هل البيان الأخير هو فعلاً للقائد أوجلان ؟

المحامي عماد الدين شيخ حسن 
من المؤسف و الغريب جدّاً أن يتبنّى أنصار القائد أوجلان زعيم العمال الكوردستاني و مؤيدوه البيان الأخير الذي نُسب إليه و يولوه هذه الأهميّة و يُظهروه من أصله للعامّة و يروّجوا له عبر صفحاتهم و مواقعهم، ملبُين بذلك أجلّ الخدمات للدولة التركية و مآربها .
و ذلك كلّه برأيي المتواضع إن دلّ على شيء فإنه يدل على حماقة و قصر نظر و  جهلٍ حتى بألف باء السياسة .
هل يا ترى قرأوا ما بين السطور أو ظاهر السطور حتى و أدركوا معانيها و أبعادها ؟
و هل يا ترى تمعّنوا في توقيته و في الظرف العام و ظروف و أحوال القائد ذاته و أثر البيان و تأثره بكل ذلك؟
بالمطلق لا، فلو كان من وجودٍ لذلك ، لما رأينا ما نراه .
حقيقةً أرى سطحيةً بالغة في قراءة الأنصار للبيان انتجت بدورها سطحيةً بالغة في التعاطي معه و شكل إظهاره .
السطحية تمثلت في مجرّد الالتفاف و الالتفات الى بارز الكلام و جميله من البيان دون غيره من الخطير و الشديد ضرراً .
بطبيعة الحال…. مثاليٌ و سليمٌ أن يدعو المرء الى لغة الحوار و السلم و العقلنة و الديمقراطية و سواها من القيم الحضارية و اسس الفكر الراقي و أن يدعو في المقابل و الآن ذاته الى نبذ العداء و الاقتتال و الكراهية و سواها من الموبقات .
و لكن اللا مثالي و اللا أخلاقي في الأمر أن لا يكون ما ورد أعلاه غايةً في ذاته بل مجرّد تمهيد لدس السمّ في البيان بعد خداع متلقيّه الساذجين من الأنصار و اشغالهم بجميل العبارات و من ثم ايصال رسالة هي الغاية و لا تخدم إلا الدولة التركية و غيرها من اصحاب المصالح البحتة و المتربصين بالإيقاع بنا و بحقوقنا و قضايانا .
لن أُسلّط الضوء على الكثير من مسالب البيان ، بل سأكتفي كرجل مغمورٍ في القانون إلى ذكر سلبيةٍ واحدة في بيانٍ نُسب للزعيم اوجلان جاءنا به محامون مخضرمون ذو باعٍ طويل و فطحلة في الثقافة القانونية ، و إلا لما تم اختيارهم وكلاء للقائد .
أولئك المحامون الذين لم يُدركوا بديهيات ما تعنيه الألفاظ و المصطلحات في البيان و آثارها القانونية، أو أنهم يُدركون ذلك و لكنهم وكلاءٌ لغير القائد  .
إذ نعلم جميعاً و جيّداً بأنّ ذريعة الذرائع و حجّة الحجج التركية من دخولها الى عفرين و غيرها من الأرض السورية كانت تحت مزاعم درء خطر و تهديدات ( الإرهاب ) على أمنها القومي .
و نعلم بأنها رخّصت دخولها ذاك عبر ذاك المبرر و خلقت منه مبرراً في الوقت ذاته للصامتين و المتخاذلين معها من دول العالم و لا سيما اصحاب الصفقات و المصالح منهم معها.
فعاثت تحت ذاك المبرر و الشعار فسادا و ارهابا و إجراماً في سوريا و خاصةً بالكورد السوريين منهم.
خرجنا حينها و كقانونيون تحديدا و خاطبنا العالم و المجتمع الدولي بمختلف هياكلها و مسميّاتها و لا سيما المعنيّة منها بالقانون الدولي و الرقيبة على تطبيقه و الالتزام به، خاطبناهم بآلف الوثائق من مستندات و صور و فيديوهات لنثبت من خلالها بأن تركيا لا تستهدف من وجودها في سوريا إلا الكورد في وجودهم أينما كانوا و تبذل كل مباح و محظور في سبيل ان لا تقوم لهم قائمة . و بأن مزاعمها في محاربة ما تسميه بالارهاب و الارهابيين و خطرهم على امنها و حدودها لا أساس لها من الصحة .
ليأتي بعد ذلك كلّه بيانٌ كهذا يُنسب للقائد اوجلان و يرمي بكلّ ما أكدنا عليه مرارا و تكرار أدراج الرياح و بجملٍة واحدة نقرّ من خلالها بأن تركيا محقّة في هواجسها و حساسيتها من الاوضاع و دون أي ذكر أو مجرد تلميح لحقيقة النوايا التركية.
نقتبس من البيان (نحن نؤمن بقدرات قوات سوريا الديمقراطية وأنه يجب حلّ المشاكل في سوريا ضمن إطار المحافظة على وحدة الأرض على أساس الديمقراطية المحلية المنصوص عليها في الدستور الأساسي بعيداً عن ثقافة الاقتتال. كما ويجب ملاحظة ما يسببه هذا من حساسية لتركيا) انتهى الاقتباس.
نكتفي بهذا و نختتم بالقول بأن البيان محالٌ أن يكون لسان ارادة و ضمير قائدٍ من المفترض أنّه سخّر حياته لخدمة شعبه و خلاصه و قضاياه. فإمّا لا علم و لا علاقة له بالبيان و مضمونه من اصله، و إما أنه صدر عنه و لكن في وضعٍ و حالٍ جميعنا على بيّنة به إلّا الحمقى الذين اعتمدوه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…