حسين جلبي
شهدت الأيام الأخيرة انقلاباً مفاجئاً في خطاب حزب الاتحاد الديمقراطي تجاه الأحزاب الكُردية السورية، وخاصةً تلك الأحزاب المنضوية تحت سقف المجلس الوطني الكُردي، الذي يخونه الحزب عادةً، ويقول بأنه جزء من مؤامرة الأعداء على “إدارته الذاتية الديمقراطية”، وكان آخر اتهام كبير وجهه الحزب إلى المجلس هو المشاركة في العملية العسكرية التركية في منطقة عفرين، رغم أنه ـ أي المجلس ـ من الضعف بمكان بحيث لا يمتلك صوتاً مؤثراً، علاوةً على عدم امتلاكه فصيلاً مسلحاً في المنطقة، وقد عمد الحزب إلى اختطاف أعضاء في أحزاب المجلس بشكل عشوائي، واخفاهم في ظروف قاسية، وفوق ذلك واظب على منع نشاط تلك الأحزاب وحرق مكاتبها.
فقد أعلن الاتحاد الديمقراطي بأنه تلقى مبادرةً من “المؤتمر القومي الكُردستاني ـ ك.ن.ك”، وهو أحد افرازات حزب العمال الكُردستاني التركي، تدعوه إلى العمل سريعاً على عقد “مؤتمر قومي كُردستاني” خاص بالأحزاب الكُردية السورية، وذلك “دون شروط مسبقة”، من أجل توحيد الصف الكُردي في سوريا، هذا رغم أن مصطلح “المؤتمر القومي الكُردستاني” أكثر شمولاً كما يُفترض؛ من الأحزاب الكُردية في دولة واحدة يتواجد فيها الكُرد، ورغم أن الحزب صاحب المبادرة يتنكر للقومية الكُردية ويُنكر على الكُرد تمسكهم بقوميتهم، لكنه يقول رغم كل ذلك بأنه سيقف على مسافةً واحدة من جميع الأحزاب التي ستشارك بالحوار، مع الإشارة إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو جزء من منظومة “العمال الكُردستاني”، ويعمل على تنفيذ أجندته في سوريا، والتي يأتي على رأسها محاربة الأحزاب الكُردية السورية، والعمل على القضاء عليها نهائياً.
تأتي دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي ـ العمال الكُردستاني ـ إلى المؤتمر العتيد، في أصعب الظروف التي تشهدها المنطقة، وذلك بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي ترامب عن قراره سحب قوات بلاده من سوريا، تلك القوات التي كانت القشة الوحيدة التي تتمسك به إدارة الحزب للبقاء عائمة، الأمر الذي صعَّد من منسوب التهديدات التركية بالقيام بعملية عسكرية في المنطقة، مماثلة لتلك التي نفذها الأتراك قبل أقل من عام في عفرين، من المؤكد أن الحزب عاجز عن التصدي لها خاصةً بعد تدهور وضعه، إلى درجة يكاد يفقد معها دوره وأهميته رغم قوته العسكرية الضخمة، كل ذلك في ظل صمت نظام الأسد، وهو ما يشي بقبوله بعملية عسكرية تركية، ومشاركته الأتراك الرغبة في تحطيم القوة العسكرية للحزب؛ أو تفكيكها على أقل تقدير بعد أن استفاد منها إلى أقصى الحدود، وأبعد من ذلك في ظل انسداد الأفق أمام الحزب، الذي كانت ممارساته خلال السنوات الماضية أحد الأسباب الرئيسية لما وصلت إليه الأوضاع من تدهور، حتى بات بالنتيجة عاجزاً عن الحصول على صفقة في حدودها الدنيا، يحفظ بها ماء وجهه على الأقل، خاصةً بعد أن أدارت له روسيا ظهرها، ودعته إلى القبول بتسليم مواقعه لنظام الأسد دون شروط.
إن توجه حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الأحزاب الكُردية السورية هذه الأيام، في الربع ساعة الأخيرة من العمر الإفتراضي لإدارته، التي تعاند جميع الظروف بقائها، مرتبط باستحالة استمرار تلك الإدارة بعد أن استنفدت غرضها، ولعل من الدلائل على إدراك الحزب لهذه الحقيقة والتمهيد للقبول بها، هو أن “الحرص على السيادة السورية والدفاع عنها” قد أصبح له الأولوية في خطابه، على حساب شبه غياب لـ”قصة تحرير المنطقة من نظام الأسد” التي بالكاد يذكرها، والتي اعتاش عليها طويلاً، وبرر بها التضحية بالكُرد على مذبح مصالحه الحزبية ومصالح الآخرين، وكذلك القمع الذي مارسه بحقهم. لقد سبق لحزب الاتحاد الديمقراطي وأن وقَّع ثلاثة اتفاقات مع أحزاب المجلس الوطني الكُردي في عاصمة إقليم كُردستان، ورغم أن الاتفاقات العتيدة كانت بالمحصلة لمصلحته، وشكلت اعترافاً من تلك الأحزاب بسيطرته على المناطق الكُردية السورية، ورغم أن أصوات تلك الأحزاب بُحَّت فيما بعد وهي تطالبه بتنفيذها، والكف عن سياساته التخوينية القمعية تجاه الكُرد، والعمل على تطبيع الأوضاع في المنطقة، إلا أن ذلك لم يلق استجابةً، وتبين بأنها ـ أي الاتفاقات ـ لم تكن سوى وسيلةً استعملها الاتحاد الديمقراطي لإلغاء الأحزب الكُردية نهائياً، والأحزاب نفسها جسراً للوصول إلى فرض نفسه لاعباً وحيداً يتحكم بمصير المنطقة ويمثلها.
إذاً، لماذا يتوجه حزب الاتحاد الديمقراطي إلى أحزاب المجلس الوطني الكُردي، مع الضغينة التي لا يخفيها تجاهها، ومع يقينه الكبير بأنها وصلت إلى أدنى درجات الضعف نتيجة ممارساته، وعجزها بالتالي عن تقديم يد العون له، وتعويم إدارته ثانيةً على فرض رغبته في ذلك؟ ولماذا سيُخرج منتسبي تلك الأحزاب من معتقلاته الآن، وسيسمح لها بافتتاح مكاتبها ثانيةً، بعد أن كان عمل فيها اقتحاماً واتلافاً وحرقاً، هذا رغم أن تلك الأحزاب بقيت على موقفها الرافض ترخيص مكاتبها من إدارته، ولن تعترف بإدارته كما اشترط عليها سابقاً؟. الواقع هو أنه وعلاوة على رغبة حزب الاتحاد الديمقراطي في إلقاء الكُرة في ملعب تلك الأحزاب، من خلال تقديم هذا التنازل غير المسبوق، وتحميلها المسؤولية عما سيجري سواء في حالة قبول عرضه أو رفضه، فإن خطوته تعتبر إشارة قوية على قرب قيامه بإعادة الملف الكُردي، بما فيه من منطقة كان استلمها من نظام الأسد إليه، وغنيٌّ عن القول أن النظام هو من سيتكفل بنفسه بشأن تلك الأحزاب ومكاتبها فيما بعد. وإذا كان حزب الاتحاد الديمقراطي قد رفع لوحده “راية النصر على النظام” يوماً، وأعلن عن تحرير المنطقة منه، فهو يبحث لنفسه اليوم عن شركاء في الهزيمة التي سيعلن عنها، وعن تنكيس راية “الإدارة الذاتية الديمقراطية” ولفلفة قصة التحرير، بعد أن جعل خيار الجميع الوحيد يقوم على القبول بأي شئ يختاره.
* موقع تلفزيون سوريا