نقاط المراقبة في شرقي الفرات.. مَن يراقب مَن؟!

إدريس سالم
إن نقاط المراقبة الأمريكية شرقي نهر الفرات في سوريا التي تقدِم عليها واشنطن، ليس لحماية الحدود التركية ولا لإنقاذ الوحدات الكوردية، التي تدير قوات سوريا الديمقراطية، بل لتأسيس وجود أمريكي دائم في مستقبل سوريا، لوجود النفط فيه، والموقع الاستراتيجي، والامتداد إلى التنف على المثلث الأردني السوري العراقي؛ لوضع حدّ للتواصل الإيراني السوري الذي يقلق إسرائيل والسعودية، أما تسونامي التوتر في شمالي سوريا بين أنقرة وواشنطن ليس إلا “تسونامياً إعلامياً”، إذ لا ثوابت أمام الأهداف.
تدرك تركيا جيداً أن أمريكا في خطوتها عن نقاط المراقبة ترمي لتوجيه أكثر من رسالة مشفرة تعنيها، مفادها أن أيّ مغامرة عسكرية تركية في شرق الفرات بعد الآن بدون ضوء أخضر منها، ستُواجه بخطوات أمريكية سياسية وميدانية عسكرية؛ فالوضع القائم اليوم في شرق الفرات يختلف تماماً عن غربه، فلولا الدعم الأمريكي لأنقرة حول إدلب لما كانت تركيا ستحصل على ما تريده في هذه المنطقة، ولما كانت موسكو سترضخ لتفاهمات سوتشي.
إن مسعى واشنطن من نقاط المراقبة في شرقي الفرات ليس لجعل تركيا تقبل بامتداد حزب العمال الكوردستاني عبر جناحه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، ولا لكسب المزيد من الوقت بهدف إنتاج سياسات جديدة، التي تنتجها في أزمة منبج، التي تديرها مع أنقرة ببطء وحذر، فعندما تنتج أمريكا سياسات جديدة لا تعطي أيّ قيمة لأحد. 
إن غاية واشنطن من نقاط المراقبة في شرقي الفرات ليست لتشكيل قوة مسلحة مدرّبة ومزوّدة بعتاد كامل لتأسيس دولة كوردية وحمايتها – كما يتزعّمه كل إعلام معادي لهذه الدولة – فلو بالفعل هذه غاية أمريكا فالأرضية كانت مواتية في العراق يوم دعت قيادة إقليم كوردستان إلى استفتاءها الطبيعي والشرعي، فلماذا هي وحلفاؤها وشركاؤها عارضوا الاستفتاء، وحاربوا الكورد بدبّاباتهم في كركوك؟!
إن هدف واشنطن من نقاط المراقبة في شرقي الفرات لا يتركّز على محاربة تنظيم داعش «تقع مهمّة محاربة داعش على عاتق الكورد!!»، ولا لقطع الطريق الكامل على المشروع الإيراني وتحجيمه، عبر محاولة ربط نفوذه في العراق بوجوده في سوريا، والاقتراب من ساحل البحر المتوسط، فأمريكا وإيران شريكتان سرّاً عدوّتان علناً.
تحدث عضو الكونغرس الأمريكي “توماس ألكسندر غاريت”، الذي زار شمال شرق سوريا، لمسؤولين في قوات سوريا الديمقراطية عن نقاط المراقبة الخمسة بقوله “إما أن تنسحب تركيا من سوريا، أو تخرج من الناتو.. العلاقة الأمريكية التركية انتهت”. إن هذا الكلام العاطفي لا يؤسّس لأيّ حالة خلق توازن بين الكورد والأتراك، وعلى الكورد ألا يعوّلوا عليه، فتركيا لن تنسحب من قوات الناتو، ولن تقبل أمريكا بذلك أيضاً، ولو في ظل التوترات والتطوّرات الراهنة، فكلّما عزّزت وجودها في سوريا وقوّت من شوكة الكورد فهو قد يؤدي إلى القطيعة الأمريكية – التركية.
يبقى السؤال:
هل نقاط المراقبة الأمريكية ستعيق عمليات تركيا ضد الكورد في شرقي الفرات؟ ومَن يراقب مَن؟ خاصة وأن شمالي سوريا باتت قضية أساسية في إستراتيجية واشنطن السورية والإقليمية معاً، أيفرض الكورد أجنداتهم ووجودهم وقضيتهم في المعادلات الدولية والإقليمية، وتأسيس مشروع مشابه لإقليم كوردستان، أم أنهم سيبقون أصدقاء للجبال والرياح؟!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…