آلامٌ وآمـال

زاوية نقاط على حروف*
في غرفةٍ طينيةٍ يجلس بالقرب من مدفأة المازوت المُستخرج من النفط بطرقٍ بدائيةٍ التي تبعث الدفء في أرجائها المليئة بالحنان، يقلّب في يده المجعّدة التي تلوح من خلال جلدها الأوردة الزرقاء والتي اصفرّ سبابته من التدخين روزنامة العام الجديد، حيث يهمّ بالقيام بتعليقها مكان القديمة، تخاطبه زوجته والحزن يعتصر قلبها: ماذا ينتظرنا في هذه السنة، سوى المزيد من التشرّد والدمار والدم, ألم يهاجر أبناؤك، وابنك الوحيد الذي بقي إلى جانبك اُستشهد بسيارةٍ مفخخة ؟ أخذ ينظر إلى زوجته ورمق الروزنامة ثانية، فخلّفت دموعه غمامةً منعته من رؤية أوراقها، احتضنته زوجته مبتسمةً وبدموعٍ منهمرةٍ، أوَ تبكي يا حبيبي، وهل رُقّ قلبك؟
لقد هرمتَ حقّاً ونالت منك السنون؛ أجل أبكي على وطنٍ ناله الإنهاك ومرّت عليه ثمان عجاف، كانت كابوساً أشدّ وطأةً من الحلم الذي أجزع فرعون وأجمع أحبار الأمة لتفسيره وحلّه  فأسعف مصر يوسفها, نحن الذين يعيش بين ظهرانينا ألف يوسف، وكلّ يبكي مصلحته لا مصلحة وطني, ودخل ثراه جميع أنواع البزّات العسكريّة ورفرفت في سمائه أعلامٌ عديدةٌ، وكلٌّ يدّعي شرعيّة علمه دون الآخر, لكنّ وطني ما عجز عن إنجاب ألف حكيم مثل «بيدبا»، الذين رفضوا أن يهجر الشعب وطنهم لتبقى السلطة وحدها، وأبَوا الاستعانة بقوةٍ أجنبيّةٍ تجتاح الوطن، فيحولُ أعزّه أذلّه, بل اختاروا طريق موسى، حيث ناداه الربّ ليواجه أعتى الطغاة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، فما كانت السلطة بأكثر طغياناً من فرعون, لا بل اختاروا من المداخل أضيقها وتنكّروا لأنفسهم وحملوا صلبانه سائرين خلف المسيح, فما راق ذلك للسلطة من جهة ولا لتجار الحروب من جهةٍ أخرى، فكان الموفَّق بينهم قد أُهمل وتُرك وحيداً، هذا إن لم يُعدم أو يُقتل أو يُغيّب في الزنازين, يرفع رأسه مبتسماً ماسحاً دموعه قائلاً: سننفض عنك يا وطني غبار التعب وستنهض سليماً معافىً في أبهى حلّتك، وسيضفي نصوع الثلج بياضاً إلى قلوبنا، وسيمدّ أبناؤك أياديهم إلى بعضهم وستبقى لوحتك أنقى وأجمل.
كلّ عامٍ وأنت بخيرٍ يا وطني، وبنا نحن أبناؤك المسرّة.
* جريدة الوحـدة – العدد 305 – شباط 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* الحرب المدمرة التي استمرت 12 يومًا وصلت إلى “هدنة”. فما هي الخطوة التالية؟ هل سيتحقق ما يريده الشعب الإيراني ومقاومته، أي “الانتفاضة” و”الإطاحة بالديكتاتورية” في إيران؟ أين وما هي المعركة النهائية أو الحرب الرئيسية؟ هل هذه الحرب تقترب؟ من هو الفائز ومن هو الخاسر في هذه الحرب؟ ساحة الحرب! حتى الآن، ثبتت هذه الحقيقة: “الحرب الرئيسية”…

إبراهيم كابان تشهد سوريا اليوم تحولات دقيقة تعيد طرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الدولة، شكل الحكم، والعقد الاجتماعي الذي يُفترض أن يحكم التنوع السوري المذهبي والعرقي والثقافي. وبينما تستعيد الأذهان تجربة العراق بعد عام 2003، حين قاد الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر عملية الانتقال نحو نظام سياسي جديد، يبرز اسم رجل الأعمال الأمريكي اللبناني الأصل توماس باراك كأحد العقول…

د. ولات محمد تشهد الساحة السورية منذ زمن تسابقاً محموماً بين فئة من المنتمين لمكونات المنطقة على النبش في صفحات التاريخ بغية الإتيان بأدلة وبراهين تثبت أصالة شعب معين في هذه الجغرافيا وطارئية شعب آخر، وذلك لتسويغ استئثار الأول بكل شيء وحرمان الثاني من كل شيء وإلغاء وجوده من الجغرافيا ذاتها والتقليل من شأنه الحضاري. والسؤال الذي يفرض نفسه في…

إبراهيم اليوسف هكذا كان الطريق إلى القدس! -أحدهم- يعود سؤال صلاح الدين والكرد، إلى الواجهة، من وراء سياج ذاكرة الشجاعة والخذلان. الخذلان من قبلنا بحق هذا العلم العملاق، لاعتبارات قرائية خارج السياق الزمني، ومفاد هذا السؤال هو: لماذا لم يؤسس القائد الكردي دولة لقومه لطالما أنه أسس هده الإمبراطورية مترامية الأطراف التي يتباهى بأجزاء منها سواه، بل منهم من ينطلق…