عفرين بمرآة المحكمة الجنائية الدولية

عماد شيخ حسن
تزامناً مع مساعٍ جديرة بالتقدير لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا و الهيئة القانونية الكردية في نقل و إيصال حقيقة الأوضاع في منطقة عفرين إلى المحكمة الجنائية الدولية ، و تحديداً ما يتعلق بالجرائم و الانتهاكات الكثيرة و الخطيرة  التي يرتكبها الاحتلال التركي و الميليشيات المسلحة التابعة له هناك ، فقد رأينا من المفيد أن نتبادل بعض الآراء و وجهات النظر و الفائدة ,ولا سيما حول المدى الذي بامكاننا الوصول اليه في الاستفادة من هكذا خطوة  ، اذا ما اخذنا بعين الاعتبار وجود عوائق كبيرة تحول دون عقد و منح الاختصاص والولاية لمحكمة الجنايات الدولية في قضايا الجرائم في عفرين .
 لذلك سوف نلقي الضوء على بعض النقاط التي أرجو ان تكون الجهتان الكرديتان قد انتبهتا اليها و وضعتاها جيداً بعين الحسبان و الاعتبار كنقاط قانونية نراها هامة جداً و يجب إثارتها و الاستناد إليها  .
فكما نعلم بدايةً بأن المحكمة الجنائية الدولية  هي هيئة دولية مقرها لاهاي الهولندية ، تأسست في العام ٢٠٠٢ سنداً لنظام روما الاساسي ١٩٩٨  الذي  بدوره جاء سندا لقرار من الجمعية العامة للامم المتحدة في  العام ذاته .
وهي محكمة مستقلة بخلاف العدل الدولية التابعة للامم المتحدة ، و تختص بصورة اساسية في النظر بأربعة أنواع أو صنوف رئيسية من الجرائم و الانتهاكات الواردة في صكوك القانون الدولي و اعرافه و اجتهاداته و هي :
جرائم الحرب 
جرائم الابادة الجماعية 
الجرائم ضد الانسانية 
جرائم الاعتداء او العدوان (غير مفعّلة)
حيث تدخل كل جريمة  مرتكبة من تلك الجرائم  بعد تاريخ ١/٧/٢٠٠٢  ضمن اختصاص المحكمة و صلاحية النظر فيها ،  اذا كان الفرد المتهم بارتكابها ينتمي لدولة هي عضو صادق على نظام تإسيس المحكمة ،  أو اذا كان مكان ارتكاب الجرم يتبع لسيادة دولة هي عضو في نظام المحكمة ، أو اذا احيلت قضية ارتكابها الى المحكمة من قبل مجلس الامن في حال انتفاء الشرطين السابقين ، او اذا قبلت الدولة من تلقاء نفسها بولاية المحكمة في محاكمة افراد ينتمون اليها . و كل ذلك بشرط أيضا أن يكون  قد استُنفذت وسائل اللجوء الى المحاكم الوطنية او المحلية إو كان من غير الممكن او المحال لهذه الاخيرة أداء ذلك .
بعد عرض تلك اللمحة السريعة عن نظام المحكمة ، آن لنا أن نلتفت الى القضية أو مناسبة الخوض في هذا الموضوع أي عفرين ، ومن ثم تبيان العوائق و النقاط التي اسلفنا ذكرها .
فعفرين … تلك المنطقة التي هي حسب النظام القانوني الدولي جزء او اقليم يتبع لسيادة دولة هي سوريا ، و التي هي ليست طرفا في نظام روما الاساسي للمحكمة .
بالمقابل هذا الاقليم محتل من قبل دولة هي ايضا ليست عضوا او طرفا في ذاك النظام و هي تركيا .
و الثابت ايضاً في السياق ذاته بأن أفراد تلك الدولة المحتلة مارسوا و لا زالوا يمارسون ليس صنفا واحدا من الجرائم السابق ذكرها فحسب ، بل الاصناف الاربعة معاً الى جانب جرائم اخرى كثيرة ، وكل ذلك لا يحتاج الى كثير عناء للوقوف على يقين ارتكابها .
و تبعاً لذلك ..يبدو لنا  مما سبق أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك الولاية أو الاختصاص و حق النظر في الجرائم المرتكبة في عفرين و ملاحقة و محاكمة المسؤولين الاتراك وصولا الى اردوغان   تبعا لقواعد المسؤولية الجنائية الفردية و ايضا السوريين  المتهمين بارتكاب تلك الجرائم ، نظرا لانتفاء أبرز الشروط ….
فلا الدولتان سوريا و تركيا خاضعتين لولاية المحكمة ، و لا من احالة من مجلس الامن بهذا الشأن  .
لذلك و أمام ذلك العائق الكبير وقفت  الجنايات الدولية و غيرها طيلة سنوات الحرب في سوريا عاجزة عن اخضاع ما يقع في هذه الدولة من جرائم لاختصاصها .
الى أن فتحت قضية الروهينغا في ميانمار أمام المحكمة و أيضا امام السوريين أصحاب المصلحة بدورهم ، ثغرة أو منفذاً قانونياً يمكن إن تُتاح و يُتاح عبره الاختصاص و الولاية للمحكمة .
فبموجب البند (أ) من الفقرة الثانية من المادة (١٢) من نظام روما الاساسي يمكن للمحكمة ملاحقة المتهمين بتهجير مجموعات من الروهينغا قسرياً الى بنغلادش ، من منطلق ان بنغلادش هي دولة عضو في نظام روما و هناك جرائم ضد الانسانية اكتملت عناصرها الاساسية على ارض بنغلادش ، ألا و هي تجاوز المهجرين قسريا الحدود و دخول بنغلادش ، بمعنى وصول الجريمة الى ارض بنغلادش، حتى ولو لم تكن ميانمار موقعة على نظام روما .
و بالتالي وجد السوريون و وجدت المنظمات الحقوقية في ذلك حالة مشابهة لحالهم لجهة تهجير النظام لعدد كبير من السوريين قسريا الى الاردن كدولة  وحيدة متاخمة لسوريا هي طرف في نظام روما ، فتقدموا بدعاوى مماثلة للجنايات الدولية .
و لكن السؤال المطروح هنا ..كيف بالامكان الاستفادة من هذه الثغرة بالنسبة لعفرين امام غياب الحلول و حتى الحل الاردني فيها ؟ 
حقيقة و من خلال التمعن في  المادة المشار اليها من مواد نظام روما و قراءتها قراءة قانونية دقيقة و ايضا في الاجتهاد الجنائي اعلاه ، يتبين بأنه يمكن التسلل عبر هذه المادة و التمسك بها و توظيفها لخدمة السوريين الذين لهم مصلحة في هكذا دعاوى عموما و لخدمة اهل عفرين بصورة خاصة .
حيث أن عددا لا بأس بهم ممن هجّرتهم تركيا قسريا من عفرين  (جريمة ضد الانسانية و جريمة ابادة جماعية ) قد دفعهم ذاك التهجير الى قطع الحدود و البحار وصولا الى اليونان و غيرها من الدول مثل المانيا التي هي دول عضوة في نظام روما و مصادقة عليها ، و الأدلة كثيرة على ذلك ، حتى ان بعضا منهم قُتلوا برصاص حرس الحدود التركي و هم يعبرون الحدود الى تركيا و البعض الآخر ماتوا غرقاً بين اليونان و تركيا و البعض وصل .
و بالتالي يمكن التمسك بهذه الناحية القانونية و اثارتها .
على اية حال ..و حتى لو افترضنا جدلا بعدم جدوى و نجاح المرور عبر هذا المنفذ ، كون الاعتبار الغالب يكون للمصالح و السياسة اكثر من ارادة الاعتبارات القانونية ، و مع ذلك فإننا نرى يقينا بأن طرق باب الجنائية الدولية يبقي ايجابيا للغاية لعديد الاعتبارات ..اهمها : 
من الممكن ان يدفع ذلك بالمحكمة الى احالة القضية (اي قضية عفرين ) الى مجلس الامن و الطلب منها بمنحها الولاية فيها ، و التي حتى لو فشلت في الحصول عليها ، يبقى ذلك امرا ذو اثر بالغ لجهة ما يمكن اعتباره نوعا من الضغط و الحرج السياسي و الاعلامي وسواه لتركيا ، اضافة لحرج المجتمع الدولي ذاته عموما ازاء تقاعسه عن مسؤولياته  
كما يعتبر مجرد تحقيق اقل النتائج من هكذا مبادرة و في اسوأ الاحوال نصرا معنوياً على عالم متخاذل برمته ازاء قضية شعبٍ يتعرض لكل هذا الظلم و الاضطهاد  .
تم بعونه 
في ١٥/٣/٢٠١٩

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…