أسطورتا التهديف.. وصراع الكلاسيكو

إدريس سالم
مرّة نجد ميسي غائباً، لإصابة أو عقوبة أو قرار أو إجازة، ومرّة يغيب رونالدو لذات الأسباب، وللمرّة الأولى وبعد أحد عشر عاماً يغيب أسطورتا الشباك والتهديف عن أكثر صراعات كرة القدم منافسة واحترافية ومشاهدة، إذ لم يحظَ كلاسيكو برشلونة وريال مدريد بهذه المتابعة الكبيرة إلا بعد انتهاء الحروب العالمية، حيث نشأت أول منافسة على أعلى مستوى في الخمسينيات بين ناديين، أصبحا اليوم مُصدّرين لمشاهد المتعة والإبداع والجنون في عالم كرة القدم. 
خلال البحث والاستقصاء عن تاريخ الألقاب والمنافسات بين برشلونة وريال مدريد، وتاريخ حكّام الإسبان، سيدرك القارئ كم أن السياسة ظلمت كتالونيا ونادي برشلونة، إذ يعود سبب المنافسة الشديدة والحسّاسة بين الفريقين لمنتصف الثلاثينيات، عندما تولّى الجنرال “فرانسيسكو فرانكو” حكم إسبانيا، وهو الذي أذاق أهالي كتالونيا شتّى أنواع القمع، قبل أن يعلن الحرب على إقليمهم، لوجود معظم معارضي حكمه هناك، فقبل حقبة حكم فرانكو عام 1939 فاز ريال مدريد بلقب الليغا مرّتين مقابل مرّة واحدة لبرشلونة، أما كأس إسبانيا ففاز ريال مدريد سبع مرّات وبرشلونة ثماني فقط. 
أما خلال حقبة حكم فرانكو بين عامي (1939 – 1975) فاز ريال بلقب الليغا خمس عشرة مرّة مقابل ثماني مرّات لبرشلونة، وفي كأس إسبانيا فاز الريال ستّ مرّات مقابل تسع مرّات لبرشلونة، أما سوبر إسبانيا فريال فاز فيها مرّة واحدة مقابل ثلاث مرّات لبرشلونة، فيما دوري أبطال أوروبا ففاز الريال بستّة ألقاب مقابل صفر لقب للكتلان. 
وبعد نهاية حقبة حكم فرانكو بين عامي (1977 – 2018) حصد ريال مدريد على ستّة عشر لقباً في الليغا مقابل سبعة عشر لقباً لبرشلونة، وحصد في كأس إسبانيا على ستّة ألقاب مقابل أربع عشرة لقباً لبرشلونة، أما سوبر إسبانيا فكان رصيد الريال عشرة ألقاب مقابل ثلاثة عشر لقباً لبرشلونة، فيما دوري أبطال أوروبا فاز فيه بستّة ألقاب مقابل خمسة ألقاب لبرشلونة. 
بالمقارنة، سنصل إلى حقيقة أن السياسة تلعب دوراً محورياً في الرياضة، أما تاريخياً، فالكفّة تبدو متقاربة جداً بين الغريمين، فمباراة يوم الأحد ستكون الرقم (238) في جميع مسابقات الكلاسيكو، فيما يحمل الرقم (176) في بطولة الليغا، إذ يتفوّق ريال مدريد بعدد الانتصارات بنتيجة (95) مقابل (93) للغريم الكتالوني، فيما تعادل الفريقان في (49) مباراة، سجّل ريال مدريد (399) هدفاً، فيما سجّل برشلونة (387) هدفاً.
وفي الوقت الذي كان يستعدّ فيه برشلونة للتعاقد مع اللاعب الأرجنتيني “ألفريدو دي ستيفانو”، ظهر ريال مدريد فجأة وخطف توقيعه من النادي الكتالوني، فتبدأ قصّة كلاسيكو الأرض من هُنا، حيث وصل دي ستيفانو إلى إسبانيا ليوقع لبرشلونة، قبل أن يكتشف في النهاية أن برشلونة اشترى نصف بطاقته والنصف الآخر اشتراه ريال مدريد.
ورغم الكم الهائل من النجوم الذين كانوا يلعبون في صفوف ريال مدريد وبرشلونة في تلك الحقبة، أمثال لويس سواريز الإسباني، وفيرينتس بوشكاش الهنغاري، وفرانشيسكو خينتو الإسباني، إلا أن المنافسة والعداوة كانت على أشدّها دائماً بين الأسطورتين ألفريدو دي ستيفانو ولاديسلاو كوبالا، وهو نفس السيناريو الذي تكرّر في الكلاسيكويات منذ سنوات بين الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كرستيانو رونالدو.
في موسم 2012، وعلى ملعب الكامب نو، وأمام ما يفوق الـ (400) مليون متابع عبر قنوات البث التلفزيوني، رفع (98) ألف مشجّع ومناصر كتالوني لافتات تحمل ألوان الأحمر والذهبي، هاتفين بكلمة واحدة «الاستقلال.. الاستقلال»، هذه الكلمة التي باتت مُباحة لبعض الدول، ومحظورة على دول أخرى، ومنها كوردستان والأمازيغ، التي يتعامل معها الشعوب العربية والإسلامية والفارسية بإنسانية، فيما حكّامها يتعاملون معها بدكتاتورية قمعية.
وفي موسم 2017، تقرّر عقد استفتاء شعبي لسكان الإقليم الكتالوني في إسبانيا، البالغين عددهم (7.5) مليون مواطن على الاستقلال، وهو ما اعتبرته الحكومة الإسبانية حدثاً غير شرعيّ، ولسبب لا يمكن أن يأتي من قبيل المصادفة، كان جدول الدوري قد وُضع بحيث يلعب برشلونة ضد لاس بالماس على الكامب نو في ذات اليوم، وبعد الصور المروّعة التي أتت من هناك لما يزيد عن (800) حالة إصابة بعد الاشتباك بين الشرطة الإسبانية والمواطنين.
رأت إدارة برشلونة أنه من غير المنطقي أن تُقام المباراة، لكن الاتحاد الإسباني أصرّ بإصرار من حكومتها وبقرار قمعي، وهدّد برشلونة بعقوبات في حال تأجيلها، وأن تأمين المباراة هو مهمة الشرطة الكتالونية، فرضخ النادي، لكنه قرّر عقد المباراة في ملعب بلا جمهور، في اِستادٍ بأبوابٍ مغلقة على سبيل الاعتراض، وفي الخارج كانت كتالونيا كلها تهتف «الاستقلال.. الاستقلال».
بعد أحد عشر عاماً من المنافسة والصراع والأضواء لم يتخيّل أحد أن يشاهد كلاسيكو الأرض بدون البرغوث الأرجنتيني ليونيل ميسي والدون البرتغالي كريستانيو رونالدو، ولكن هذا ما سيحدث اليوم 28 أكتوبر، في الجولة العاشرة من الدوري الإسباني، عندما يستضيف برشلونة على أرضه الغريم الأبدي ريال مدريد، بعد رحيل رونالدو من الأخير إلى نادي يوفينتوس الإيطالي في القارة العجوز.
إن إصابة ميسي في الجولة الماضية أمام إشبيلية، ستبعده عن الملاعب لمدة ثلاثة أسابيع، وبالتالي تأكيد غيابه عن الكلاسيكو؛ هذه المباراة التي ينتظرها الملايين حول العالم، ويترقّبها المحلّلون والنقاد والصحافة، وعادة ما تسيل أحداثها الكثير من الحبر، ويكون النصيب الأكبر من أحداثها لنجمي الفريقين، الأرجنتيني والبرتغالي، كيف لا وقد سجّل ميسي 26 هدفاً في مرمى ريال مدريد ليكون الهدّاف الأول في الكلاسيكو، بالمقابل سجّل رونالدو 18 هدف على برشلونة، معادلاً رقم “ألفريدو دي ستيفانو” الأرجنتيني المدريدي، ليفقد الكلاسيكو لاعبين هما من أفضل ما أنجبته كرة القدم، في العصر الحديث، والمشاهد هو الخاسر الأكبر.
منذ عام 2009 بدأت متعة كروية حقيقية، بوصول كريستيانو رونالدو لنادي ريال مدريد، وتوهّج ليونيل ميسي مع المدرّب بيب جوارديولا، لتصبح لقاءات الفريقين منذ تلك اللحظة أشبه بمعركة كروية طاحنة، يتنافس كلّ فريق بسلاحه المفضّل، فيسجّل رونالدو تارة ويحقّق الفوز لفريقه، ويتوهّج ميسي تارة أخرى وتتحطّم الأرقام بين قديمه، ويتمتّع المشاهد والمشجّع بوجبة كروية دسمة استمرت لتسع سنوات، ولكن هذه المرة لن تنصب الكاميرات الخاصة على أرضية الملعب لمتابعة كل لاعب على حدى؛ الآن سوف نفتقد لأصحاب الكرات الذهبية عشر مرات، ولن يتواجدوا معاً في هذا الصراع للمرة الأولى بعد أحدى عشر عاماً، فكيف سيبدو شكل وأحداث الكلاسيكو؟
خلاصة القول هو أن نجوم الملكي الإسباني يعانون من تخبّط واضح بعد رحيل الدون، وفقدان للهوية الهجومية والفاعلية، التي كانت أبرز ما يميّز الفريق الملكي، مع حالة من عدم الثقة في المدرّب الجديد “جولين لوبتيجي”، دون أن يجد حلولاً فعّالة لإعادة بريق الهجوم المدريدي، إذ يحتاج المدريديون إلى مهاجم مميّز، يقود الخطّ الأمامي بعد رحيل مهاجمهم البرتغالي.
فيما يعاني برشلونة أيضاً من أزمة غياب ليونيل ميسي، خاصة وأنه نجم الشباك الأول في البارسا، إذ لم يغب عن الكلاسيكو منذ (11) عاماً، وغيابه سيكون مؤثّراً أيضاً، فهو مَن يصنع الفارق لصالح برشلونة، بمهاراته الفردية وأدائه المهاري المميّز.
وتبدو قمّة ومعركة الكامب نو بمثابة فرصة ذهبية لبعض اللاعبين في غياب ميسي ورونالدو، وربّما تكون شاهداً على تألق لاعب موهوب مثل ديمبيلي وكوتينيو لإثبات جدارتهما بالتواجد في برشلونة بالمباريات الكبرى، كما أنها فرصة للثنائي إيسكو وأسينسيو، كما أن الفرصة مواتية للويلزي غاريث بيل من أجل تقديم مستويات رائعة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…