صلاح الدين ومدفعية النوري!

مشاري الذايدي
لم يأتِ الممثل السوري عباس النوري بجديد وهو يهاجم شخصية الملك المسلم الشامي المصري، كردي الأصل، صلاح الدين الأيوبي.
هي جادّة سبقه إليها فئام من بعض المستشرقين، ومتعاطي المراجعات التاريخية من بعض المثقفين العرب، وبعض مستثقفي «الشيعة».
أولاً، صلاح الدين، مثل غيره من الشخصيات، قابل للنقد، وسيرته قابلة للمراجعة والاكتشاف.
شخصية صلاح الدين، يوسف بن أيوب، شخصية جدلية، وهذا مفهوم، فهو الذي أسقط إمبراطورية الفاطميين، وهو الذي حارب الجيوش الصليبية.
صلاح الدين شخصية تأسيسية، يؤرخ بما قبلها وما بعدها، فهو الإعلان الرسمي عن نهاية العصور الشيعية، بشتى تفرعاتها، بالشرق الأوسط، وهو مكرس الهوية السنية «رسمياً» بمصر والشام، ولا يعني هذا أنها كانت هوية مفقودة أو أقلية.
الملك صلاح الدين هو تتويج لمسيرة حافلة، كان فيها عماد الدين زنكي، وابنه نور الدين محمود، الذي كان صلاح الدين أحد قادته، ثم انفرد بملك مصر والشام وغيرهما.
الممثل النوري، كما نعلم، موالٍ لنظام بشار، وقد نفى عن نفسه أي شبهة طائفية دافعة له بنقد شخصية صلاح الدين، والحق حتى نكون منصفين للرجل، فإن جملة من المثقفين العرب (السنة) جرحوا شخصية صلاح الدين بأقسى من تجريح النوري، وأبرز وأقرب مثال هو المصري يوسف زيدان، الذي وصف صلاح الدين بالشخصية «الأحقر» في التاريخ!
عباس النوري نفى، خلال مقابلة مع إذاعة المدينة السورية، أن يكون صلاح الدين قد حرر القدس، بل هادن وأرجع اليهود لها!
واستعرض الممثل السوري روايته لكيفية انتقال صلاح الدين إلى مصر، التي قضى فيها على الفاطميين، وأن صلاح الدين «فصل العائلات الفاطمية، وقسمهم لرجال ونساء، ثم أهلكهم وذبحهم وأحرقهم».
طبعاً هذه خرافة عن صلاح الدين سبق أن فندها باحثون، بدليل بقاء شخصيات من أبناء الفاطميين لعقود بعد وفاة صلاح الدين.
كلام النوري، وهو من هو في انحيازه السياسي، وفي ظل الاحتراب الأهلي السوري، بنكهة طائفية، لا يمكن فصله وفهمه بعفوية، حتى لو كان الرجل صادقاً في نفي النزغات الطائفية من كلامه.
لذلك لم يكن غريباً أن يبادر صلاح الدين كفتارو، ابن مفتي سوريا أحمد كفتارو، وهو بالمناسبة أيضاً كردي الأصل، لنقد الفنان النوري، قائلاً له: «دع التاريخ يتكلم عن الأبطال، وليس أنت».
الفنان السوري الشهير علّل كلامه بالمطالبة بالجرأة: «في قراءة أنفسنا، إذا كانت غايتنا جميعاً بناء مستقبل أكثر معرفة ورحمة لأولادنا».
صدق الرجل، لكن هذا الطلب يجب أن يكون مجرداً من الهوى، والأهم من ذلك أن يكون نقداً ومراجعة «لكل» الشخصيات والأحداث؛
صعب فهم الأمور بعفوية في هذا الجو الخانق.
m.althaidy@aawsat.com 
صحافي وكاتب سعودي
————– 
الشرق الأوسط

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…