منها :التركية .الفارسية .العربية .الفرنسية الانكليزية .الالمانية .الروسية.الجيكية .الكردية الاذرية .وكان يجيد جميع اللهجات الكردية والتركية والاذرية وكان لهجة بيته كرمانجية .وقد سمته احدى المجلات العربية بحق عاشق الشعر والموسيقى .وحين كان يلتقي بالشعراء كان يتحدث عن فاليري والفرذدقوسعدي شيرازي للتعبير عن رايه في موضوع ما.وفي لقائاته المتكررة مع الصحافيين لم يكن يخفي اعجابه بمقالات “بول بالتا “وكان يحفظ جل اشعار باباطاهرواحمدي خاني وكوران وكثيرا ما كان يرددبيتين لخاني اذ يقول :
ما ابعد علتي ,عن علتك 
انها بالبعد ,بين الشرق والغرب 
انت المشرق ,ونارك ظاهرة
وانا المغرب,وباطني نار 
   وان اسمعته قطعة موسيقية للحظة .كان يشيرمباشرة الى السيمفونية التي يتوافق معها ان كانت لبتهوفن او موزارت اوباخ اوشوست كوفيتش او فكرت اميروف اوخجادوريان .ولم يكن يبدل مزاجه الكردي في الموسيقى  وكان مفتونا بالموسيقى الكلاسيكية .
   وعندما كان في العراق كان الدكتور قاسملو حضور في ميادين عديدة في العراق الى جانب العمل السياسي ويتذكر طلبة الدورة الاولى للقسم الكردي بكلية الاداب ببغداد اول من درسهم مادة التاريخ الكردي هوشخص يسمى “عباس انوري ” ولم يكن هذا غير قاسملو نفسه. كما كان ضمن المقالات الثمينة التي نشرت باللغتين العربية والكردية عن ذكرى جمهورية مهاباد مقال للدكتور بتوقيع “ع وريا” كان له صدى بالغ انذاك .وعندما عاد الدكتور قاسملو الى براغ للمرة الثالثة في حياته واستغرقت اقامته هذه عدة سنوات انشغل بعددمن المهام :
ارتباط بمنظمات حزب تودة من جهة .ولم يقطع صلاته بالاخوان الذين حملوا مشعل حدكا في البلاد سواء كانو في ايران او العراق .
اضافة الى التدريس في جامعة كارل ماركس .واقسام اخرى للاقتصاد .وعمل على انجاز اطروحته للدكتوراة حيث ناقشها في العام 1962.
ونظرا لمكانته العلمية وخدماته فقد منح مباشرة مرتبة استا ذ مساعد وطبعت اطروحته “كردستان والكرد”بعدة لغات : السلوفاكية .الانكليزية .البولونية .الروسية .الكردية.
تمكن من الحصول على صفحة في جريدة اتحاد تشيكوسلوفاكيا فترة من الزمن وقدم مجموعة من المقالات الجيدة والتراجم عن الادب الكردي للمواطنين الجيك
اسهم في معظم نشاطات الطلبة الكرد في اوربا كما اسهم بنشاط في الصراعات الايديولوجية الناشبة في اوربا انذاك .
   ومن براغ وفي عام 1976 توجه قاسملو هذه المرة الى باريس بصفة شخصية .واقام علاقات راسخة وواسعة مع الفرنسيين والمعارضين الايرانيين على حد سواء .وبتيارات واشخاص مشهورين في عالم .والحي الاتيني في باريس .وقد عرف الدكتور قاسملو مثقفا .فكان يحضر محاضرات “رونة ” و”جان بول سارتر “في الحي الاتيني في باريس وقد عرف الدكتور قاسملو مثقفا .فكان يحضر محاضرات “رونة” و”جان بول سارتر”في السوربون .واصبح عضوا في جامعة سوربون في باريس لتدريس اللغة والادب الكردي للدراسات بباريس .واصبح باحثا في معهد الدراسات الكردية بجامعة باريس .
عملية اغتياله في فيينا :
    وجد رجال الشرطة في فيينا في بناية “لينكبانكاس “رقم 5 في مساء الثالث عشر من تموزباب الشقة في الطابق الخامس مفتوحا .وكانت الغرفة في حالة فوضى شديدة كما كان لو ان قتالا عنيفا قد جرى فيها .ووجدوا في غرفة الجلوس في نهاية الممشى جثة عبدالرحمن قاسملو وقد فارق الحياة وبجانبه جثث ممثل الحزب في اوربا عبدالله قادري ازر .وفاضل رسول الصحافي والباحث الكردي البارز في جامعة فيينا وفد اطلق الرصاص على الرؤوس وكأ نه تنفيذ حكم الاعدام فيهم .حيث اصيب قاسملو بثلاث طلقات من مسافة قريبة جدا .واصيب عبدالله ازر باحدى عشرة طلقة والبروفيسور فاضل رسول بخمس طلقات . وتمكن حاجي مصطفاوي من الفرار واصيب محمد السهروردي بجروح طفيفة نقل على اثرها الى المشفى .وتم استجوابه واطلق سراحه كونه يحمل جواز سفر دبلوماسي .اما بالنسبة الى امير منصور بوزركان .فبعد 24ساعة من النوقيف لدى الشرطة افرج عنه ولجأ الى السفارة الايرانية . 
  وكان الدكتور قاسملو قد وصل فيينا قبل يومين املا بنهاية مثمرة لسلسلة المفاوضات السرية مع ممثلي النظام الايراني في طهران .الرامية الى تسوية سلمية للقضية الكردية في ايران ولان حدكا وقاسملو كسكرتير له وقائد قوات البشمركة في حالة حرب مع ايات الجمهورية الاسلامية حملتها لقمع الاكراد بعد انتصار ثورة الخميني عام 1979 مما دفع الاكراد الى ثورة مفنوحة ضد طهران .وبالرغم ان قاسملو كان قائدا عسكريا ناجحا يفضل دائما الحل السلمي للقضية الكردية .
    وبعد انتهاء الحرب العراقية الايرانيةرأى قاسملوانه لامناص من المفاوضات .وقد قدم الايرانيون عرضا باءمكانية التسوية مع الثوار الاكراد عن طريق جلال الطالباني زعيم اوك الذي عرضه بدوره على قاسملو في لقاءبباريس في خريف 1988وطبقا لمبادئع المعلنة بان المفاوضات وليست الحرب عي الطريق الوحيد لحل القضية الكردية .وشرع قاسملو بسلسلة من اللقاءات مع الممثليين الايرانيين في كتنون الاول عام 1988 وكانةن الثاني عام 1989وتحت رعاية وحماية الكالباني .
    وفي بداية شهر تموز اتصلوا ب”فاضل رسول “ليلعب دور الوسيط الجديد ولكن فاضل اعلمهم بانه كصحفي واكاديمي متواضع ليس مؤهلا للتوسط في لقاء مهم كهذا .
واقترح بدلا عنه زميله في مجلة الحوار العربية الرئيس الجزائري الاسبق احمد بن بلة .وبسبباصرار الجانب الايراني على ان يبقى اللقاء في غاية السرية .ولم يعلم قاسملو الطالباني ولاحتى رفاقه المقربين غي ايران شيئا من الترتيبات.حتى ان الاكراد رضخوا لطلب الايرانيين الا يحضر بن بلة شخصيا تلك المباحثات .وجرى اجتماع نموز بدون اي ضمانات امنية لقاسملو ورفاقه في شقة غير محمية بخلاف مباحثات الشتاء كان الجانب الكردي في تلك الامسية مؤلفا من قاسملو وقادري ازر وانضم اليهما فاضل رسول بينما كان الجانب الايراني ممثلاكل من :محمد جعفري سهروردي المعروف ب :رحيمي “ونائبه حاجي مصطفاوي .كان الاول ضابط استخبارات في فيالق الحرس الثوري الايراني .ومكلفا باتصال بالاحزاب الكردية العراقية ونائب الفيلق الخامس عشر في كردستان .وهوخبير معروف في الشؤون الكردية .وكان الاخر موظفا حكوميا كبيرا في مكتب الاعلام ورئيس اذربيجان ؟لقد وصل الرجلان بجوازات سفر دبلوماسية بينما بوزركان الذي يحمل جواة السفر من السلك الايراني يعمل حينها كحارس شخصي ل “سهروردي “
   وبعد تنفيذ العملية الاجرامية اختغى مصطفاوي في مساء الثالث عشر من تموز .بينما لجا بوزركان الى السفارة الايرانية .ثم اطلق سراخه من الحجز في غضون اربع وعشروم ساعة من تنفيذ الجريمة ولم يكشف مكان مصطفاوي قط .وبعد ذلك سمح ل” بوزركان ” بالعودة الى ايران واعطاء المزيدمن التفاصيل والادلة .كذلك خرج السهروردي من المشفى في الثاني والعشرين من تموز من المشفى وعاد مباشرة الى طهران .ومن ذلك تبين بان السلطات النمساوية لم تبذل جهدا كبيرا في ملاقحتها للقتلة .اثرتهدبدات ايرانية بانهم سوف يحتجزون رهائن نمساويين او اوسيهاجمون المصالح النمساوية في الشرق الاوسط .وبعد ساعات من الجريمة وجد رجال الشرطة النمساوية في حاوية القمامة ثلاثة قطع من الاسلحة التي استخدمت في ارتكاب الجريمة وهي بندقية اوزي نصف الية ومسدسين مزودين بكاتمات الصوت واكدت احزاب المعارضة النمساوية انذاك بانها ستواصل الضغط على الحكومة لاجراء تحقيق حول مزاعم وزراءسابقين غضوا الطرف عن هروب ايرانيين من فيينا يشتبه في انهم نفذوا عملياة اغتيال الزعماءالاكرادفي العاصمة النمساوية .حيث اتهمت المعارضة وزير الخارجية السابق “الواس موك”ووزير الداخلية “فرانز لويشناك “ووزيرالعدل “ايجمونت خوريجر”بالتواطء مع القتلة. .
   ونفت طهران اي تورط لها في هذه الجريمة الثلاثية .ونصحت الدولة النمساوية بألا تسلك طرقا اخرى .لكن نتائج وحيثيات التحقيقات كانت جميعها تدين وتثبت التورط الايراني .وفي نهاية نوفمبر عام 1989اصدرت العدالة النمساوية مذكرة القبض على المبعوثين الايرانيين الثلاثة.وحددت الحكومة النمساوية الحكو مة الايرانية بالاسم ووصفتها بالجهة التي حرضت على تنفيذ الجريمة .
   لقد تجاوزالدكتور قاسملو كل القوانين لتحقيق مطلبه في السلام مع طهران .فيما يمكن اعتبارها مجازفة مقصودة .وضع قاسملو ثقته التامة في اخلاص اولئك الذين كانوايسعون منذعقد من الزمن لنيل منه .وذلك لخلق ارضية من الثقة مع اعدائه السابقين وبما كان ينبغي عليه ان يفكر مليا بمصير الزعيم الكردي سمكو في عشرينات من القرن الماضي والذي كتب عنه قاسملو نفسه “في الحادي والعشرين من حزيران عام 1930دعي سمكو لحضور المفاوضات مع ضباط الجيش الايراني في اشنو حيث اغتيل هناك .
   وذكرت زوجته “نسرين”انطباعتها يوم سماعها خبر استشهاده فتقول :كان قاسملو قد ذهب للقاء الذئاب .اخبرني عنهم قبل ذهابه الى فيينا . النهايات لاتخضع للمنطق .لم  يكن في وسعي ان اجادل على الهاتف حاولت ان اقنع نفسي بانه لايزال حيا .فكرت في اعدائه .واخترت الاسباب التي تمنعهم من ايذائه .ولكن الغضب كان يسيطر علي .كنت غاضبة عليه لاعليهم .كانوا قتلة .على اي حال .ولكن قاسملو كان الحمل الذي وضع راسه في فم الذئاب الحانقة على ماذا الومه ولكنني كنت غاضبة عليه من اين بدا موته” ثم حملت بعد استشهاده بشرف واخلاص.
التشييع و الجنازة :
     في 19 يوليو تموز وصل مبعثون من المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني الى باريس من جبال كردستان الشامخة .لحضور جنازة زعيمهم وقائدهم الكبير .حيث تم تاجيل الدفن لحين وصول رفاق حزبه .حيث تم التشيع في مقبرة يببر لاشية مقبرة العظماء .ودفن الى جانب شهداء كومونة باريس .وبحضور كثيف بلغ اكثر من الفي شخص قادمين من كل مكان .من الكرد والارمن والاذريين والاتراك والفرس والاوربيين .شعراء واستاذة الجامعات ووزراء وممثلين عت المنظمات الانسانية ونواب وبرلمانيين وكان في مقدمة الموكب نسق من البشمركة .
    بعد انتهاء مراسم الدفن تم القاء كلمات التابين والبداية كانت كلمة رفيق سنوات كفاحه وصديقيه الحميم الكاتب الكردي عبدالله حسن زادة .ممثل المكتب السياسي للحزب فقال في كلمته :”كان الدكتور قاسملو شهيد خلاص كردستان وايران عامة .قائدا بارعا ومناضلا لايعرف الكلل .قلما وجد تاريخ الحركة الكردية لتحرير الشعب الكردي وشعوب الشرق الاوسط مثيلاله .كان قاسملو سياسيا يملك فكرا ثاقبا وقدرة على العمل .ومكافحا وشخصية علمية كبيرة وثوريا بكل معنى الكلمة .كان قاسملو يناضل لنيل الحرية والعدالة الاجتماعية .ويعمل على ازالة اضطهاد الانسان للاالى الابد .ومن اجل ان يضمن مصير الشعوب في ايدي ممثليها الحقيقين …وقال ايضا “ايها الرفيق الشهيد ان رحيلك قد جعل الحداد يخيم على الالاف البشمركة وعشرات الالاف من اعضاء حزبك ومئات الالاف من الاشخاص الذين يقاسمونك قناعاتك والملايين من ابناء وبنات كردستان ,كلهم يذرفون الدموع عليك .ولكن ليس دموع الياس لان شعبا انجب رجلا عظيما مثلك لايعرف الياس قادرا على ان ينجب رجلا عظيما مثلك .فدموعهم تمتزج بتراب دربك لتشكل الوحل الذي سيلطخون به وجه اعداء الحرية .
    ثم القى السيدبرنار كوشنير “الوزير المكلف بالعمل الانساني لدى رئيس وزراء فرنسا فقال :”ان الحكومة الفرنسية .التي امثلها هنا تنحني احتراما امام المغدورين كما تقدم تعازيها ومساندتها لذويهم .لصديقتنا هيلين زوجة الشهيد وطفليه .حينما افكر بك قاسملو .افكر اولا بضحكتك .لقد كنت بارعا في السخرية من كل شيء .لقد منحتك ثقافتك الواسعة ونظرة المؤرخ والمثقف التي كنت تتحلى بها بصددكل الاشياء التي كنت تستخدمها في صياغة تحليلات دقيقة ببعد النظر وسعة الافق ….لقد عملنا كثيرا الى جانبك في الجبال .وتحدثنا وتناقشنا وكنا نصغي اليك طيلة الليالي .لقد الرجل الذي حازعلى اعجابي اكثرمن غيره في العالم الثالث .اه لوكان جميع زعماء العالم الثالث كانو ديمقراطيين مثلك .لكان من الممكن تجنب الالاف من الموتى …
   ثم القى توماس هريبرغ السكرتير العام السابق لمنظمة العغو الدولية ورئيس اللجنة السويدية لمساندة الشعب الكردي فقال :”لقد قدمت من السويد لانقل اليكم تعازينا .واعلن لكم صدمتنا واي حزن عميق يتملكنا .اني احمل رسالة من الحكومة السويدية ومن الحز ب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم حاليا .اني انقل اليكم شخصيا ومشافهة احترام اللجنة السويدية لحقوق الانسان في كردستان .هذه المنظمة التي تاسست حديثا وبمساهمة وجهود كثيرة من الشهيد د.قاسملو منذ السبعينات .”
   والقى السيدباتريك بودان السكرتير العام للاتحاد الدولي لحقوق الانسان كلمة ذكر فيها “نحن المنظمات الدولية الموجودة هنا نعلن دعمنا الكلي ومساندتنا للعائلة والاصدقاء كما نعلن لهم في هذه اللحظات حيث يتملكنا جميعا الالم .عن تمنياتنا بان تستمر القضية الكردية العادلة للغاية طاقة جديدة من اجل انتصارها “.برحيله خسرت الامة الكردية زعيما كبيرا وسياسيا بارعا وقائدا ملهما .وخسرت القضية الكردية شخصية دبلوماسية محنكة ذو شهرة عالمية .وعلاقات واسعة دوليا .وكاتبا مدافعا صادقا وامينا حيث كان ينتقل بسهولة من الغربة الى الوطن ومن الوطن الى الغربة .ومن المدن الى الجبال .حاملا القضية الكردية في قلبه وفكره ومن المفاوضات الى القتال بشهامة ورجولة كردية خالصة .”
  واخيرا وليس اخرا .وبعد مرور ثلاثون عاما على رحيلك نضع باقات من الورود والرياحين العطرة من جبال كردستان وسهولها التي كنت تعشقها على مثواك الطاهر وننحني بهامتنا وقامتنا خشوعا لذكرى رحيلك ايها العظيم .والدوام لنهجك والنصر لاهدافك القومية والانسانية .الموت للنفوس الحاقدة للايادي القذرة التي امتدت اليك والخزي والعار لنظام الملالي الرجعي الشوفييني اعداء الحرية والانسانية والسلام .
المصادر :
– اربعون عاما من الكفاح من اجل الحرية  د.عبد الرحمن قاسملو
– لااصدقاء سوى الجبال  .هارفي موريس .جون بلوج .ترجمة راج ال محمد 
– اشهر الاغتيالات السياسية في العالم – الجزء الرابع .هاني الخير .
– عبد الرحمن قاسملو .رجل السلم والحرية .ترجمة ب.ايفا .
– الدوريات والصحف الكردية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…