م. محفوظ رشيد
بالرغم من أن الانتخابات التركية التي أجريت في 31 من شهر آذار المنصرم بلدية وخدمية، لكنها تعكس حقيقة نبض الشارع التركي ورأيه العام، ونتائجها في المدن الكبرى (استنبول، أنقرة، إزمير،..) هي الحاسمة في تحديد السياسة التركية والجهة التي تقودها، فإنطلاقة أردوغان كانت من رئاسته لبلدية استنبول، وفشل حزبه في هذه المدن تشير بوضوح إلى استياء الشعب التركي من سياساته (الخانقة والمرهقة) الحالية المتبعة، ورغبته في التغييرعلى الصعيدين الداخلي والخارجي، والملف السوري بتأثيراته الاقتصادية والأمنية هو المقياس المحوري والمحدّد في تقييمه للأحوال والظروف وتكوين موقفه من الأحداث.
حزب الشعب الجمهوري CHP هو حزب كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة على المبادئ القومية العلمانية على أنقاض السلطنة العثمانية، وفوزه تأكيد على رغبة الشعب التركي بالحد من تطلعات أردوغان الاسلامية العثمانية الدكتاتورية، والحفاظ على القيم والتقاليد التي رسختها الجمهورية الأولى، والساعية للانضمام إلى الأسرة الأوربية المتمدنة، والتي تشترط عليها توفير معاييرها القانونية والسياسية والاقتصادية.. ولاسيما في مجال تطبيق قواعد الديموقراطية ومبادئ حقوق الانسان والاصلاحات الادارية..، وهذه ستخدم القضية الكوردية على المدى الاستراتيجي.
وما كان يخشاه الكورد من إرهاب الدولة فقد نفذه أردوغان ضدهم وفي مناطقهم خلال فترة حكمه، فقد أعلن الحرب بكل الوسائل والأساليب، ابتداء من مجزرة روبوسكي، ومروراً بتدمير شرنخ ونصيبين..، وانتهاء باحتلال عفرين.
بلا شك أن الدولة العميقة (أركنغون) هي التي تحكم تركيا وفق دستور يعتبر الهوية التركية هي الوحيدة والرسمية في الدولة، ولا يعترف بالتعددية القومية أوالدينية أوالثقافية..، وهذا ما يتطلب من الكورد التعاون والتنسيق مع المنفتحين والمعارضين من باقي المكونات العرقية والطائفية والتيارات الفكرية، والسعي معاً لإعادة كتابة الدستور يضمن المساواة والشركة الحقيقية في الوطن إنطلاقاً من مبادئ الديموقراطية والعلمانية، التي يقرها الدستور القديم ويتضمنها برامج معظم الأحزاب السياسية التركية، ليكون مدخلاً للانتقال إلى مرحلة تثبيت الحقوق القومية للشعب الكوردي كما تقره العهود والمواثيق الدولية وتفرضه الظروف الذاتية والموضوعية الموائمة والمساعدة.
لقد أصبح مبدأ ثابتاً وشعاراً رئيسياً في السياسة الكوردية لدى مختلف أطراف الحركة التحررية الكوردية في جميع الدول المقتسمة لكوردستان هو ضرورة التحالف مع ممثلي كافة المكونات والفئات المجتمعية ضمن الخصوصية الوطنية والعمل معاً من أجل ترسيخ قواعد الديموقراطية والتعددية واللامركزية في مراكزها، لأنها الضمانة لتوفير الحريات العامة واحترام الحقوق الخاصة (ثقافياً واجتماعيا وسياسيا..)، لذلك فإن دعم حزب الشعوب الديموقراطي HDP مع حلفائها من الأحزاب السياسية الأخرى لحزب الشعب الجمهوري المعارض CHP بزعامة كليشدار أوغلو والتصويت لمرشحيه في المدن الكبرى كانت خطوة صحيحة وذكية ضمن اللعبة السياسية (الانتخابية) القائمة لموجهة الاجراءات والقرارات الأمنية والادارية التي كانت تطبقها حكومة أردوغان، والتي كانت تهدف بالأساس النيل من هيبة وشرعية HDP وحلفائه ووجودهم كقوة جماهيرية راجحة في موازين القوى على الساحة السياسية التركية، فضلاً عن حفاظ حلف HDP على غالبية مواقعه في المناطق الكوردية وإلغائه لحكم الوصاية العرفية (قويم) الذي أقيل بموجبه ممثلي HDP من رئاسات البلديات وزج بهم في السجون وعين بدلاء عنهم من حزب AKP الحاكم.
لقد أبلى حلف HDP بلاء حسناً وحقق فوزاً بالرغم من عمليات التزوير والمضايقات والتهديدات والاعتقالات.. التي مارستها حكومة أردوغان ضد المرشحين والمنتخبين قبل وأثناء الانتخابات في المناطق الكوردية.
اعتراف أردوغان بخسارة حزبه في مراكز المدن الكبيرة وبضرورة إعادة النظر في خططه وبرامجه، يؤكد أن استمراره على سياسته الحالية سيعجل من نهايته المحتومة، بالرغم من عزفه على الوتر الديني والقومي (لالتهاب مشاعر الجمهور وكسب أصواتهم لصالح مرشحيه) تحت عنوان محاربة الارهاب وحماية الأمن القومي من خلال جولاته الدعائية والتي استكملها وجسدها عملياً بحملاته الأمنية – العسكرية ضد معارضيه في الداخل (تصفية وملاحقة أنصارغولن وhdp والأحزاب الكوردية الأخرى) والخارج (التهديد باجتياح مناطق شمال شرق سوريا)، ولكنها لم تسعف حزبه ومرشحيه ومنيوا بهزيمة نكراء.
2/3/2019