هل ستنسحب أمريكا من المنطقة الكردية؟

د. محمود عباس
  فيما إذا أصبح القرار ساري المفعول ولم يلغَ أو يؤجل. ذاك ما كان يحلم به روسيا وإيران وخلفهما سلطة بشار الأسد، ويتمناه تركيا ومعها المنظمات التكفيرية التابعة لها والمحسوبة على المعارضة السورية، وصلى لأجله داعش والمنظمات التكفيرية الإرهابية المماثلة، القرار الذي ربما قصم ظهر الكرد في جنوب غربي كردستان وسيؤجل، فيما إذا نفذ، مسيرة حل قضيتنا القومية إلى عقود وربما لقرن أخر.
   السؤال المتوقف على جانبيه، السلبي والإيجابي مصالح العديد من الدول والقوى المعنية بالقضية السورية على الأقل، وسيؤدي إلى تغير موازين القوى والمعادلة، فيما إذا تم تنفيذ ما أمر به الرئيس دونالد ترمب. وقد تخسر أمريكا ليست مصالحها، والتي على الأغلب حصلت على أكثر مما ستحصل عليه في شرقي الفرات، بل هالتها كإمبراطورية في المنطقة. 
   يتبدى وكأن الأمر يتعلق بالخلاف الجاري بين الكرد وتركيا، حليفة أمريكا في الناتو، وعلى خلفية علاقاتهم القوية والمديدة، ولكن فيما وراءها تقف مصالح اقتصادية ضخمة، تتجاوز ما ستحصل عليه من الكرد وكل سوريا، فإلى جانب تسيير عملية بيع 120 طائرة أف 35، هناك حلم لترمب لتحقيق صفقة صواريخ الباتريوت يتوقع بيعها لتركيا مقابل الـ س 400 الروسية، والتخفيف على السعودية، مقابل صفقات تتجاوز الماضي، إلى جانب محاولة إلهاء المواطن الأمريكي على خلفية إخفاقاته الداخلية، لهذه وغيرها سيكون من السهل لترمب التخلي عن الكرد، بعدما لم نتمكن كقوى كردية من خلق ثقل دولي ما أثناء خدماتنا في محاربة داعش.
   في الواقع التصريح كان مفاجئا وثقيلا على شعبنا الكردي، رغم أنه كان متوقعا في حيز ضيق جداً، ولكن الأغلبية من المحللين السياسيين والمراكز الإستراتيجية الإخبارية العالمية، وحتى معظم رؤساء العالم، وبينهم بوتين ونتنياهو وحتى أردوغان تفاجئوا ومنهم من لا يزال يشكك في الأمر، وعلى رأسهم فلاديمير بوتين، وهنا علينا ألا نلوم ذاتنا كحراك كردي على ما قد سنسقط فيه لعدم صواب الرؤية والتحليل لما قد يصدر من الأمريكيين، أو التقييم المنطقي لقادم الأيام. 
 وبعيدا عن عدم التوقع، والمفاجأة، ولربما التحليل الخاطئ لمواقف الرئيس الأمريكي الغريب الأطوار، فالأبشع ما يتبين على الساحة العالمية والأمريكية خاصة، فبعد هذا الخبر الصادم، نادراً ما يتم الحديث عنا ككرد في المراكز الرسمية الأمريكية أو حتى بين سياسييها، كحليف لهم، بعكس الإعلام، أو عن قواتنا كرديف لقواتهم في المنطقة، أو يذكروننا كأمة تتقاسمها الدول المجاورة. كما ويتغاضون عن قضيتنا التي نكافح من أجلها على مدى قرن وأكثر، وكل ما يتم ذكره الأن وبشكل مفصل هو أن انسحاب قواتهم العسكرية البالغة عددهم 2000 عنصر، سيضر بمصالحهم في سوريا، دون اعتبار يذكر بما ستؤول إليه مصير الشعب الكردي في المنطقة، بغض النظر عن بعض المقالات وتقارير نشرت في القنوات الإخبارية كـ سي ن ن وفوكس نيوز، ولا يعيرون كثير اعتبار للقوة الكردية التي كانت تنظر إليها كحليف في حربها على داعش.
  وفي هذه المعمعة السياسية-العسكرية المفاجئة، والتي على الأرجح لن تتجاوز سابقتها، قلما يأتون على ذكر التضحيات الكردية الجسام على مدى السنوات الماضية، ولا يتذكرون أن الكرد قدموا الألاف من الشهداء، وعلى الأرجح أنه في الحوارات الدبلوماسية الجارية بين الإدارات الأمريكية، وخلال النقاشات الدائرة على الإعلام، من سي ن ن  إلى فوكس نيوز أو غيرها، يبحثون في كل الاحتمالات المتوقعة بعد الانسحاب أو البقاء، مع الاعتبار أن الكرد هم الأداة التي لن تتخلف عن أداء أية مهمة يكلفون بها، ولربما هذا التصغير ناتج لأخطاء الإدارة الذاتية، ولـ ب ي د دور في هذه الإشكاليات. ولكن قرار دونالد ترمب لم يبنى على الخلفية الإيديولوجية لـ ب ي د، بقدر ما هو انعكاس لمصالح أمريكا مع الدول المقتسمة لكردستان، وخاصة اتفاقياتها مع تركيا كدولتين في الناتو، ولهذا فهي عاملت جنوب كردستان الفيدرالي بنفس الطريقة.
  وجل ما يقلق الأمريكيين، ويركز عليه الإعلام والبنتاغون، أن طلب الانسحاب المعلن من قبل الرئيس دونالد ترمب على توتيره، ستؤثر سلبا على مصالح أمريكا الإستراتيجية، مع روسيا وإيران، وقد تؤدي إلى عودة داعش، بعدما تم القضاء عليها بمساعدة الكرد، وهنا يأتون على ذكر القوة العسكرية الكردية كأداة انتهت مهمتها، أو فاصلة لم يعد لها أهمية، وقلقهم انه قد تتكرر تجربة العراق، وكيف استفادت القاعدة من الفراغ الذي حصل بعد خروج القوات الأمريكية منها. 
وبالتمعن فيما صرح به دونالد ترمب وللمرة الثانية، وما يجري على الإعلام، والذي يعكس الكثير مما يجري في الأروقة الدبلوماسية الأمريكية، وما يصلنا بشكل غير مباشر، يتوجب علينا نحن الكرد أن نحصل على درس ولمرة في تاريخنا، وهي أننا يجب أن نثق بذاتنا، ونتعامل بالمثل مع الأمريكيين أو مع أية قوة تطلب خدماتنا أو تستخدمنا كأدوات، ونعرض أمامهم شروطنا مقابل كل خدمة، أو عند تشكيل أي حلف، ونحاول الحصول على بعض المكتسبات السياسية والدبلوماسية والعسكرية كأية قوة لها إمكانياتنا كأمة.
  وهنا فعلينا ألا نعتب على الأمريكيين أو على أية جهة نتعامل معهم لإهمالهم لنا، فهم مثلنا يبحثون عن مصالحهم، وعلينا أن نكون على دراية في كيفية الاستفادة من الظروف ومجريات الأحداث، فالسياسة معروفة أنها لا تخدم بل تسخر لبلوغ الغاية، والحكيم هو الذي يعرف كيف ومتى يعرض أو يطلب مقابل الخدمات وكيف يستغل الوقت.  
============ 
أين أخطأنا، وما يتوجب علينا، في حال تم تنفيذ القرار أو لم ينفذ:
 لننظر إلى بعض مجريات الأحداث، ونحكم على من يقع الذنب فيما تؤول إليه مصيرنا. ففي أذار الماضي صرح ترمب أنه سيسحب القوات الأمريكية من سوريا وبأسرع وقت، ولم ينفذها، على خلفية اعتراض البنتاغون، وتحت حجة داعش وإيران، بل بالعكس وبعد شهور، أزداد التدخل الأمريكي في سوريا، وتضاعفت عدد قواتها في المنطقة الكردية، وحينها تنفسنا الصعداء، ولم نقم بأية محاولة لدراسة تصريحه في حال لو تم حينها تفعيل ما أمر به، أو لتغيير أو حتى تعديل الواقع الجاري، ولم نحاول طرح الإشكالية الكردية مع تركيا أو سوريا أو مع المعارضة السورية على الأمريكيين، ولم نتمكن من تقديم طلب منطقي على أمريكا أو روسيا أو الأوربيين للاعتراف بنا كحراك سياسي، باستثناء محاولات حزبية هشة لم تمثل الشعب الكردي، وعن طريق مقابلات دبلوماسية بسيطة جدا لم ترقَ إلى سوية أمة صاحبة قضية، وبالتالي بقينا أدوات سهلة الاستخدام.
   وهو ما أدى إلى اليوم، حيث الكل يتخوف من التدخل العسكري التركي، إلى جزء من شرقي الفرات أو إلى كل المنطقة الكردية، وبرفقة المعارضة السورية التي تود التخلص منها، وذلك على خلفية التوتره الثانية لدونالد ترمب والتي أعاد فيها إحياء ما تم ذكره في آذار الماضي، قائلا فيها أنه لم يعد من أهمية لوجود القوات الأمريكية في سوريا، وعليها ان تخرج من هناك، والتي خففتها وزارة الدفاع بعد ساعات من التصريح ببيان يقول فيه أن الانسحاب سيعرض مصالح أمريكا إلى خطر حقيقي، وقد تعود داعش إلى الحياة ثانية، كما وأن روسيا ستستلم سوريا، وإيران ستتمدد بدون رادع، دون أن تعلق الوزارة على عدم صحة موقف الرئيس، فحتى لو أن البيان يوضح وبشكل غير مباشر أنه في أروقة البيت الأبيض تدور حوارات على الأرجح ستغير من موقف ترمب، لكن تخوف نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، وخروجه بتوتره يطمأن الشعب الإسرائيلي، تزيد من خطورة الموقف. لهذا يتطلب منا ككرد الكثير الأن، فحتى لو كانت خلف هذا الأمر لعبة دبلوماسية، لتهدئة أردوغان مثلا، أو ربما للتخلص من قوات الحماية الشعبية، أو تم تجميد الأمر إلى حين كما يروج الأن على الإعلام، يجب علينا القيام بعمل ما ووضع خطط مستقبلية، مثل مواجهة أمريكا وغيرها بشروطنا في حال بقائهم في المنطقة، وعقد اجتماعات كردستانية موسعة من كل القوى للبحث في هذه الأمور، والخروج ببيانات نعرض فيها مطالبنا في حال استمرار التحالف.
  وعلى الأغلب، المشهد المتوقع في الأيام القادمة، قد تكون كارثية، في حال لم يتم التراجع عن خطة الانسحاب، أو أنها ستكون كذلك إذا استمرينا السير على نفس الخطأ الذي سرنا عليه بعد التصريح الأول لدونالد ترمب، ومع صمت من البيت الأبيض، ودون أن يكون هناك سوى تعليق بسيط من المتحدثة باسم البيت الأبيض، بلا تعليل لخلفية ما تم نشره على التويتر، خاصة وأن وزارة الخارجية الأمريكية هنا لا تزال في الموقف المتفرج على ما يدور بين ترمب والبنتاغون، وعلى الأغلب أنهم على علم بما يصدر من إدارة أردوغان والإعلام التركي، وحيث التصريحات الطافحة باللغة الهمجية، والتهديدات، وأنهم سيقومون بذبح الكرد، وطردهم، وتدميرهم، وإحلال ديمغرافية أخرى مكانهم، وغيرها من الكلمات السوقية بحق الشعب الكردي.
   سنعود لنلوم ذاتنا قبل أمريكا، مثلما كنا نلوم بريطانيا وفرنسا بسذاجة على إهمالهم لنا، وفي الواقع معظمها ناتجة من قلة الإدراك والحنكة لدينا، وضعف البصيرة، وهذه ليست كلمات لجلد الذات، أو لتأنيب الضمير، بل لدراسة الماضي والحاضر، وأخذ العبر، فقد كان حريا بنا في السابق، أن نعرض شروطنا، كأمة، وليست كأحزاب، على قادة القوات الأمريكية، ومسؤوليها السياسيين في المنطقة كقوة سياسية وليس فقط  أداة عسكرية للخدمة، وقبل الاستمرار في محاربة داعش بعد إخراجهم من المنطقة الكردية، أو حتى في السابق أمام روسيا، أثناء مجريات تدخلها في سوريا، وصعود العلاقات معها قبل أن تحل تركيا مكاننا، وكان علينا أن نبحث عن أساليب نتمكن عن طريقها الحصول على الاعتراف بنا سياسيا، وبديمغرافيتنا، وحتى بجغرافيتها الممزقة، ويتم استقبال بعض وفودنا كهيئات لها قيمة في الأوساط الدبلوماسية، وعلى الأقل، بسوية المعارضة السورية التي كانت تستقبل من قبل رؤساء العالم.
  واليوم، وبعد هذه المشاهد الدرامية على الإعلام العالمي، نأمل أن نكون قد تعلمنا من مجريات الأحداث، أو أن نتعلم منها لوضع خطط منطقية لمستقبلنا. فبعد هذا اللغط الغريب، ما بين الضياع الكردي المتعلق بالوجود الأمريكي أو حضوره، أو أية قوة دولية أخرى كروسيا والتي كان من الممكن أن تكون البديل عن أمريكا اليوم، لولا بعض التحولات الدراماتيكية العسكرية والسياسية في المنطقة، تصاعدت الاحتمالات التي قد تؤدي بقضيتنا إلى التهميش ثانية، وخسارتنا لمعظم المكتسبات الموجودة، فالتدخلات الإقليمية ومصالحهم المرتبطة مع أمريكا، قضت بلحظة وبعدة أسطر على التويتر، على كل ما قدمناه من خدمات، ولا نستبعد أن يستخدموننا مستقبلا بالأساليب ذاتها، وبنفس التوجهات المتوافقة مع مصالحهم، فيما إذا لم نقم بعمل وطني واسع، كعقد جلسات قد تكون على مستوى مؤتمرات وليس فقط مؤتمر وحيد تشمل كل أطراف الحراك لتمثل الأمة الكردية، وندرس فيها إشكالياتنا الداخلية والخارجية، دون التطرق إلى وحدة الحراك، لئلا نتصارع فيها وننهيها بالاتهامات والتخوين، ولا بد من الاستعجال لبلوغ تفاهم على نقاط تهمنا كأمة مغلوبة على أمرها نخدم بها قضيتنا.
فمثل هذا التجمع ستسهل لنا محاولات فرض شروطنا على الدول الكبرى التي تستخدمنا كأدوات لمصالحهم وعلى رأسها أمريكا، ولست بمعترض أذا قمنا بتنويههم أننا قد نوقف كل الحراك العسكري، فيما إذا كان الانسحاب الأمريكي سيؤدي بنا إلى التهلكة، مثلما تحصل الأن في عفرينتنا الجريحة. 
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
19/12/2018م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…