أبوبكر الأنصاري*
لم يكن الاستفتاء الشعبي لتقرير المصير مفاجأة لمن يتابعون التجربة الكردية منذ إسقاط الشاه رضا بهلوي للتجربة المهابادية في عشرينات القرن الماضي حين اعلن الشعب الكردي دولته وذهبت ضحية صفقة بريطانية فارسية عندما أطلق الانجليز يد القمع الفارسي لسحق طموح أمة عريقة عملت من أجل السلام والتآخي بين شعوب المنطقة وقد حمل المجاهد السيد مصطفى البرزاني أمانة النضال الكردي حيث قاد بجدارة مسيرة الانجازات وبنى الشخصية الكردية المؤمنة بذاتها الوطنية وبحق تقرير المصير.
لقد واجهت التجربة الكردية غدر القوى الكبرى وتكالب ثلاثي الأبعاد ” الفرس والقوميون العرب والأتاتوركيين” الذين ركزوا على رسم الخطط لتفكيك الجبهة الداخلية الكردية بصناعة بدائل عن قيادتها التاريخية فشجعوا بعض أنواع الانشقاق وتأسيس حزب ” الاتحاد الوطني الكردستاني” بقيادة مام جلال طلباني برعاية من معسكر جمال عبد الناصر القومي العربي خلال فترة الانقلابات العسكرية في العراق والعالم العربي ثم بدعم من جناح حافظ الأسد في حزب البعث نكاية بصدام حسين من جهة ومحاولة لإضعاف قيادة آل البرزاني التاريخية صاحبة المشروع الوطني الكردي من جهة أخرى وقد جعلت تلك الزعامات المصنوعة خارجيا لإرضاء غرور التكالب ثلاثي الأبعاد القضية الكردية ورقة يتم التلاعب بها وفق مصالح داعميهم الخارجيين.
ولم ينتهي التآمر على الحركة الكردية عند صناعة الانقسام وتغذيته وتطويره ليرتبط بالمحاور الاقليمية بل جاءت اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران عام 1975 وتنازل بغداد عن نصف حقها في شط العرب مقابل كسر شوكة الحركة الكردية ومع تصاعد الحرب العراقية الايرانية تنامت قوة حزب الطلباني الذي يتخذ من السليمانية معقلا له بدعم من إيران والقذافي والأسد بهدف التحكم في خيارات الكرد وإحتواء المشروع الاستقلالي الذي تقوده عائلة آل البرزاني واستخدام الورقة الكردية في المساومات الاقليمية كما يحدث مع الورقة الفلسطينية التي يستخدمها كل طرف ضد الاخر ويضربون الفصائل بعضها ببعض لإرضاء غرور ونرجسية هذا المحور او ذاك حتى اصبح بعض العرب يتآمر على بيع القدس التي حررها الكردي صلاح الدين الأيوبي لإسراىيل وإدارة ترمب مقابل الحصول على دعم أمريكي ليحكم زعيم بعينه بدل منافس آخر من عائلته او ليحمي آخر حكمه من الاسلام السياسي الذي تقوده جماعة الإخوان بدعم تركي قطري.
خلال 100 عام عانى الشعب الكردي من المؤامرات والدسائس الاقليمية والمذابح والاضطهاد العنصري الممنهج وكان يتم تبرير ظلم الكرد بمقاومة المشروع الصهيوني لتفكيك العالم العربي وحماية التجربة الاسلامية لنظام ولاية الفقية البدعة الثورية الخمينية ويتم شيطنة المقاومة الكردية وربطها بخطط صهيونية استعمارية لاحتلال العالم الاسلامي والعربي والتنكر لأدوار الكرد في تحرير القدس على يد صلاح الدين الأيوبي و التنكر لدور الأكراد في الحفاظ على الدولة العثمانية وتخفيف الاحتقان بينها وبين الدولة الصفوية و دورهم في تهدئة التمرد العربي على الدولتين الصفوية في أجزاء من العراق والعثمانية في الشام كل هذه الانجازات مسحت عمدا من الذاكرة الجماعية في منطقة الشرق الأوسط وتم استبدالها بشيطنة الكرد وربطهم بخطط الاستعمار والصهيونية تلك الاسطوانة المشروخة لتبرير قمع تطلعات الشعب الكردستاني العظيم.
وانطلاق مما سبق أصبح من الطبيعي ان يتوقع كل من يتابع القضية الكردية نتائج الاستفتاء ومآلاته لجهة قيام بعض الاحزاب بمسايرة العواطف الشعبية والترويج للاستفتاء حفاظا على مقاعدهم في البرلمان الكردي وبعد رفض نتائجه من طرف داعميهم الفرس وحلفائهم من أحزاب المشروع الفارسي يقومون بطعن التجربة الكردية في الظهر بتعاونهم مع قاسم سليماني وتسليم كركوك للحشد الشيعي ثم شن حملات تشهير تلوم القيادة على الاستفتاء وتصفها بالانانية وعدم الاستماع لنصائح دول الاقليم من أجل استئثارهم بحصة الكرد في محاصصة النظام العراقي الواقع تحت الوصاية الفارسية مثلما فعل سمير جعجع عندما خذل العماد عون عام 1989 وترك الجيش السوري يطيح به وينفيه إلى فرنسا طمعا في احتكار حصة المسيحيين في الحكومة اللبنانية الواقعة تحت وصاية سوريا آنذاك فكانت النتيجة سجن جعجع لأكثر من عشر سنوات بتهمة جرائم ضد الانسانية في الحرب الاهلية اللبنانية كما يقال أكلت يوم أكل الثور الأبيض وبعد عقدين عاد العماد عون رئيسنا للبنان بتفويض شعبي مسيحي.
خلاصة القول لقد وضع الاستفتاء القضية الكردية في مسار جديد وكشف للشعب الكردي معادن قياداته فعرف من يريد استقلاله ومن يريد ان يكون أداة كردية لمشروع فارسي ويحتكر حصة الكرد في عراق الوصاية الايرانية بالتحالف مع أحزاب شيعية فارسية الهوى قامت منذ وصولها للحكم بالقصاص من شعبها انتقاما لهزيمة الخميني في معارك الفاو والشلامجة وجزر مجنون وتجرعه السم وقبوله قرار مجلس الأمن 598 لقد عرف الشعب الكردي الخيط الأبيض من الأسود وعرفت القوى المؤيدة للشعب الكردي مع من قادة كردستان يجب أن يتعاونوا وأن مسعود البرزاني هو حامل المشروع الوطني الكردي الذي أسسه والده مصطفى البرزاني وأن استقرار منطقة الشرق الأوسط مرتبط بحق تقرير مصير كردستان بعيدا عن شعبوية المتاجرة بالقضية الفلسطينية وأنه يجب أن يصطف الجميع خلف القيادة التاريخية لآل البرزاني لنقل الشعب الكردي إلى بر الأمان والحرية المسؤولة .
*رئيس المؤتمر الوطني الأزوادي