شاهين أحمد
أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء في إقليم كوردستان، ليلة السبت / الأحد من شهر تشرين الأول الجاري ، النتائج النهائية لانتخابات برلمان كوردستان التي أجريت في 30 أيلول / سبتمبر 2018.
حيث أكد رئيس المفوضية السيد ” هندرين محمد ” في مؤتمر صحفي مشترك في العاصمة هولير بحضور باقي أعضاء مجلس المفوضية، إنه ” تمت المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات ” . وبموجب النتائج النهائية المعلنة فقد فاز الحزب الديمقراطي الكوردستاني ( البارتي ) بالمرتبة الأولى وذلك بحصوله على ( 45 ) مقعداً في برلمان كوردستان ، وحل حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني ( يكتي ) بالمرتبة الثانية وحصل على ( 21 ) مقعداً ، وجاءت حركة التغيير ” كَوران ” بالمرتبة الثالثة وحصلت على ( 12 ) مقعداً، فيما حصل حراك الجيل الجديد على( 8 ) مقاعد، والجماعة الإسلامية على ( 7 ) مقاعد ، وقائمة نحو الإصلاح على ( 5 ) مقاعد، وقائمة (سردم) على مقعد واحد. – وقائمة آزادي على مقعد واحد .
وبالنسبة لمقاعد ” كوتا الأقليات ” البالغة ( 11 ) مقعداً فقد كانت النتائج كما أوضحه رئيس المفوضية على الشكل التالي : قائمة ” الرافدين ” حصلت على مقعد واحد، والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري حصل على مقعد واحد، وتحالف الاتحاد القومي حصل على ( 3 ) مقاعد، وحزب التنمية التركماني حصل على ( 2 ) ، وقائمة الشعب حصلت على مقعد واحد، وقائمة الإصلاح التركماني حصلت على مقعد واحد، والجبهة التركمانية حصلت على مقعد واحد، والكيان الأرمني حصل على مقعد واحد.
نحن نعلم بأن هذه الإنتخابات – إنتخابات برلمان كوردستان – هي الثانية عراقياً بعد إنتخابات البرلمان الإتحادي التي جرت في أيار / مايو الماضي – حيث فاز فيها الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالمركز الأول عراقيا على مستوى الأحزاب بأكثر من 25 مقعداً – وهي الأولى كوردستانياً بعد عملية الإستفتاء التي جرت في إقليم كوردستان العراق في 25 أيلول 2017/ سبتمبر ومارافقتها من ردود أفعال سلبية محلياً وإقليمياً ، وكذلك ماتبعها من حصار إقليمي وعراقي غاشم من خلال إغلاق المرافىء الجوية والمعابر البرية وكذلك ماتبعه من هجوم عسكري غادر للجيش العراقي وفصائل الحشد الشعبي الإرهابي وبمشاركة الحرس الثوري الإيراني وبإشراف مباشر من قبل قائد فيلق القدس الإيراني ” قاسم سليماني ” وأمام أنظار الأمريكيين وبتواطؤ وخيانة زمرة من الإتحاد الوطني الكوردستاني وبعض قيادات حركة ” كوران ” وكذلك عدد من قيادات حزب العمال الكوردستاني pkk .
فوز قائمة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الإنتخابات العامة العراقية للبرلمان الإتحادي وكذلك في إنتخابات برلمان كوردستان كان مفاجئاً وصادماً لمختلف الفرقاء الذين تآمروا على شعبنا عقب الخطوة الجريئة التي خطاها شعبنا بقيادة الرئيس مسعود البارزاني والتي تجلت في عملية الإستفتاء التي كانت أول محاولة جدية وجريئة وعلنية نحو الإستقلال من خلال ممارسة سلمية ديمقراطية شفافة ، وشكلت هذه العملية ( الإستفتاء ) من حيث نتائج التصويت الكاسحة 93% لصالح ” نعم للإستقلال ” وثيقة تاريخية هامة ومنجزاً سياسياً عظيماً في هذه المرحلة من نضال شعبنا .
من خلال مهرجانات الدعاية الإنتخابية لبرلمان كوردستان والتي صادفت ذكرى مرور سنة على مهرجانات دعم عملية الإستفتاء ، أكد الرئيس ” مسعود البارزاني ” وكذلك جميع قادة ” البارتي ” على صحة وصوابية عملية الإستفتاء وحق شعبنا في هذه الممارسة الحضارية ، وإصرارهم على مواصلة تلك المسيرة ، وحق شعبنا في تقرير مصيره ، بخلاف بعض القيادات من الأحزاب الكوردستانية الأخرى التي حاولت التنصل والتشكيك بخيار الإستفتاء وخلق حالة من الشك لدى الشارع الكوردستاني ، وتحميل الرئيس بارزاني مسؤولية الحصار وكذلك إحتلال كركوك وبقية المناطق الكوردستانية الأخرى ، في محاولة يائسة لذر الرماد في عيون أبناء شعبنا. لكن الشعب الكوردستاني لم تنطلي عليه هذه المحاولات وأكد من خلال نتائج التصويت على مستوى عال من الوعي بكل ماجرى .
وكان الفوز تأكيداً من شعبنا الكوردستاني بالولاء للرئيس مسعود البارزاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني كحزب وطني يؤمن بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والحرية الفردية وحق الأمة الكوردية في تقرير مصيرها إسوة بالأمم الاخرى ، هذا الحزب الذي ناضل وما يزال من أجل ذلك الحق وتلك القيم وفق منهج علمي وبالطرق السلمية والديمقراطية مستوحاة من تجارب الحركة التحررية للأمة الكوردية والتراث الوطني والنضالي للبارزاني الخالد مستفيداً من تجارب الشعوب التي حققت آمالها ، وذلك بما ينسجم مع واقع كوردستان والمنطقة ، وكان الحزب طوال أكثر من سبعة عقود عامل إستقرار وسلام ليس في العراق فحسب بل في عموم المنطقة . وبقي البارتي طوال مراحل نضاله المختلفة يعمل على توثيق علاقات الأخوة والتضامن والتعاون مع سائر الأحزاب والمنظمات الديمقراطية والسلمية والجاليات الكوردية لتحقيق الأهداف القومية المشروعة بالوسائل السلمية، ونشر ثقافة الحوار والتسامح داخل البيت الكوردي وتحريم اللجوء إلى القوة .
إن فوز البارتي بهذه النسبة الكبيرة وبفارق كبير على أقرب منافسيه ” يكتي ” الذي حصل على أقل من نصف المقاعد التي فاز بها ( البارتي ) كانت رسالة قوية إلى الأحزاب في الداخل الكوردستاني ودليل على صحة وصوابية الخيار السياسي للبارتي والرئيس بارزاني ، ورسالة قوية للأحزاب التي وقفت ضد عملية الإستفتاء ومن جهة أخرى هذه النتائج كانت بمثابة ” تعرية ” للزمرة الخائنة التي تسببت في إحتلال كركوك وبقية المناطق الكوردستانية التي تقع خارج الحدود الإدارية لإقليم كوردستان وتسليمها للحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني الإرهابيين .
بالرغم من البرنامج السلمي الذي يعمل من خلاله الحزب الديمقراطي الكوردستاني والرئيس بارزاني على الصعيد الوطني العراقي والذي يهدف إلى بناء مجتمع مدني يسوده القانون وتكافؤ الفرص ويتعايش فيه الجميع في سلام ووئام في ظل سلطة وطنية نزيهة وشفافة ملتزمة بالدستور، وتحقيق التعددية السياسية، وتداول السلطة سلميا. وارساء قواعد النظام الديمقراطي البرلماني الفيدرالي في العراق بالشكل الذي يضمن للعراقيين جميعا حق المواطنة كاملة، ويحفظ للعراق مكانته الدولية ويضمن استقلاله وسيادته واتحاده الحر، ويعمل من أجل المحافظة على المكتسبات والاستحقاقات القومية والسياسية والاقتصادية والثقافية لشعب كوردستان وتطويرها والتي تحققت عبر مسيرة نضالية تاريخية كانت ثمرة دماء البشمركة الأبطال وتضحيات شعبنا واستجابة لإرادته الحرة القوية. ويؤكد حرصه على احترام الدستور الفدرالي وضمان مشاركة الجميع في صنع القرار وتعزيز وترسيخ الوحدة الوطنية في إطار العراق الإتحادي ، إلا أن شركاء شعب كوردستان من المكون العربي لم يلتزموا أبداً بالدستور وعملوا على خرق الدستور في أكثر من مناسبة وتجاوزا أكثر من ( 55 ) مادة دستورية . فكانت هذه النتائج رسالة قوية إلى القيادات العراقية من غير المكون الكوردي ، بان ماقام به حيدر العبادي وبدعم ومشاركة من القيادات الشيعية وسكوت مريب من القيادات السنية وخرق فاضح للدستور العراقي الذي يمنع إستخدام القوة العسكرية للجيش العراقي وزجه في الخلافات السياسية ، وما نجم عنه من إحتلاله لكركوك وبقية المناطق الكوردستانية . بأن شعب كوردستان مع حزبه ويقف ويسير خلف قيادته الشرعية المتمثلة بالرئيس بارزاني .
وعلى الصعيد الإقليمي وبالرغم من سعي الحزب الديمقراطي الكوردستاني والرئيس بارزاني الدائم وحتى في أشد وأصعب المراحل النضالية المختلفة على تقوية العلاقات الودية مع الجوار الاقليمي وتعزيزها وفق مبدأ المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحل المشاكل بالطرق السلمية على أساس مبادئ القانون الدولي والتمسك بأهداف الأمم المتحدة ومبادئها واحترام المعاهدات والمواثيق الدولية في هذا المجال ، إلا أن الشركاء الإقليميين شاركوا حكومة بغداد في حصار الإقليم ومحاربته إقتصادياً وسياسياً وإعلامياً وكذلك قدموا الدعم العسكري اللازم لإحتلال كركوك وبقية المناطق الكوردستانية المشمولة بالمادة ( 140 ) من الدستور العراقي .
وبالرغم من أن إقليم كوردستان بشكل عام وبشمركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني بصورة خاصة وبإشراف الرئيس بارزاني شخصياً كان طرفاً ميدانياً أساسياً فاعلاً في محاربة الإرهاب وبالنيابة عن العالم أجمع في الوقت الذي انهار فيه الجيش العراقي بشكل كامل ، بينما حققت البشمركة النصرعلى الإرهاب الداعشي الأسود ، إلا أن الموقف الدولي لم يكن منصفاً للتضحيات الغالية التي قدمتها البشمركة ، ووقف المجتمع الدولي متفرجاً على المجازر التي ارتكبتها قطعان الحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني الإرهابيين بحق المدنيين العزل من أبناء كوردستان في كوركوك وبقية المناطق الكوردستانية .
فأتت هذه النتائج لتؤكد للدول الإقليمية وكذلك للمجتمع الدولي بأن الحصار وغض النظر عن ماحصل من إحتلال لكركوك وبقية المناطق الكوردستانية أمر مرفوض ، وأن شعب كوردستان متمسك بحقه في تقرير المصير ، ويؤكد الولاء لقيادته وأنه ليس نادماً على التصويت بـ ” نعم ” وبنسبة 93% لصالح الإستقلال .
وفي الختام هناك جملة من الأسئلة تطرح نفسها على جميع المهتمين بالشأنين العراقي والكوردستاني وفيما يلي بعضها :
ماذا يعني فوز البارزاني وهزيمة خصومه وخاصة ” الزمرة الخائنة ” التي تسببت في إحتلال كركوك وبقية المناطق الكوردستانية الأخرى ؟. ألا يعني هذا الفوز الكاسح والمبارك سقوطاً للخطاب الذي حاولت الزمرة المذكورة وحلفاءها من خلاله وصف عملية الإستفتاء بأنها كانت مغامرة غير محسوبة العواقب ومحاولة تحميلها ماحصل من إحتلال وحصار ؟.
هل سيشكل هذا الفوز بداية الإنحسار لخط الخيانة ؟. ألا يفهم من نتائج هذه الإنتخابات بأن المواطن الكوردستاني قرر أن يتابع المسيرة خلف قيادته المتمثلة بالرئيس مسعود البارزاني ؟. هل ستشكل هذه النتائج حافزاً للإتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير وبقية الكيانات والشخصيات في الخندق المقابل بضرورة مراجعة سياساتها وتحالفاتها المحلية والإقليمية ؟. ألاتعني هذه النتائج بالنسبة للقيادات العربية العراقية الشيعية والسنية في بغداد بأنه لايمكن أن يكون هناك إستقرار وسلام في العراق دون الأخذ بعين الإعتبار المحددات الثلاث ” الشراكة والتوافق والتوازن ” التي ذكرها الرئيس بارزاني في لقاءاته مع زعماء جميع الكتل والمكونات العراقية كأساس لأي حكومة وطنية ناجحة ومختلفة عن سابقاتها ؟. وأخيراً ألا تعتبر هذه النتائج رسالة كافية للدول الإقليمية والمجتمع الدولي بأن أية علاقة مع العراق أو إقليم كوردستان لايمكن ان تكتب لها النجاح إذا لم تأخذ بعين الإعتبار هذا الثقل الجماهيري وهذه الشرعية الشعبية للرئيس مسعود البارزاني ؟