كابوس الهجوم على شرق الفرات

ماجد ع  محمد 
قد يفهم الكثير ممن يأخذون بما هو معلن عن الجهات المتضادة في الحرب النفسية القائمة في سورية إلى جانب الحرب الواقعية، ويصدرون بالتالي الأحكام على الأطراف المعادية بناءً على المشاحنات الإعلامية الساخنة، متخيلين بأن كرد شرق الفرات يعارضون الهجوم التركي على مناطقهم حباً بأتباع حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD)، أو تفضيلاً ضمنياً لنظام بشار الأسد على تركيا، إنما الأمر بخلاف ذلك تماماً، فهم تجرعوا الويلات من قَبل على يد شبيحة نظام البعث العربي الاشتراكي ابان انتفاضة قامشلو في 2004، كما لم تكن الإدارة الذاتية محط ترحيب من قبلهم، إنما ما يشغلهم هو الكابوس القادم إليهم مع تقدم القوات التركية صوب مناطقهم،
 وهي تصورات تشير إلى أن ما سيحصل لهم سيكون أسوأ مما تعرضوا له على يد النظام في 2004، وأردأ بكثير مما تعرضوا له خلال السنوات الأخيرة من حكم (PYD)، حيث أن أحد أهم أسباب الرفض هو ما عرفوه وعلموا به عما جرى بحق الأهالي في منطقة عفرين، من قبل الجهات العسكرية التي اعتمدت عليها تركيا في غزوة عفرين منتصف شهر آذار من العام المنصرم. 
ثم أن رفض الهجوم مبني على المخاوف المشروعة لسكان تلك المنطقة، ومبني على قاعدة أخذ العِبر مما حصل لاخوانهم في الأمس القريب، مبني على منطقية قراءاتهم القائمة على الوقائع الحية التي جرت في زمانهم المعاش، وحيث يقول العفرينيون بهذا الخصوص “أوَقع البلاءُ عليك أم على والدك” فيجيب المتسائل بل وقعت الواقعة عليّ أنا، وقعت الكارثة في زمني وليس في زمن أجدادي، وآية ذلك أن ما جرى في عفرين مَسَّهم بشكلٍ مباشر، وكان أكبر مساهِم لولادة تلك المخاوف، باعتبارهم كانوا شهود أحياء على كل ما جرى بحق سكان تلك المنطقة بناء على التقارير الكتابية، والمقابلات التلفزيونية، والاتصالات اليومية مع أقرانهم هناك، ولم يكن الأمر مجرد كلام عن ذكرى تكاد أن تتلاشى معالمها، ولا كان الكابوس من حكايا الزمن الماضي الذي قد ينساه المرء أو لا يتحمس لإحضار قصص ذلك الزمن بفضل البرودة التي غطتها تراكم السنين، إنما بالعكس تماماً، فعفرين حاضرة بقوة في معظم المجالس الاجتماعية والسياسية للكرد في عموم سوريا، فهي حاضرة بكل ما جرى فيها من الانتهاكات اليومية كالاعتقال المزاجي والنهب والسلب والسطو المسلح بالجملة بحق كل من يُشم منه روائح الانتماء للقومية الكردية، وليس بحق أنصار الاتحاد الديمقراطي (PYD) فحسب، كما يروّج البعض ذلك كذباً أفضح من عُرى أجساد النساء في لوحات عصر النهضة. 
كما أننا في شهاداتنا لا نعتمد ولو حتى على معلومة واحدة صدرت من قبل أنصار   (PYD) أو أتباع حزب العمال الكردستاني (PKK) ، إنما نأخذ مجمل المعلومات من أناسٍ هم بالضد من ذلك الاتجاه السياسي؛ وبعيداً عن التقارير الكتابية وعلى سبيل الذكر وليس الحصر، فإن معظم معارضي سياسة (PYD) الذين ظهروا على قناة Trt التابعة للحكومة التركية مع الرأي الذي نظهره للعلن، ومن بينهم الفنان الكاريكاتيري دارا ئستري، الذي أجرت معه القناة التركية لقاءً ساعة كاملة عُرض منذ فترة وجيزة، وهو المعارض بشدة لكل منظومة حزب العمال الكردستاني وروافده، ومع ذلك فقد طرح ئستري مؤخراً على صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” سؤالاً جاء على الشكل التالي: كم شخص لم يتعرض للاعتقال في منطقة عفرين؟ منذ بدء انتزاع المنطقة من يد (PYD)، ولم يقل الرجل كم شخصاً تعرّض للاعتقال الكيفي من قبل أدوات تركيا في عفرين، إنما قال كم شخصاً في كل المنطقة لم يتعرض للاعتقال، وهو ما يعني بأن الحملة على المنطقة كانت باسم محاربة (PYD) بينما عملياً وعلى أرض الواقع فهي بالدرجة الأولى كانت على الكرد، فكل كردي هو مشروع متهم، وكل كردي هو مشروع إدانة، وكل كردي هو مشروع اعتقال حتى ولو كان قد قضى شهوراً أو سنوات في سجون حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)!!!. 
عموماً لو كان هناك مشروع تركي توسعي ينوي ضم الشريط الحدودي السوري لتركيا، فكان من الأفضل لتركيا أن تتعامل بشكل حضاري مع سكان المناطق التي تنوي بسط سيطرتها عليها، وليس أن تطلق يد الفاسدين والخارجين عن القانون ومرتكبي الانتهاكات في تلك المناطق، وبالنسبة لموضوع التوسع فقد نقل الكاتب السوري عادل حنيف داوود، عن وزير الداخلية التركي سليمان صويلي، مما جاء في لقاءٍ مع قناة خبر تورك قوله: إن 62% من اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا هم من مناطق Misak’ı milli (الميثاق الوطني) وهي المناطق التي تعتبرها تركيا جزءاً ﻻ يتجزأ منها عندما أعلنت الجمهورية التركية، ولكنها انتزعت منها من قبل الإنكليز والفرنسيين؛ وهي وﻻية حلب العثمانية؛ وليست محافظة حلب الحالية، وأضاف السيد داوود أن وﻻية حلب العثمانية تشمل محافظة حلب الحالية وإدلب وأجزاء من محافظة الرقة ودير الزور وكامل الشريط الحدودي الحالي بين تركيا وسوريا.
على كل حال فإذا لم يكن الهجوم على مناطق شرق الفرات هو بهدف جعل تلك المناطق كحال أهالي عفرين من ناحية  تهجير سكانها وسلب ونهب ممتلكات أهلها، وإنما الغاية من الهجوم على تلك المناطق هو من أجل ضم كامل الشريط الحدودي إلى تركيا، كما يشير إلى ذلك الكلام المنقول عن وزير الداخلية  التركي، فمن يتسبب حقيقةً في إفشال ذلك المشروع هم ليسوا الوحدات العسكرية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، إنما هم بالدرجة الأولى الفرق العسكرية التي استخدمتها تركيا في عفرين، وتنوي استخدامها في شرق الفرات، وذلك من خلال ممارساتهم الميدانية التي جعلت من منطقة عفرين عبرة للمناطق الأخرى، ودعت الكثير من أبناء تلك المنطقة على ما تجرعوه على أيديهم منذ شهر آذار من العام الماضي يترحمون على أيام حكم (PYD)، فيما سكان المناطق العربية ومن وراء نفس الممارسات القميئة لمعظم العناصر الهمجية في صفوف الكتائب صاروا يترحمون على أيام النظام وداعش. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…