الجريمة في سنجار(شنكال)

محمد قاسم (ابن الجزيرة)
ibneljezire@maktoob.com

لا يخفى على المرء- أيا كان- ما هي الجريمة..فكل خرق للقانون الأخلاقي أو الاجتماعي أو غيرهما يعتبر جريمة –بالغا ما بلغت طبيعتها-
الجريمة هي خرق للسلم الاجتماعي –الأهلي،وزعزعة لاستقرار الناس جماعات و أفرادا..
الجريمة هي سلوك يخالف الضمير الإنساني- بمعانيه المختلفة – سواء أكان ذلك الصوت السماوي الخالد –كما ينعته جان جاك روسو الفرنسي- أو كان الممثل العملي للعقل –كما يقول آخرون،وبالتحديد العقلانيين من الفلاسفة .

الجريمة خروج عن الطور الطبيعي لما يجب أن تكون عليه ممارسة الحياة..
هي صوت الشر وأداته ،تفعل في البشر ما ينزع عنهم اطمئنانهم وشعورهم بالأمن والأمان..
هي استجابة لنزوع الشر الكامن في نفوس لم تحسن اجتياز امتحان الحياة نحو تكوين نفسي متزن ومتكامل نعبر عنه بالشخصية..
الجريمة جهل وجهالة ونقص في المعرفة ،لا يمكن معها تقدير الأمور ونتائجها على نحو سليم –كما يعتبر ذلك الفيلسوف الإغريقي الكبير سقراط عندما يقول :لا يفعل المرء، الشر مختارا..(أي أن الذي يفعل الشر لا يعلم طبيعته ونتيجته،فهو مسوق إليها بدوافع لا تعي ماذا تفعل حقيقة..وان كنا نوافقه على المستوى الفلسفي إلا أننا لا نوافقه على المستوى التربوي والواقعي..فالتجربة تؤكد أن الكثير من السلوكيات الإجرامية غير خافية –في نتائجها وآثارها –على المجرم القائم بها..-وليس بالضرورة المنفذ،وإنما المخطط والآمر بها، وهو المجرم الأكبر والأخطر في حق الحياة والبشر ومهما كانت دوافعه، سياسية أو غير ذلك-ولنأخذ مثلا أولئك الذين يفجرون الناس في الناس-وهنا أقصد الدافعين إلى التفجير،وليس المفجرين أنفسهم وربما هم مجرد أدوات مغلوبة على أمرها بطريقة أو بأخرى –وان كان ذلك لا يعفيهم من تبعات سلوكهم الإجرامي –..!
الدافعون إلى التفجيرات ..و ليكونوا مثلا:ابن لادن، أو ليكونوا الجماعات المختلفة تحت تسميات مختلفة،ليكونوا الاستخبارات المختلفة لدول مختلفة –وأنا أرجح الدور ألاستخباراتي على الدور المغموس باسم الدين الإسلامي- فحتى هذه التسميات الإسلامية هي –برأيي- ترتيبات استخباراتية في حصيلة الأمر –وأيا كانوا –
وهذه الاستخبارات في بعض مراتبها-مستوياتها كأفراد- قد لا تكون واعية لما تفعل ،ولكن مصادر القرار فيها تعي ما تفعل تماما ،وتهدف إلى ما تفعل تماما،وتتصور ما سيكون من نتائج تماما…وإلا فلن تكون استخبارات ناجحة وفق معاييرها المعتمدة.
وهذه الاستخبارات تنسق مع حكومات وأجهزة حاكمة –مهما بلغ مستوياتها ،وقد تكون في أعلى قممها- ولذا فهي تمثل تنفيذ سياسة حكومية رسمية،لها أسسها ،ولها وسائلها،ولها أهدافها..!
الجريمة هنا ليست جريمة سرقة أو قتل في لحظة غضب طائش،أو فقدان للتوازن النفسي والسيطرة على النفس..!
الجريمة هنا جريمة منظمة مخططة لها ،وترصد لها الكوادر الذكية والأموال الكثيرة –بدون معايير محددة-سوى نجاح العملية الإجرامية..
هذه ليست أشياء غريبة عن فهم ووعي الناس-حتى البسطاء منهم –
لماذا ذكرتها –إذا؟
ببساطة لأن كتابة بيان تنديد ليس سوى سلوك سياسي متوقع،ولا يعني الكثير في الواقع سوى بعض تبييض للمواقف من هذا الطرف أو ذاك..
وببساطة لأن التأفف وإظهار التألم والتعاطف ليس سوى شعور في أدنى درجات الموقف والسلوك الإنساني..
الجريمة آفة ينبغي الوقوف عليها –أسبابها..

وسائلها..

أهدافها..

ونتائجها..الخ-
الجريمة مرض إنساني يستهلك من عالم البشر أرواحا..

أموالا..

منشآت..

ومكتسبات..وبناء حضاريا،وعمارة المستقبل…
لا يكفي أن نعتاد على ذرف الدموع، أو التأوه أو التنديد..
على البشرية أن تبحث في كل ما يتعلق بالجريمة بروح مسؤولة وليس على طريقة مجرم يجرم وشرطة تمسك بك تعذبه-وهي جريمة من نوع آخر يضفى عليه طابع الشرعية المغالطة- وتحجزه ،ثم ترسله إلى المحاكمة حيث يكون قد مر عبر سلسة من الابتزازات المالية وربما الاستخبارية ليحكم حكما غير عادل –قسوة أو ترفقا –وذلك مرتبط بمقدار ما يستطيع من التنفيع للمؤثرين في الحكم عادة.
الجريمة ثقافة –ربما قومية،ربما دينية،ربما كلاهما،ربما بدوافع اقتصادية،ربما..ربما..الخ
الجريمة ثقافة يجب  أن تعالج وان نبحث في طرق معالجتها كمجتمع بشري بجميع طاقاته وإمكانياته ومؤسساته..ما دمنا بشر ميِّزنا بعقل يفهم ويتحمل مسؤولية الكون حكما من بين الكائنات الحية.
ولا ينفع أن نخصصكم يا إخوتنا الأيزيدية بالبيانات المدينة والمثيرة للتعاطف..فلستم وحدكم الذين تعرضتم للجريمة –وإن كانت جرعتكم اكبر لكونكم كردا من جهة ولكونكم إيزيديين من جهة أخرى-ولكن الجريمة منظمة ولها آلتها الخاصة وطاقاتها التي تستمدها من ثقافة الإجرام الأصيلة..
يقيني ان هذه الجريمة ستشد من عزيمتكم للتمسك بحقوقكم،وتضييع الفرصة على أهداف مرتكبيها،وربما ستكون هذه الخطوة نقطة تحول مميزة في تاريخ وعيكم ومن ثم الأدوات النضالية التي ستعتمدونها في قادم الأيام لتحققوا ما حرمتم منه مئات السنين.
قلبي معكم..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…