أحزاب كردية بلا سند 2/2

http://www.welateme.net/erebi/30/mehmud_ebas.jpgد. محمود عباس
مسيرة الخلافات في الأحزاب الكردية والمؤدية إلى الانشقاقات، وغياب منطق الحوار الديمقراطي، نابعة من عدة عوامل، منها:
1- قلة الوعي، المؤدي إلى سهولة تمرير خدعة السلطات على أن قيادة الحزب، ذات أهمية كبيرة، وهي أعلى درجات الوطنية! ويجب الصراع من أجلها. كما وأن ضعف التراكم المعرفي والذي لا يتجاوب مع العصر، أدى وخلال العقود الماضية إلى عدم القدرة على تحمل الاختلافات، وبالتالي عدم التمييز بين العمل الحزبي كمسؤولية والتعامل السياسي حيث ينظر إلى الاختلافات كحالة صحية ضمن الحزب.
2- دور الأجهزة الأمنية، على مدى العقود الماضية، والتي خلقت روح الانشقاق بين القيادات، ورسختها، إلى أن أصبحت جزء من نهجهم، لا يملكون القدرة على التخلص منها، وعليه ينطبق على جلهم مصطلح الحرس القديم، الواجب إخلاء الساحة أو عزلهم، والأخيرة هي الأصوب، فتجارب التاريخ تؤكد أنه لم يتخل أحد عن مكانه، إلا حكماء السياسة، وهذه معدومة بين أحزابنا.
3- العوامل المشتركة المؤدية إلى الانشقاقات هي ذاتها الدافعة لتشكيل اتحادات عشوائية، والتي لم تكن نابعة من الإيمان بمنهجية أو إيديولوجية ما، بل سيطرت على كلتا الحالتين إما مصلحة ذاتية، أو موضوعية فرضت الوحدة أو الانشقاق، ليتبعهما التناقض عندما تستهلك مفعول تلك العوامل. كانت القيادات تقدم بأعمالها تلك الخدمات الملائمة للمربعات الأمنية دون إدراك، وبالتالي كانت السلطة تبلغ غاياتها دون جهد يذكر.
4- الضحالة السياسية إلى جانب العوامل الموضوعية والتي لا قدرة فكرية للحرس القديم مواجهتها، كما وأن معظم القيادات يجدون المركز مكانة وتشريفا، وليست مسؤولية، ولا يتصرفون على هذا الأساس، لذلك يتناولونها كوجاهة، وليس كواجب وعمل، فلو كانوا مسؤولين حقاً لما ظهرت التكتلات والصراعات الداخلية على المراكز، ولما اتهموا البعض بالموبقات السياسية.
   فمثال اليكيتي اليوم والطعن بالبعض، تحت مسوغات متنوعة، إلى جانب المسائل التنظيمية، التعامل مع الإتلاف السوري، أو التخلي عن المطلب القومي لمصلحة مادية، أو بالعكس، التخاذل لإملاءات الإدارة الذاتية أو الحوار مع الـ ب ي د، وغيرها من الحجج المتصاعدة يوم بعد أخر (والتي لا تخلوا من الصحة) للتغطية على الحقيقة المذكورة سابقاً والمرتكزة عليهم نزعة الانشقاق البالغة الأن مرحلة اللاعودة، وستحصل عاجلا أم أجلا. فقضية الإتلاف على سبيل المثال كانت موجودة منذ سنوات، لماذا لم يثيرها معارضوها الحاليين في المكتب السياسي، وجميعهم كانوا في القيادة؟ ولم يسمع أحداً منهم يوما اعتراضا! أو بالعكس التخاذل لهيمنة سلطة الإدارة الذاتية، لماذا برز الأن؟ ليتهم يواجهون القاعدة الحزبية والشارع الكردي بشفافية ويظهرون الحقيقة، أو ليتهم يخلون مع ذاتهم لتطوير مفاهيمهم، ليس لإنقاذ الحزب من الانشقاق، بل للتمييز بين الحزبية والسياسة.  
الانشقاق المتوقع في يكيتي، ليست بظاهرة جديدة يجب دراستها، أو حث قياداتها على الحذر، فجلهم مروا بهذه التجربة مرات عديدة، ولهم خبرة في كل حيثياتها وتفاصيلها، فلو عدنا إلى الوراء قليلا، سنجد أن معظمهم من كوادر حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا، الذي انتشر وبسرعة بين الجماهير، علما أنه لم يكن يجمع معظمهم الوطنية أو القضية، بقدر ما كان يجمعهم المنح الدراسية من المنظومة الاشتراكية السابقة، ودور أمين عامه عند الحصول على دعم مادي ولوجستي خارجي (منظمة فتح الفلسطينية التي كانت تحصل على جل دعمها من السلطات المعادية للكرد) وعلى أثرها سيطر الحزب تقريبا على الساحة السياسية الكردية، وبتلك السرعة انهارت بعدما توقف الدعم الخارجي، ولم ينقذ الحزب، من التناثر والانشقاقات المتتالية وعلى مر السنوات اللاحقة، رغم المحاولات الحثيثة لسكرتير الحزب إيجاد البديل الخارجي، بعد انهيار السلطة الفلسطينية في بيروت.
كوادر ذاك الحزب أعادوا اليسار من جديد إلى الساحة، وشكلوا الآزادي 1 و2 واليكيتي وجزء من الوحدة، وأنشق اليكيتي الكردستاني عن اليكيتي، والمسيرة في هذا المجال مملة، وغيرهم من المنظمات، وبعضهم انضموا إلى البارتي، حتى أن قيادتها القديمة تنتقد كل هذه الأطراف وتعمل الأن على تكوين منظمة باسم جديد. ولهيمنة العوامل المذكورة سابقا، تتالت كل تلك الانشقاقات، وتمت حالات من الوحدة، ولم يعد غريبا رؤية من كان يعادي البارتي، المنشق عن ذاته مرات عديدة، إلى درجة لا يعرف أجزاءه بدون ذكر أسم السكرتير، الانضمام إليه وتناسي الماضي كحلم لم يكن. فعمليات تشكيل حزبين معاديين لبعضهما وفيما بعد الاندماج، أصبحت عملية روتينية بين الحزبيين المتعودين على الانشقاقات والاتحادات، لأن معظمهم يحملون في ذاتهم العوامل المشتركة المنوهة سابقاً، وهي نابعة من قلة الكفاءة، وعدم الاتعاظ من التجارب الماضية، وضحالة التراكم المعرفي. 
  فقادة وكوادر الآزاديين واليكيتي الكردستاني كانوا على خلاف مع البارتي الديمقراطي، وكان يجمعهم وقيادة اليكيتي أو الوحدة مفاهيم أنسب، لكن العوامل الذاتية والموضوعية المؤدية إلى الانشقاقات والاتحادات دفعت بهم إلى الإتحاد مع البارتي، وتشكيل الكردستاني-سوريا، ولا يستبعد أنه عند استهلاك تلك العوامل ونفاذ مفعولها أن يظهر انشقاق في جسم الحزب المتحد حديثا، وقد تسبقها استقالات جماعية، وظهور قيادة أكثر انتهازية وتعميقا لمنطق التحزب والتكتلات، ولربما لعدم تخمر هذه العوامل واحتمالية ظهور بعض الإشكاليات هي من المخاوف المؤدية إلى عدم عقد مؤتمرهم رغم مرور أعوام على الوحدة، علما أن ظروف عقده متوفر والإقليم على الأغلب سيقدم المساعدات اللازمة، إلا إذا كان الديمقراطي الكردستاني- الإقليم الفيدرالي، بحد ذاته متخوفا من انهيار الإتحاد المصطنع في أروقته، أو لربما ينتظر التحضير الأفضل للقيادة التابعة الانتهازية المأمولة. 
 وعلى الأغلب تجربة الانشقاقات المتتالية في حزب الديمقراطي التقدمي الكردي مختلفة بعض الشيء، فيلاحظ أنه كانت تحصل بأوامر مباشرة من النظام، وذلك في المراحل التي كانت تصعد فيها شعبية الحزب، وكان جماهيره يسيطرون بعض الشيء على الشارع الكردي، حينها كان الحزب يحصر من قبل المربعات الأمنية، ويدفع به إلى الانشقاق، فرضا وليست بخديعة أو تلاعب. ولربما لهذا ظل هذا الحزب محافظا على منهجيته، ومسيرته وسوية مطالبه بعكس اليسار واتحاد الشعب والبارتي، والبقية، رغم الانتقادات اللامحدودة من معظم الأحزاب، وخاصة لسوية مطالبه المتناقضة مع معظم أطراف الحراك الكردي.
الأن ونحن أمام مرحلة مصيرية، لا نعرف فيها قدر شعبنا في جنوب غربي كردستان، وحيث المستقبل الضبابي، هناك من يجعلنا أن نهمل أو نتناسى قضيتنا بإعادة تجربة من تجارب انشقاقات الأحزاب الكردية الروتينية، وإلهائنا بثانويات الأمور، فهذه الانشقاقات كانت وستظل سمة طبيعية لأحزابنا، اليوم نراها تظهر ضمن اليكيتي، وغدا سيكون للبارتي، أو لـ ب ي د فيما لو شاركت السلطة مع الحركة الكردية الواعية، أو لحزب أخر وهكذا دواليك، فجميع هذه الأحزاب لا تمثل إلا جزء يسيرا من الحراك الكردي وشارعه، يبتذلهم الشعب إلا من الشريحة التي تربطها والقيادات عوامل ما، والمانع لظهور بديلهم الواعي وحامل الهم الكردي، وملء الفراغ المرعب لقادم الأيام، هي الذات اللاواعية والانتهازية، الداعمة من القوى الخارجية المستفيدة من هذه الأحزاب الغارقة في الانشقاقات والاتحادات الوهمية والصراعات، لذلك لا داع لكل هذه الضجة واستغراب الحالة، والانشغال بها، فكل من يساهم فيها أو يحركها إن كان من ضمن الحزب أو خارجه، يشارك بشكل أو أخر في جريمة تناسي القضية، ولا يستثنى منها الإدارة الذاتية ولا الحزبين، الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني، جدير بهذه القوى الكردستانية العمل على نشر التآلف والوفاق والوئام بين الأطراف الكردية المختلفة.
الولايات المتحدة الأمريكية
 mamokurda@gmail.com
21/4/2019م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…