عمر كوجري
المعارض السوري والباحث والكاتب زكريا السقال في حوار خاص مع صحيفة « كوردستان» الأخوة
الكرد الذين عاشوا، وتعايشوا مع الهم السوري والاستبداد السوري على يد نظام مستبد
واستثنائي ليسوا خارج معادلة الهزيمة والمرض، فالكرد شعبنا ومهزوم مثلنا ومبتلٍ
بنفس الأمراض والمكابرة مثلنا ومنقسم مثلنا، والكل يعي انقسام القرار الكردي الذي
ينعكس على القرار الكردي بدولة تؤمن حقوقه وذاته، وتصون ثقافته وتراثه ولغته
وطموحات
السقال كلاماً قاله قبل أربع سنوات وهو مقولة أن النظام سقط سياسياً وأخلاقياً
قائمة حيث
لم يشهد التاريخ سقوطاً أخلاقياً وسياسياً مثل الذي جسّده نظام الطاغية العائلي
الوراثي الذي جسد بكل وقاحة، الأسد أو نحرق البلد!!
وفيما
يخص موقفه من الثورة السورية، أكد أنه لا يمكن الحديث عن فشل الثورة، الذي فشل
وتخاذل هو عقل وسلوك لحفنة استولت على القرار الوطني ورهنته للقوى الخارجية،
والدخول للجنة الدستورية هو قفز وتخلٍّ عن سياق وأحلام وأماني الشعب بحكومة
انتقالية تعد دستورا وانتخابات وبناء مؤسسات وطنية.
حول
هذه المواضيع، كان الحوار التالي مع السيد السقال:
*
قلتَ منذ العام 2014 إن النظام سقط منذ بداية الثورة، وبشكل مريع أخلاقي وسياسي،
ولكنه للآن مستمرٌ رغم كلّ محاولات إسقاطه، ماذا تقول الآن؟
بهذا
المعنى، أعتقد مازالت المقولة قائمة، حيث لم يشهد التاريخ سقوطاً أخلاقياً
وسياسياً مثل الذي جسده نظام الطاغية العائلي الوراثي الذي جسد بكل وقاحة، الأسد
أو نحرق البلد وها نحن نشهد ليس سقوط
البلد الوطن بل تدميره وتشريد أهله واستجلاب كل قوى المصالح والمطامع للبلد، حيث
فقد السوريون شعباً ونظاماً وطنهم، وأصبح رهينة المصالح والتناقضات الدولية
والأقليمية.
العديد من المراقبين السياسيين استبعدوا الهجوم على ادلب، لكنها الآن تحترق بنيران
النظام والطيران الروسي والعالم يتفرج، كيف السبيل لإيقاف هذه المذبحة؟
كم
قلنا بُعيد فقدان السوريين لقرارهم الوطني، وتذرر بنى المعارضة وارتهانها للسياسات
الدولية المتناقضة، وخاصة السياسة الروسية الضامنة والمتعهدة لجر السوريين لمنطق
استسلامهم، بعيد القفز على القرارات الدولية، جنيف، وتمزيقهم بمنصات، سوتشي،
أستانة، وكسب تحالف إيران وتركيا والخضوع لشروط الراعي الكبير، أمريكا الضامن
لساسة الشرق الأوسط الجديد، وتعهد أمن أسرائيل برزت تناقضات مازالت تشكل خطراً
يدفع السوريون به دماءهم وقراهم ثمناً لتنفيذ هذه السياسات والتناقضات، وبهذا تُدمّر
إدلب باسم القضاء على الإرهاب والنصرة، وكل القوى الإسلاموية، فالخطر أيضاً يواجه
شرق الفرات، والأخوة الكرد في الشمال كيما تنفذ السياسة التركية الأردوغانية
مصالحها، وتكون شريكاً مستقبلياً بسوريا الجريحة، وهذا يتوقف على الراعي الأمريكي
للشمال الذي سيكون المشرف والضامن لإنشاء سوريا الهشة المتقاسمة بين هذه الدول
المتنفذة بالقرار السوري وستكون إيران اضعفهم حيث مطلوب تقليص نفوذها وتحجيم
قواتها، هذه المعادلة التي تشمل ريف حماة وإدلب لا تنتهي دون تحديد النفوذ
والأدوار بمستقبل سوريا الجريجة المثكولة،
التي سرقت وغربت ثورتها.
الهجوم على ادلب تم بالتنسيق مع تركيا، مقابل أن يغضَّ النظامُ وروسيا عينهما عن
اجتياح تركي محتمل في شرقي الفرات؟
أكيد
هناك تنسيق تركي روسي، وهنا الحديث عن النظام يكون مجازاً، فالنظام أصبح، زنبرك
وصمام أمام الترتيب، بمعنى ضعف النظام الذي ينتظر حتفه، ولكن بترتيب سوريا كدولة
فاشلة تتقاسمها مصالح ونفوذ دول عالمية وإقليمية، أما الهجوم في شرق الفرات فهو
أمر غير محسوم وخاضع لترتيبات أمنية بالجوهر سيكون أمن تركيا ومناطق آمنة تركية
كما يحكى عن جيش من العشائر بخط أمن يتوافق عليه، بكل الأحوال مازال الوضع قائماً
على التسويات والتنازلات من أطراف الصراع، وسيكون
الشعب هو الخاسر الوحيد.
أكثر من ثماني سنوات، لم ينجح السوريون في إسقاط نظام الأسد؟ من يتحمّل هذا الوزر
الكبير؟
هذا
السؤال الذي لا يحتمل المجاملة ولا المراوغة، حيث تتحمل قوى الثورة والعقل السائد
جريمة التفكير الهش والمريض بشكل أساس، فقد انقسمت المعارضة منذ انطلاق الثورة بين
مراهن على النظام، ومراهن على الغرب والخارج، وترك الشارع وحيداً مستفرداً، الأمر
الذي سمح للإسلام السياسي والأموال المشبوهة بالتسلُّل وتدمير سياق الثورة وتذرير
كل محاولات بناء برنامج وطني يحتضن الشعب، ويحمي مسيرته، ويجسّد مطالبه، لا يمكن
هنا الحديث عن موازين قوى، فلم تقدم قوى الثورة تجربة قابلة للدراسة حتى لو هزمت
سوى الاجترار والارتباط وتذرير بنى المجتمع السوري، الأمر الذي نراه الآن فقدان أداة سورية وقرار وطني سوري،
هل انتهى الأمر؟ لا، فالسوريون مصرّون على
ثورتهم والسير لأحلامهم، لكن الطريق طويل، ولن يختصر إلا اذا تجاوزنا هذه الذوات
والأدوات المهزومة المريضة.
يقولون إن المعارضة السورية لم تكن بمستوى جراح السوريين، ولم تستطع أن تمثلهم،
لهذا للآن الجرح السوري راعف.
كما
قلنا سابقاً لم تكن، بل كانت سبب تذررهم وتشتيت جهودهم وتفرقتهم، ومازال الأمر
قائماً، حيث تفشل كلّ المبادرات، وتكثر الأوراق والترّهات، وكلها خارج سياق الفعل
والحضور.
صحيح أن النظام اقترب كثيراً من السقوط لولا الدعم الروسي بكل أشكاله وصنوفه؟
هذه
المقولة هي الصحيحة، فالنظام سقط، ولكن الإرادة الدولية التي تهتم بمصالحها والتي
لا تهتم بأي نظام خارج مصالحها وشركاتها وأسواقها ونفوذها، لم تجد هذا البديل، حيث
فشل السوريون بتحقيق معادلة وإيصال رسالة للمجتمع الدولي. أصبحت كل مصالحكم عندي،
وانتهى النظام حيث ليس المطلوب محاربة العالم بقدر ماهو اقناع العالم بأن النظام
انتهى، وأصبح البرنامج الوطني والقرار الوطني بيد السوريين، ولكن عندما تذررت
المعارضة، فالعالم أصبح مترفاً ومتبغدداً بتنفيذ سياسته وخياراته كثيرة، حيث أن
المعارضة مفرقة ومبعثرة ومريضة، والروس متعّهدون بوكالة دولية، بمعنى الإرادة
الدولية وتحكُّم إسرائيل هي التي أعطتهم هذا الدور الذي مازال مراقبا ومدروساً.
عربية عديدة تترقب لفتح سفاراتها، وبعضها بدأت بالفعل، هل يعود «تنظيم الأسد» من
جديد، ويُعاد تدويره، بعد كلّ الجرائم البشعة التي ارتكبها بحق السوريين؟
هذا
أكيد، فهذه العواصم أنظمة مرتبطة، وكل مصالحها مع الغرب، ولا تريد ثورات على
العكس، فتاريخها هو تاريخ تمهيد وتطويع لكل المشاريع التي تطوّب، وتطوّع المنطقة
للغرب ومصالح الغرب، وهذا بسيادة الاستبداد والفساد وغياب الدستور والقضاء
والعدالة، الحديث موجع ودامٍ عن سحق المواطن والشعوب بالمنطقة من قبل هذه الأنظمة،
وكلنا نرى كيف تنتظر اية اشارة انفراج كيما تعيد علاقاتها وطيرانها وشركاتها
للنظام.
البعض أن فتح مقر أو مكتب للائتلاف السوري المعارض في ريف حلب هو إعلان تقسيم
لسوريا، ما دقة هذا الكلام؟
سياسة
إحياء الموتى، وطبعاً أحياء بما تعني إرادة الآخر، فهذه الخطوة المتأخرة
كثيراً كثيراً ، لم تأت بإرادة وطنية بل
بإرادة دولية وتحديداً تركيا كيما يكون تدليس الفشل والعجز والتفريط، بكلّ الأحوال
الشعب الذي يعاني يومياً الجوع والتشريد والقتل واستباحة تبين سخف هذه الخطوة
المتأخرة والمميعة عن الخطوة الأساس وهي الإقرار بالهزيمة والفشل، والدعوة للقاء
وطني لمناقشة الاستباحة والدمار السوري أرضاً وشعباً، هذا ما يجب أن يكون لا غيره.
تعتقد أن المشاركة في اللجنة الدستورية المقترحة من قبل روسيا هو اعتراف بفشل
الثورة؟ بمعنى أن الدستور سيكتبه الاقوياء، وهم النظام وروسيا لا الشعب السوري.
لا
يمكن الحديث عن فشل الثورة، الذي فشل، وتخاذل هو عقل وسلوك لحفنة استولت على
القرار الوطني ورهنته للقوى الخارجية، والدخول للجنة الدستورية هو قفز وتخلٍّ عن
سياق وأحلام وأماني الشعب بحكومة انتقالية تعد دستور وانتخابات وبناء مؤسسات
وطنية، بكل الحالات التاريخ قدّم الكثير من الحكومات الفاشلة من حكومة باريس
الأولى للكثير ممن لم تحقق حلم الشعوب بالحرية والعدالة.
للشعب السوري أصدقاء حقيقيون؟ بالمقابل أصدقاء النظام أوفياء له، وساندوه لتثبيت
حكمه.
هذه
المقولة أصدقاء حقيقيون، لا معنى لها بعالم الدولة الحديثة عالم رأس المال
والمصالح، وكلُّ حديثٍ عن أصدقاء هو منطق براغماتي، الكل يبحثُ عن مصالحه، ويتخلى
عن كلامه وتعهداته بأول تناقض، ونحن نرى، ونشاهد لم يتقدم أحد لإيقاف الدم والقتل
السوري.
المجلس الوطني الكردي في الائتلاف؟ ثمة من يقول إنهم مهمّشون وبعيدون عن مراكز
القرار رغم أن كرسي نائب رئيس الائتلاف من حصة المجلس.
عندما
نتكلم عن مجتمع مهزوم، فنحن نعمم، والأخوة الكرد الذين عاشوا، وتعايشوا مع الهم
السوري والاستبداد السوري على يد نظام مستبد واستثنائي ليسوا خارج معادلة الهزيمة
والمرض، فالكرد شعبنا ومهزوم مثلنا ومبتلٍ بنفس الأمراض والمكابرة مثلنا ومنقسم
مثلنا، والكل يعي انقسام القرار الكردي الذي ينعكس على القرار الكردي بدولة تؤمن
حقوقه وذاته، وتصون ثقافته وتراثه ولغته وطموحاته، والمجلس يجسّد نفس الحالة
السورية بهذا المعنى، مقابل طرف أيضاً يمارس ديموغوجيا، ويتهرّب من دوره ببناء
البرنامج الوطني وتدعيمه وتحصينه، الأمر الذي يعتبر مهمة ملحة إعادة الاعتبار
للحوار الوطني بين كل المكونات السورية لمستقبل شعبنا وحريته وكرامته وعدالة
قضاياها.
الفينة والاخرى نسمع، ونقرأ تصريحات “عنصرية” بحق الكرد حتى من بعض قادة
الائتلاف السوري، لماذا؟
هذا
ليس مستغرباً، وليس نافلا اذا اتفقنا على السائد وهي ثقافة الاستبداد والفساد
المهزومة، فالسوري الذي مازال لغاية الآن يردد، ويعيش تعايشاً جميلاً بين اخوته
الكرد، ويعرف ان أول مظاهرة انطلقت لتأييد درعا كانت من القامشلي عندما توهّج
الشباب الكرد وهم يهتفون “يادرعا حنا معاك للموت” هذا هو الشعب الأصيل
وبنفس الوقت عندما سارع المثقفون للالتحام مع اخوتهم الكرد اثر التعدي عليهم من
قبل النظام بحادثة الملعب العام 2004 هذه هي عرى التوافق والتعايش التي يجب العمل
عليها وتنميتها، ونحن نقرأ أو نقرُّ بأن النظام نجح بجرّنا للمعركة التي يريدها،
وهي معركة تفرقة وعنصرية وطائفية لتفتيت المجتمع، وتذريره كما غذى الإسلام السياسي
مع دوائر استخبارتية هذا البرنامج الذي يجب محاربته ومطاردة ثقافته، فلا يستاء
الأخوة الكرد من المعتوهين والسفلة.
يرى أن سيطرة الاخوان على المعارضة السورية أفقدها الدعم الدولي، هل هذا صحيح؟.
النموذج
الذي يدرس للبراغماتية والانتهازية هي مدرسة الإخوان المسلمين، حيث هم من يداهنون،
ويتواطؤون، ويغدرون ، ناهيك على ان الإسلام السياسي هو إشكالية قائمة امام تطور
المجتمعات، حيث تسود الأوهام والخرافة والأسطرة، هم يسكنون التاريخ ولا يقرأؤنه،
فالتاريخ علم والدين علم ولا يمكن التقدم للأمام إلا بإرجاعه كحق ،، الدين ،، خاص
يحترم بالقانون، ولكنه لا يسيًد، فمنطقتنا هي تاريخ الأديان وتشعُّب فرقها ومللها،
لهذا على الإخوان والإسلام السياسي أن يقتنع ان المستقبل للعلمانية التي لا تلغي
الدين، ولا تسيده، ولكنها تعطيه حقه كمعتقد شخصي،
وعلينا أن نرى تاريخ الإسلام السياسي الذي شوّه النضال، وأخرج ساحة مثل مصر
تعتبر من أهم أعمدة المنطقة من أجل شهوة السلطة والتسلط .على الإسلام السياسي ان
يذوب، وينخرط بالنضال من أجل دولة حرة تعطيه حقه تلزمه واجباته.
كيف تقرأ الوجود التركي أو الفصائل المسلحة التابعة لها في عفرين، هل هو احتلال أم
تدخُّل مؤقت، ومتى يمكن أن تخرج هذه القوات من عفرين؟
عندما
نحدد أن سوريا تخضع لاحتلالات خارجية، فنحن لا نستبعد التركي ولا الإيراني
والأمريكي والروسي، وطبعاً تفكك المعارضة وتقاعسها وأمراضها جعلها تكون أدوات
للخارج، ولذلك طالبنا مرارا على ان يقال للأتراك عن الهم السوري ومعنى ان تكون
سوريا دولة وطنية ديمقراطية تصيغ تحالفات تهم مستقبل المنطقة وتركيا يجب ان تكون
مهتمة بمستقبل المنطقة وجوارها من أجل قاعدة ارتكاز بمواجهة اطماع العالم بالمنطقة
والخروج من وهم امبراطورية بمشروع ما ورائي سلفي
والتخلص من حلفاء لا يعون طبيعة الصراع بأبعاده، ويجب مواجهة تركيا من زاوية المصلحة المشتركة
والنظرة لمستقبل شعوبنا وتطور مفاهيم
الحداثة والحرية والتنمية وتكون تركيا ملك لمواطنيها ومكوناتها.
العسكرية المسلحة المدعومة من تركيا تقوم بممارسات فظيعة، وانتهاكات وسلب ونهب
واختطاف وقتل، كيف يمكن ردع هؤلاء عن هذه الاعمال؟
لا اجتهاد
كثير هنا، فالواقع يتكلم، ويعطي صوراً بشعة وفظيعة لما يواجهه المواطن
السوري بكل الساحات والمحطات وخاصة على أيدي التيار الأصولي الفاشي الدخيل على الثقافة والسلوك الإنساني والسوري،
ولا خلاص إلا بسيادة مظلة وطنية يتجسد تحتها بنى مقاومة تكون خاضعة للهيئة
السياسية ومستقبلا تحت السلطة التشريعية
الدستورية التي تخضع كل السلطات للشعب من
خلال القانون والقضاء.
السقال: بروفايل
-تولد:
درعا- نوى- 1951
-كادر
ناشط ومعارض للنظام، مطارد 1982 نشط مع
المقاومة الفلسطينية في لبنان
– غادر
إلى ألمانيا عام 1990 حيث عمل بمجال الثقافة، وتابع نشاطه السياسي بتفجر الثورة
السورية.
– ساهم بأكثر من موقع ومؤتمر من أجل إنجاز برنامج
وطني يجمع المعارضة السورية.
– رشح
للإئتلاف السوري المعارض عن الكتلة الديمقراطية وكان عضو الهيئة السياسية لدورتين
انتخابيتين، استقال من الائتلاف عام
2017 -حاليا مستقل، يساهم بمجموعة من
النشاطات.
——————