شاهين أحمد
منطقة ” شرق الفرات ” يقصد بها كامل المساحة الجغرافية التي تقع شرق وشمال شرق نهر الفرات بدءاً من الحدود الإدارية لمنطقة ” كوباني ” غرباً حيث دخول نهر الفرات إلى سوريا من طرف تركيا ، وإنتهاءً بمنطقة ” البوكمال ” التي تقع على الحدود السورية – العراقية حيث نقطة خروج النهر من سوريا ودخوله إلى العراق . وهي المساحة التي تحتل أهمية كبيرة اقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً وجغرافياً وذلك نظراً لوجود أهم السهول الزراعية الخصبة والمعروفة بإنتاج المحاصيل الزراعية الإستراتيجية كالقطن والقمح وغيرها من المحاصيل الزراعية الهامة الأخرى ، وكذلك وجود الجزء الأكبر من الثروة المائية السورية نظراً لمرورأهم أنهار الشرق الأوسط منها مثل الفرات ودجلة والخابور وجغجغ والبليخ …..الخ . ناهيكم عن أهم السدود السورية الإروائية والمنتجة للطاقة الكهربائية .
وكذلك وجود الثروة البشرية وتنوعها القومي والديني ووجود الكثير من المدن الهامة والكبيرة التي كانت مراكز محافظات مثل مدينتي الرقة و الحسكة ومدينة القامشلي التي صدرمرسوم جمهوري بجعلها مركزاً لمحافظة جديدة مع بداية إنطلاقة الثورة السورية في 15 آذار 2011 وكذلك الكثير من المدن الهامة الأخرى التي كانت مراكز أقضية ( مناطق ) مثل ( كوباني – عين العرب ) و ( كَري سبي – تل أبيض ) و ( سري كَانيه – رأس العين ) و( ديريك ) وبلدات ( نواحي ) مثل شيغلر و صرين و( عين عيسى – البوزانية ) والدرباسية وعامودا وتربي سبي وكَركي لكَي وجل آغا والشدادي ….الخ . وكذلك تأتي أهمية هذه المنطقة – منطقة شرق الفرات – كونها المنطقة الأغنى في سوريا لجهة غناها بأهم الثروات الباطنية واحتوائها على النسبة الأكبر من حقول النفط والغاز في سوريا .
مماسبق نلاحظ أن المنطقة المذكورة – منطقة شرق الفرات – هي المساحة الأكثر أهمية على مستوى سوريا عامة ، مما يعني أنها ستبقى عنواناً وعرضة للكثير من الصراعات من قبل أطراف محلية وإقليمية ودولية للفوز بها والسيطرة عليها . وهناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح على كل المهتمين للشأنين الكوردي والسوري هو : ماهي السيناريوهات المتوقعة لمستقبل هذه المنطقة ؟
السيناريو الأول: عودة النظام السوري والكشف عن وجوده بشكل علني ورسمي وبالتوافق مع حزب الاتحاد الديمقراطي pyd من خلال غطاء مايسمى مجلس سوريا الديمقراطي ( مسد ) وجناحها العسكري المتمثل بقوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) . نظراً لتوفر الأرضية اللازمة بسبب التحالفات ” القديمة – الجديدة ” القائمة بين المنظومة الأساسية لمركز القرار المتمثل بحزب العمال الكوردستاني pkk من جهة والنظامين السوري والإيراني من جهة أخرى . وإدراك pyd أن التوافقات بين القوى الدولية وتركيا قد تُمكِّن الأخيرة من إعادة تكرار سيناريو عفرين مرة أخرى في هذه المنطقة من جديد . لذلك ربما هناك شريحة لايستهان بها من ” الكورد السوريين ” في صفوف الفرع السوري لحزب العمال الكوردستاني يعتقدون بأن التوافق مع النظام السوري وإنْ بشروط ” متدنية ” عن سقف ماهو معلن من قبل الحزب مثل فيدرالية الشمال أو ماشابه ، أقل خسارة من تكرار تجربة عفرين . ومن جهة اخرى هذا السيناريو إذا تحقق يكون لمصلحة النظام أكثر من جميع الفرقاء الآخرين لجهة تمكين النظام السوري من رد الإعتبار لنفسه من خلال توسيع دائرة نفوذه وإعادة السيطرة على أغلب المناطق السورية .
وهذا السيناريو إذا كتب له النجاح سيشكل من جهة أخرى” نكسة ” مؤلمة لحزب الاتحاد الديمقراطي pyd وحلفائه وكذلك لسادته في قنديل ، وسيضع إشارات استفهام كبيرة وكثيرة عن أسباب تقديم عشرات الآلاف من الضحايا من أبناء وبنات شعبنا الكوردي ، وزعمه المتكرر – حزبpyd – بانه يحمل مشروعاً سياسياً متكاملاً وشاملاً لمختلف المكونات السورية في نطاق سيطرته ، وسيكون نتيجته عاملاً إضافياً من عوامل إضعاف وإنهيار الفرع السوري لمنظومة pkk .
السيناريو الثاني : توافق أمريكي- تركي على غرار ” صفقة منبج ” ويأتي هذا السيناريو في المرتبة الأولى لجهة حظوظه في إمكانية التنفيذ . وذلك كون الولايات المتحدة الأمريكية تريد المحافظة على وجودها في منطقة شرق الفرات ، إلى حين التوصل إلى “حل سياسي” للأزمة السورية كما تدعي ، وكذلك الإنتهاء من محاربة التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها منظومة ” داعش “، وتجفيف منابعها البشرية والقضاء على أسباب عودتها وانتعاشها من جديد . وبالتالي يستوجب على الأمريكيين في هذه الحالة امتصاص الاندفاعة التركية. ومن نتائج هذا السيناريو في حال تحققه سيكون إضعافاً للنظام السوري وحلفائه من الإيرانيين ومختلف الميليشيات الشيعية الأخرى ، وسيحرم النظام من موارد هامة جداً تحتويها هذه المساحة الجغرافية الهامة . وبالمقابل ” قد ” يمنح نجاح هذا السيناريو حزب العمال الكوردستاني pkk من خلال فرعه السوري المتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي pyd نوعاً من دوام الأمر الواقع والشرعية النسبية والإعتراف غير المعلن من جانب بعض الأطراف الدولية وحتى الإقليمية والمحلية ، وقد يساهم في إعادة الحديث عن نوع من تفعيل التوافق السياسي الكوردي – الكوردي في سوريا بضغوط ووساطة أمريكية، وربما يشكل مدخلاً لعودة تفعيل عملية السلام المستعصية بين حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب العمال الكوردستاني pkk في تركيا من جديد .
السيناريو الثالث: اجتياح عسكري تركي برفقة فصائل عسكرية من العرب السنة على غرار عملية غصن الزيتون في عفرين ووضع المنطقة أو جزء منها أمام حالة من الصراع المفتوح بين ماتسمى بقوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) من جهة ، وتركيا والفصائل العسكرية السورية الموالية لها من جهة أخرى . وبالتالي إعادة خلط الاوراق من جديد وحدوث موجات جديدة من نزوح المدنيين الموالين لقسد إضافة لشرائح واسعة أخرى ستعمد ” قسد ” لإخراجها من بيوتها على غرار ماحصل مع المدنيين في عفرين – الذين يعانون الأمرين في مخيمات الشهباء – لتشكل مشهداً مأساوياً من الناحية الإنسانية أمام الرأي العام العالمي لتشكل ضغطاً على القوى المهاجمة ، وإحراجاً للتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .
ويعتبر هذا السيناريو الأقل ترجيحاً في الوقت الحاضر على الأقل ولكنه يبقى وارداً إذا لم يتم سحب مبرراته ومعالجة أسبابه وكذلك لأهمية السيطرة على شرق الفرات التي تعتبرمسألة حيوية .
وهذا السيناريو في حال تحَقُّقه سيخلق مواجهة واضحة وضربة قاسية جداً ضد نفوذ ووجود واستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة بشكل عام ، وإضعافاً لها – للولايات المتحدة – في مواجهة مشروع إيران وبقية القوى الإقليمية المتحالفة معها من حزب الله والنظام السوري ومختلف الميليشيات الشيعية الاخرى . وسيشكل هذا السيناريو خلطاً للأوراق في أكثر من مكان وعلى أكثر من مستوى . وستجد قوى المعارضة السياسية السورية نفسها أمام تصدعات تنظيمية جديدة . وقد يكون هذا السيناريو سبباً في حدوث نوع من الحرب الأهلية في هذه المنطقة بدعم وتحريض من النظامين السوري والإيراني لدفع العشائرالعربية التي ” تشيعت ” ودخلت المذهب الشيعي خلال الأزمة السورية .
وختاماً نستطيع القول بأن أياً من السيناريوهات المذكورة في حال حدوثه وتحققه سيكون خارج إرادة السوريين وتعبيراً عن فشلهم – السوريين – في التوافق على صياغة مشروع وطني سوري ” يطوي ” حقبة الدكتاتورية والشمولية والمركزية ويؤسس لسوريا جديدة لكل السوريين وبكل السوريين .