المنطقة الآمنة وقضية إدلب قبل الحل النهائي..

م. محفوظ رشيد 
    يتأكد من خلال متابعة الأزمة السورية تحكّم كل من أمريكا وروسيا بمجريات الأحداث ومساراتها وبزمام الأمور فيها منذ البدايات وفق تفاهمات ضمنية غير معلنة عن تقاسم مناطق النفوذ, وتوزيع الأدوار، والقضاء على المنظمات الإرهابية المسلحة كالنصرة وداعش وأخواتهما، وإضعاف أطراف المعارضة الراديكالية المسيّرة والمدعومة من قبل دولٍ إقليمية (سياسياً وعسكرياً ولوجستياً…)، وبالتالي إنهاء وجود ودور كل من إيران أولاً ثم تركيا ثانياً والمنظمات والمجاميع التابعة لهما في الملف السوري. 
    وتندرج في هذا الإطار العمليات العسكرية الدائرة حالياً في إدلب تنفيذاً لاتفاقيات “أستانا” التي أعلن عملياً عن انتهاء صلاحيتها وعدم جدواها.
    أما التردد والتباطؤ في حسم المعارك فتعود لأسبابٍ عديدة، أولها: عدم حصول التوافق التام بين أجندات كل من تركيا وروسيا مثل: صفقة الصواريخ S400 ، ومصير النظام الحالي، ودستور سوريا المستقبل،…، ثانيها: الرفض الدولي والأمريكي بصورة خاصة لشكل وطريقة الهجمات مع التحذير الشديد من استخدام أسلحة كيماوية، تجنباً لحدوث أية كارثة بشرية بسبب تداخل الإرهابيين والمدنيين وصعوبة الفصل بينهما أثناء القصف، مما يؤدي إلى قتل ونزوح أعدادٍ كبيرة يصعب احتواءها وإيواءها، وثالثها: وهو الأهم، تسعى أمريكا لتوتير العلاقات بين روسيا وتركيا واستنزافهما، وبالتالي فرض استراتيجيتها على الساحة السورية ودفع الأزمة نحو الحل وفق القرار الأممي 2254 تنفيذاً لخطتها القائمة على “تجميد الأوضاع” القائمة على حماية الأمن والاستقرار في شمال شرق الفرات (بعدم حدوث اصطدام عسكري بين الإدارة وأية جهات أخرى كقوات النظام وحلفاء تركيا وأنصار إيران) ريثما يتم  ترتيب الأوضاع وانضاج الظروف وتهيئة الأجواء للحل النهائي.
    جميع تصريحات المسؤولين ولا سيما جيمس جيفري مبعوث التحالف الدولي لهزيمة داعش عن المنطقة الآمنة غير واضحة وتخلو من التفاصيل عن شكل وآليات إنشائها (هل ستغطي كامل الشريط الحدودي لتشمل عفرين أيضاً؟ وكم سيكون عمقها داخل الأراضي السورية؟ ما هو حجم ودور تركيا فيها؟)، فهي بحاجة لتوفر عدة شروط لإنجازها، أهمها: إيجاد توافق وتعاون دولي، وتحقيق توازن بين مصالح وهواجس الأطراف المعنية بشكل مباشر (كالأمن التركي، والسيادة السورية، والوجود الكوردي،…)، وتوفير أرضية تمهّد وتخدم شكل سوريا المستقبل المرسوم في خرائط ومشاريع الدول العظمى المتنفذة (هل ستكون فدرالية؟ أم إدارات محلية؟ أم لا مركزية إدارية؟)، وتأمين مشاركة فعلية لكافة المكونات العرقية والدينية والسياسية في إدارات المنطقة، والتي ركيزتها الأساسية الإدارة الذاتية الحالية التي تديرها مجلس سوريا الديمقراطي (مسد) وتحميها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
    أما خارطة الطريق لتشكيل المنطقة الآمنة فتتوقف على التفاهمات والتوافقات الدولية والإقليمية والمحلية على المصالح الاقتصادية والمسائل الأمنية والمشاريع السياسية ضمن سلة واحدة “صفقة القرن” التي تخص المنطقة برمتها وتحدد مصير شعوبها وأنظمتها مستقبلاً.
———- انتهت ———–
– 10/06/2019

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خوشناف سليمان بعد عام من سقوط نظام بشار الاسد وفراره المذل في ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة انتقالية هشة ومعقدة، تشبه رقعة شطرنج ضخمة تتداخل فيها تحركات اللاعبين المحليين والاقليميين والدوليين. يقود هذه المرحلة شخصيات مثيرة للجدل، معظمها خرج من تنظيمات كانت مصنفة ارهابية، لتصبح اليوم قطعاً تحتل مربعات حساسة داخل مؤسسات الدولة الناشئة. المشهد يعكس مأزق اعادة بناء الدولة…

شكري بكر إن ما يحدث في سوريا ومنذ سقوط نظام بشار الأسد البائد من أحداث وتطورات سياسية وعسكرية بين السلطة الجديدة في دمشق بقيادة أحمد الشرع ومظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية ، وما إتفاق 10 آذار هو إتفاق عسكري وإداري لا علاقة له بالقضية الكوردية لا من قريب ولا من بعيد . فالبنود الثمانية التي وقع عليها كل…

شادي حاجي   إلى السياسيين الكرد، إلى المثقفين، إلى النخب في المجتمع المدني، لنكن واضحين منذ البداية: لا يوجد إنجاز كردي حقيقي في سوريا دون تغيير جذري في طريقة التفكير. وكل حديث عن مكتسبات أو انتصارات، بينما العقل الذي يدير المشهد لم يتغير، ليس سوى محاولة لتجميل الفشل أو تأجيل الاعتراف به.   التجارب السابقة لا تحتاج إلى مزيد من…

نحن، المنظمات الحقوقية السورية الموقِّعون أدناه، نتابع ببالغ القلق والاستنكار الجريمة الخطيرة التي تعرّض لها المدنيون في حي وادي الذهب بمدينة حمص، حيث تشير المعطيات الميدانية الأولية، وشهادات السكان المحليين، والمواد المصوَّرة المتداولة، إلى وقوع تفجير إرهابي داخل جامع علي بن أبي طالب التابع للطائفة العلوية، أثناء تواجد عدد كبير من المدنيين المصلِّين داخله، ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين…