إدريس سالم
أمريكا وإيران، ربحتا المعركة مجدّداً، ومَن يربح هو الحاكم الفعلي ولو خلف الكواليس. ربحتا في أن تحكما العراق، بحاكميهما بريت ماكغورك وقاسم سليماني، لتأخذا الأخضر الناضج الناجع لشعوبهما، وتمنحان اليابس النيئ الرديء للشعب العراقي، إذ نجحتا في ولادة قيصرية مشوّهة، لحكومةٍ عراقيّة تحمل البصمة الشيعية بامتياز، فهل تنجح حكومة غير شرعية دستورياً، ولدت من فضيحة مجلّجلة لانتخابات مزوّرة، حكومة غير متجانسة، اعتمدت المحاصصة الطائفية سبيلاً توافقياً لتشكّيلها، بعد صراعات وانشقاقات بين جميع قوائمها وكتلها؟!
إن النفوذ السياسيّ والأمني والمالي والعسكري لإيران أكبر بكثير من أيّ تأثير أمريكي، وهناك ما يشبه التسليم في واشنطن، بعدم قدرتها على فرض المرشّحين، الذين تفضّل فوزهم، فالتنافس الانتخابي كان مقتصراً بين حلفاء إيران كنوري المالكي وهادي العامري وبرهم صالح وحيدر العبادي ومقتدى الصدر، وبالتالي فلا وجود لمرشحين فعليين قادرين على تأمين المصالح الأمريكية أو مراعاتها، إلا أن إيران وأمريكا صديقتان حميمتان تحت الطاولة، وعدوّتان لدودتان فوقها.
في الجولة الأولى، وقف رموز مشروع 16 أكتوبر في مدينة السليمانية الجلالية، والجزء الأكبر من المكوّن السنّي مع الفريق المدعوم إيرانياً، لسببين، الأول، الخذلان الأمريكي وسياسة الابتزاز والإهانة لرئيسها التاجر دونالد ترامب «ادفعْ.. أحميك» للطرفين، والثاني، سقوط المحافظات بالنسبة للمكوّن السنّي، أما الكورد فأيضاً تخلّت عنهم أمريكا في كركوك ووقفت في وجه الاستفتاء، وفي كثير من المواقف السياسية، هذا الخذلان المستمرّ من قبل الأمريكان للقوى العراقية والكوردية ساعد في ترجيح القوة الإيرانية، واللجوء إليها، لسببين، عدم تخلّي الجانب الإيراني عن حلفائه مهما حصل، هذا أولاً؛ وثانياً المصداقية والوضوح لدى الإيرانيين في التعامل، وهذا ما جعل المكوّن السنّي يثق بالإيرانيين أكثر من الأمريكيين.
إن الصراع على انتخاب رئيس الجمهورية شكّل حلقة معقّدة، ليس الشعب بل لقيادة مصالح إيران وأمريكا وبريطانيا، إذ لم يستطع الكورد أن يتفقوا على مرشّح واحد، لسببين أساسيين، الانقسام الكوردي، بين مَن يعمل بوطنية لتقدّم كوردستان والارتقاء بالعراق العربي، وبين مَن يعمل وفق أجنداته ومصالحه الاقتصادية، وهو الانقسام الثاني بعد الأول في الاستفتاء، فالطرف المتمثّل بالحزب الديمقراطي الكوردستاني (البارتي) اتفق مع الطرف الأخر والمتمثّل بالاتحاد الوطني الكوردستاني (اليكيتي)، على سحب مرشّحهم برهم صالح من العملية الانتخابية، إلا إنهم دخلوا في تحالفات عديدة مع مختلف القوى العراقية وبضوء أخضر إيراني وأمريكي، متجاهلين الصيغة التي تمّ الاتفاق عليها بينهما، ولَم يفِ بما وعدوا به، فتنتهي الجولة الثانية بانتصار قاسم سليماني، فربحت السليمانية إيران، على حساب الإرادة والقضية الكوردية في إقليم كوردستان.
إن الرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ورئيس مجلس النوّاب محمد الحلبوسي في ورطة حقيقية وتحدّ كبير وعقيم، بأجنداتهم وتكتلاتهم وانتماءاتهم، قد يقودون العراق إلى حرب أكثر دماراً وخراباً، بسبب الصراع على المكاسب والمغانم والاستحواذ والتفرّد بالسلطة، كقوة تساعدها في الإجهاز على ثروة وسلطة العراق، والتحكّم بها حسب أهوائهم ولتنفيذ أجندة إيرانية أمريكية واضحة لا تخطئها العين، والدليل التدخل الإيراني والأمريكي المباشر والعلني في حضور قاسم سليماني إلى بغداد وبريت ماكغورك في هولير، والضغط والتهديد لرموز الأحزاب التابعة لإيران بضرورة التحالف وتشكيل حكومة تابعة لها، وهكذا الإدارة الأمريكية تعمل الشيء نفسه.
هل المهدي والحلبوسي قادران على مراعاة معاناة العراقيين النازحين والمهجرّين، وآلاف الشهداء وعوائلهم، التي لم تأخذ استحقاقاتها القانونية، والمدن المدمّرة، وخطر داعش النائم على أطراف المدن، وسوء كبير في الخدمات والأوضاع الاقتصادية، والفساد المرعب في مفاصل السلطة، والفشل الإداري المُزمن في الوزارات والدوائر، لتتقاتل فيما بينهما على المناصب والمغانم، وتعيد العراق إلى حرب أهلية، بمربّعها الأول، بعد القضاء على أخطر وحش يهدّد العراق والمنطقة والعالم بالفناء؟
هل برهم صالح يعي ما يحتاجه أبناء إقليم كوردستان، من تطوير التعليم، وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة والعمالة، والمطالبة بهدم حكم الإقليم من خلال إدارتين حزبيتين، وتشكيل إدارة كوردستانية موحّدة، والتقارب الفعلي والعملي الجاد بين الحكومة الكوردية وحكومة المركز، لوضع حلّ نهائي للمشاكل العالقة بين هولير وبغداد، والمتمثّلة بالميزانية العامة والأراضي المستقطعة من كوردستان، والتي يتحكّم بثرواتها إيران وأمريكا؟
إن المحيط الإقليمي والمحلي الذي يعيش فيه برهم صالح في وادِ، وخطابه النظري في وادٍ آخر، هذا لو كان خطابه نابعاً من الفكر السياسي والمنطق العقلي، وليس لكسب أكثر الأصوات الممكنة لنيل الرضا الإيراني أولاً والعراقي العربي ثانياً، وثالثاً رضا حزبه الذي انشقّ عنه، بعد أن ترك حزبه الخاصّ به، ضمن صفقة اقتصادية واضحة، ونصراً مؤزّراً للاتحاد الوطني الكوردستاني على الديمقراطي الكوردستاني.
خسرت بغداد عراقها الرشيد والحضاري، ولمدّة قرن آخر، طالما الغرباء وضعوا طاقماً عراقياً جديداً، على مقاسهم ووفقاً لأهوائهم، ليس حبّاً بالعراق ولا العراقيين، بل لتنمية شعوبها وازدهارها، فالوضع العراقي الراهن مأساوي، والأوضاع الأمنية والسياسية والحياتية فيها شيء لا يحسد عليه، ولا يمكن وصفه إلا بالكارثية، إذ صار نزف الدم العراقي نهراُ ثالثاً مرادفا لنهري دجلة والفرات، حيث القوي يأكل الضعيف، وتسرح الذئاب البشرية معلنة هيمنتها على المجتمع العراقي.
وربحت السليمانية مجدّداً إيرانها الطائفي الاستبدادي، على حساب أعواد المشانق التي تقبّل يومياً عِناق الشبّان والشابّات الكورد في شرقي كوردستان، ودماء (5000) آلاف من شهداء حلبجة، وأكثر من (180.000) ألف شهيد من الأنفال، وبناء مشروع لها في كركوك وتشريد أبنائها الكركوكيين ومطاردتهم من قبل الحشد الشيعي الشعبي والدبّابات الأمريكية، ربحت إيرانها المقدّس والعظيم، وخسرت كوردستانها وجلالها، فهل إقليم كوردستان سيشهد انقساماً آخر عند تشكيل الحكومة، أم أن قادتها يعملون على تحجيم دور كلّ مَن وقف في وجه الاستفتاء، من الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير؟