د. محمود عباس
باتريك شانون وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة أرسل اليوم الجمعة في 6/6/2019م رسالة إلى نظيره التركي خلوصي أكار، تضمنت وبصفحتين بنود عديدة خيمت عليها لهجة التحذير إلى التهديد، لتحجيم تركيا عن القضايا التي تعكر صفو الهيمنة الأمريكية على المنطقة، حتى ولو كانت الدولة الثانية في الناتو، لكن هذه الإشكالية تظهر في الإعلام على أنها تبحث في صفقة الصواريخ الروسية لتركيا، كما وهي تندرج ضمن مسيرة الصراع بينها وبين روسيا والصين، والتي تنساق إيران في أحد أهم بنودها، ولذلك فالحفاظ على التبعية التركية يتقوى الموقف الأمريكي في المواجهة، ونحن هنا لا نعني المواجهة مع إيران بل مع الصين وروسيا، وهي من المواضيع غير المباشرة المعروضة فيما وراء سطور الرسالة والتي توصف عادة، بالحروب الدبلوماسية،
ومن بين النقاط الواردة بشكل مباشر ويتحدث عنها الإعلام: احتمالية الحصار الاقتصادي على تركيا في حال لم تتراجع عن صفقة س-400 مع مهلة أعطيت لها حتى نهاية الشهر القادم. ومن ضمن التهديدات، التأثير السلبي على العلاقات بين البلدين، ومن ضمنها تدخلاتها في القضية السورية، وبالتحديد المنطقة الكردية. والأهم في المسافة القصيرة هي، تجميد صفقة الطائرات ف-35 وإعادة الطيارين الأتراك الذين يتدربون في أمريكا، وقضايا عسكرية أخرى تتعلق بدورها في المنطقة والناتو. وعلى الأغلب، وعلى المدى الطويل، تم إبلاغ إدارة أردوغان ثانية مع الرسالة، أن الاقتصاد التركي من ضمن الجوانب التي ستتعرض إلى نكسة. وقد أثارت هذه الرسالة الإعلام، والأروقة الدبلوماسية العالمية، على خلفية المدة التي حددت فيها لتركيا، تنفيذ الطلب أو رفضه.
ومن المرجح أن الصفقة لا تزال طي الحوارات بين تركيا وروسيا، ولم يتم الانتهاء من إجراءات الشراء، أو كما يقال المرتبطة بعقود الاشتراك مع الخبراء الروس وشركات وزارة دفاعها في تصنيع س-400 وتطوير س-500 (علما أن الاستلام سيكون في نهاية الشهر السابع، وهو الوقت المحدد للجواب على الرسالة الأمريكية، لكن قابلية الصواريخ للعمل ستتأخر إلى نهاية الشهر التاسع) وإلا فإن أمريكا لن تصر على تركيا لنقض عقد تم التوقيع عليه دوليا مع روسيا، والتي ستؤدي إلى انهيار صفقات تجارية أخرى تبلغ إجماليها قرابة 10 مليارات دولار ومن المتوقع أن تصل في السنوات القادمة إلى قرابة 30 مليار دولار، ومن بينها بناء مصنع للطاقة النووية، وإلا فمثل هذا الطلب من أمريكا يعد سذاجة سياسية ودبلوماسية.
كما ولا شك من الأن وحتى نهاية المدة المقررة وهي 31/7/2019م، ستجري مباحثات دبلوماسية مكثفة، ولا يستبعد أن يتم الاتفاق على قضايا قد لا ترضي الكثيرين، وفي مقدمتهم الكرد، فتركيا لا تزال تملك من القوة بحيث تستطيع أن تغير من المعادلات الدولية في المنطقة، ولا نتوقع أن تقدم على عمل تطعن فيه قادمها الاقتصادي والسياسي والجغرافي، ونحن في الأخيرتين نتحدث عن الكرد وقضيتهم ضمن تركيا.
لكن، في أجواء مجريات الأحداث الجارية بين أمريكا وتركيا مثلما هي بين أمريكا وإيران، والمتمخضة الأن بهذه الرسالة كما هي، كورقة تهديد أكثر مما هي طلب، وقبل أن تظهر النتائج، تصب بشكل أو أخر في صالح الكرد، لكن قراءة المعادلة بهذه البساطة ستظل ساذجة، وهي تندرج ضمن مقارنة العلاقات الدولية التركية بالكردية، فعرضها بهذه الإشكالية، ودون أن ندرس الثقل التركي في المحافل الدولية، ودبلوماسيتها بين القطبين، روسيا والصين من جهة وأمريكا من جهة أخرى، ستعيدنا إلى ملاعب الجهالة، لأن تركيا لن تسمح للكرد بالظهور على الساحة، حتى ولو تعمقت الخلافات بينها وبين أمريكا، وذلك باعتمادها على القوة الروسية، حتى ولو افترضنا جدلا أن روسيا لن تعترض على الحقوق الكردية في سوريا، وإلا فإن تركيا ستعيد حساباتها مع أمريكا والناتو للحفاظ على مصالحها القومية، وهنا لا بد للكرد من تكوين قوة ذاتية أفضل من الحالية كمقومات للمواجهة، خاصة وأن الظروف الدولية تلاءم هذا الاتجاه، وعلينا الاقتناع أن ما نملكه وما نحن فيه ليس كافيا لمواجهة تركيا.
وعلى الأغلب بقدر ما يقال إن ترمب يدمر الإمبراطورية الأمريكية عسكريا وهيمنة دولية، ببناء قوة اقتصادية ربحية لا مثيل لها في تاريخ أمريكا، ونقل أمريكا من هيمنة إلى قوة للإيجار. فإن أردوغان يهدم تركيا الكمالية ليحل محلها تركيا الإسلامية حالما بإعادة أمجاد الخلافة العثمانية وقيادة العالمين العربي والإسلامي، والتي على نمطها وتيمننا بها أو منافستها، تحاول بعض الدول العربية كالسعودية وقطر، إعادة تكوين ذاتها، الأولى بالانتقال من الراديكالية الإسلامية إلى الليبرالية والثانية بالعكس، وهذه من المؤشرات التي تبين ظهور إيجابيات في المستقبل الكردي في جنوب غربي كردستان.
ويبقى السؤال: ما مدى استفادتنا ككرد من مجريات الأحداث في الشرق الأوسط؟ وهل نحن جزء من الصراع؟ وما مدى إيجابيات وسلبيات نتائجها علينا؟
وهو ما يؤدي بنا إلى التوسع في بعض الاحتماليات التي قد تنتج من ظهور التهديدات الأمريكية لإيران وتركيا، الدولتين اللتين تلعب فيهما الحضور الكردي، الديمغرافي والجغرافي، دورا بارزاً، ومن المرجح في حال تصاعدت المواجهة معهما، ستبحث أمريكا عن الأداة الكردية، وأول الخطوات، بعرض قضيتهما والمطالبة بإقامة نظام فيدرالي في كلتا الدولتين، بحيث يكون للكرد كيانهم الخاص على نمط فيدرالية الجنوب الكردستاني، بشرط أن نمتلك مقومات مثل هذا العرض. وهذا ما دفع، وحسب بعض المعلومات من جنوب كردستان، أن إيران كخطوة استباقية، بدأت بالتغلغل في المناطق الجنوبية منه، وتم إرسال حشود من الباسدار إلى منطقة السليمانية، وهذه عمليات مرعبة لأمن الكرد ومستقبلهم. وتركيا بدورها توغلت في شمالها عسكريا بعمق لم تفعله سابقا، يقال في الإعلام أنها بلغت قرابة 35 كم. فإيران تتوقع أن أمريكا لن تتعرض للكرد لأنهم يندرجون ضمن أدواتها في المنطقة، بعكس الحشود الشيعية في الجنوب، أو غيرها من أدواتها أو الأدوات التركية في منطقة الشرق الأوسط.
والمتوقع من نتائج الخلافات الأمريكية-التركية أن تعيد أمريكا وبشكل غير مباشر إستراتيجية تحريك قوى كردية جديدة للمطالبة بالفيدرالية الكردية، بل وأكثر، وبجغرافية مفتوحة على البحر الأبيض المتوسط، المشروع الذي قدمه (المجلس الوطني الكردستاني- مركزها واشنطن) منذ عام 2006م، وتقبلته أمريكا، وسابقا روسيا، وتبنته بعد عام 2012م أي بعد حوادث سوريا، لفترة ما كل من المجلسين الوطني الكردي والديمقراطي الشعبي التابع للإدارة الذاتية، وهذا ما يتضمن التعرض إلى الوجود التركي في كل من منطقة عفرين والمحيطة بها وقواعدها في إدلب، والتي بدأت تعترض التحركات الروسية ضد المعارضة السورية العسكرية في المنطقة. رغم أن تركيا لا تزال القوة الأكثر اعتمادا لمواجهة التواجد الأمريكي ليس فقط في سوريا بل في كل منطقة الشرق الأوسط، وعليه لا يستبعد أن تتنازل روسيا عن الكثير من شروط بيعها لإتمام صفقة الصواريخ، فهي تعتبر أحد أهم صمامات الأمان لها في سوريا، وأمريكا تدرك هذه الجلية وتأثيرها على إستراتيجيتها في المنطقة على المدى البعيد، ولهذا فكانت الرسالة وتحديد الفترة الزمنية لاستلام الجواب بهذه القوة.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
7/6/2019م