شاهين أحمد
شهد عام 2018 الفائت أحداثأ هامةً على مستوى المنطقة والعالم، لن ندخل في أسبابها وتأثيراتها ونتائجها، بل سنركّز في هذه المساهمة على بعض الأحداث والمواقف والمحطات البارزة والمؤثرة في حياة السوريين عامةً، والشعب الكوردي في كوردستان سوريا خاصةً. نستطيع القول إنه خلال العام الفائت كانت الأحداث والمحطات برمتها تقريباً مؤلمة ومأساوية، خلفت الحزن والموت والخراب، ورفعت منسوب الكراهية إلى مستويات مخيفة، تنذر بمستقبل ملؤه العنف والصراع، بين مختلف مكوّنات المنطقة على حساب السلام والتعايش والبناء. وما كان إيجابياً من تلك الأحداث والمحطات لاتذكر. ويأتي في طليعة تلك الأحداث الاجتياح العسكري التركي لمنطقة عفرين الكوردستانية في كانون الثاني 2018، وبمشاركة الفصائل العسكرية السورية الموالية لها، والتي تنتمي في غالبيتها– الفصائل – لـ خندق الإسلام السياسي الراديكالي .
أدت عملية الاجتياح إلى نزوح وتشريد مئات الآلاف من أبناء شعبنا الكوردي من قراهم ومدنهم باتجاه مخيمات ” الذل ” الواقعة في ماتسمى بمناطق الشهباء بريف حلب الشمالي ، ومنع مسلحو حزب pyd وحلفائه من جهة ، وكذلك المتطرفين من الفصائل العسكرية المذكورة من جهة ثانية ، المدنيين من العودة إلى منازلهم، وتم إسكان عوائل المسلحين الذين استسلموا تحت مسمى “المصالحات” والقادمين من مناطق ماكانت تسمى بـ ” خفض التصعيد ” مثل الغوطة وشمال حمص ….الخ في قرى وبلدات عفرين ، وجعل pyd من المدنيين النازحين دروعاً بشرية لحماية بلدتي ” نبل والزهراء ” الشيعيتين من هجمات الفصائل السنية المتطرّفة التي دخلت منطقة عفرين وأصبحت على تخوم البلدتين الشيعيتين المذكورتين. كما كان لقرار الرئيس الأمريكي المفاجىء والمتضمن سحب قوات بلاده من سوريا ، ومنذ اللحظة التي نشر فيها ” تغريدته ” التي أحدثت زلزالاً في المنطقة وداخل إدارته ، تواردت ردود فعل متباينة بين المرحبة والمستغربة من شدة الصدمة، وسرعان ما ظهر سباق محموم من قبل أكثر من جهة وطرف ، من أجل الوصول إلى تلك المساحة الجغرافية الهامة من كوردستان سوريا، من أجل السيطرة عليها وملء الفراغ الذي قد تتركه القوات الأمريكية في حال إنسحابها. ما يجدر ذكره هنا مساعي الرئيس “مسعود البارزاني” وقيادة المجلس الوطني الكوردي وجميع الحريصين على الوجود الكوردي مع عواصم القرار لإبعاد شبح الكارثة التي كانت على وشك الوقوع . وبالمقابل كان القلق والارتباك واضحاً على قوات سوريا الديمقراطية، الأمر الذي أدى إلى حصول المزيد من اللقاءات بين النظام وحزب pyd، لإعادة تسليم كامل المنطقة إلى النظام ، بحجة قطع الطريق على أي هجوم تركي محتمل وتكرار سيناريو عفرين من جديد. وفيما يتعلق بترتيب البيت الكوردي، بقي الإخفاق سيد الموقف نتيجة تفرد حزب الاتحاد الديمقراطي وتعنته، واستمراره في الاستئثار بمقدرات الشعب الكوردي، ومحاربة حركته الوطنية التحررية، واستمراره في التحالف مع نظام البعث الشوفيني الذي تسبب في دمار سوريا واحتلالها، وسقطت المراهنات مرةً أخرى بخصوص الأزمة السورية. صحيح أن عام 2018 مضى، ولكن مصائب شعبنا لم تنتهِ وماصدر من بعض كبار اللاعبين من تصريحات بشأن الأزمة السورية تشير بوضوح إلى أن النزيف السوري سيستمر خلال العام الجاري، والأزمة ستتشابك خيوطها وتتعقد أكثر فأكثر ، وقد تكون هناك ترتيبات جديدة، ولكن دورالسوريين سيبقى محصوراً في الدائرة الهامشية نفسها. والأزمة السورية التي تتقاذفها الأمواج العاتية ، مازالت تطغى عليها مبدأ المقايضات بين اللاعبين المتورطين في مستنقعها، ولايزال أصحاب القضية الأساسية مغيبين عن تفاعلات هذه الأزمة، وكذلك الإرادة الأممية لازالت غائبة لجهة السير نحوعملية سياسية جادة وبرعاية أممية وفق بيان “جنيف 1″ لعام 2012 والقرارات الدولية ذات الصلة وخاصة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015 . وقد أشرت سابقاً وفي أكثر من مساهمة إلى سمة أخرى، لازمت المسيرة المأساوية السورية طوال ثماني سنوات ، وهي كلما ظهرت فرصة لحلحلةٍ أو تهدئةٍ في بقعة معينة من سوريا، فإن الامور تزداد تأزماً وتعقيداً في أماكن أخرى، ممّا يُفهم بأن مبدأ ” إدارة الأزمة ” مازال فاعلاً من أجل دوام العنف والصراع على حساب الحلول . لكن الترتيبات الأخيرة عموماً قد أرست فكرة صعوبة الحل السياسي، حيث نلاحظ أن كل ماجرى كانت تسويات محلية سياسية لصالح الخيار العسكري ، من خلال عمليات “القضم” المتواصل للأراضي . يبدو أن شروط الحل السياسي وبما يتوافق مع مصالح كبار اللاعبين لم تكتمل بعد . وفي الختام كي نحلم بأن يكون العام الجديد 2019 أفضل من العام الفائت، أوأقل سوءاً منه ،هناك جملة أسئلة تطرح نفسها بإلحاح شديد ومنها: ماالذي سنغيّره في أنفسنا وطريقة تفكيرنا ومنهجية عملنا وأساليب نضالنا وبنية تعبيراتنا وأدواتنا كي نتوقع الأفضل؟ . وماهي الآليات الجديدة التي سنقوم بإدخالها إلى سيستيم عملنا كي نتوقع الأحسن؟. أين أخطأنا كي نصححه؟. وأين أصبنا كي نرسخه ونعززه حتى نتمكن من مغادرة حقولنا صوب الأفق الإيجابي؟. هل نمتلك الجرأة الكافية كي نسمي الامور بمسمياتها، ونوصف الدواء الناجع للأمراض المستشرية في واقعنا كي نؤسس لمرحلة أكثر صحية ؟. كيف السبيل إلى قطع الطريق على عمليات ” التفريخ الحزبي ” في حقولنا وحواضننا كي نتخلص من الأرقام الوهمية في حالة حركتنا التحررية الكوردية في سوريا ؟. وكما تعودنا دائماً في شرقنا” لن ” تكون المراجعات موضوعية في غالبيتها ، لكن قد تكون هناك بعض المحاولات والمقاربات التي قد تلامس حافة الهموم وبعض القضايا الهامة ، لكنها ستكون قليلة وخجولة. المراجعات التي يجب أن تجريها نخبنا الفكرية والثقافية وحركتنا التحررية الكوردية في سوريا يجب أن تكون شاملة لمختلف نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والحزبية. علينا أن نوقف هذا النزيف المخيف وخاصة تلك المعارك العبثية التي تستنزف الأرواح والثروات، وتزرع الأحقاد، وتزيد من سوية الكراهية بين شعبنا والشعوب المجاورة. كي تكون مراجعاتنا موضوعية، علينا أن نفتّش، ونبحث عن المعايير التي نعتمدها في القياس، ونتوجّه على أساسها نحو حقول التغيير.