ديمقراطيّون معهم، وديكتاتوريّون معنا

إدريس سالم
قد يكون حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) حزباً قمعياً لاذعاً بممارساته تفرّدياً شمولياً بقراراته، إذ يُقصي كلّ مَن يخالفه في قرار أو يحاربه في اختلاف فكري أو يساومه على حدث سياسي، بشهادة أنصاره ومعارضيه، لكنه ليس حزباً إرهابياً، ومن الإجحاف مقارنة معتقلاته بمعتقل غوانتانامو الأمريكي في كوبا أو سجونه بسجن أبو غريب العراقي، وكلّ كوردي غيور على مصلحة شعبه وقضيته يدرك هذه الحقيقة ويرفضها، في حين الكورد في غربي كوردستان مقتنعون بأن هذا الحزب بات ثوراً عليهم وفأراً مع أعدائهم، حيث رقعة المطالبات والاحتجاجات تكبر يوماً بعد يوم، وتدعو إلى أن يكون هذا الحزب أسداً على أعداء الكورد، وسنداً لحمايتهم.
للشارع الكوردي، قراءاته وتحليلاته، فهي إمّا عاطفية مبنية على التقديس أو الحبّ المُفرط، الذي يكنّه لقائد ما، مما قد يملؤه حقداً وكرهاً وعنفاً لكلّ مَن يعارضه في أهوائه وهواجسه ومعتقداته، أو واقعية عملية تستند على الحقائق الموضوعية والمعلومات المنطقية، فهناك مَن يقرأ سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي على أنها نموذج من نماذج الإرهاب الدارجة في الشرق الأوسط، من تخوين كلّ مَن يعارضه، واللعب على الوتر القومي الحسّاس، واختلاق المعارك الجانبية، وشراء الذمم، وملاحقة وخطف واعتقال واغتيال الناشطين السياسيين والمناضلين الكورد، وهناك مَن يقرأ سياساته على أنه حزب سوري وطني مُستقل، يمارس العمل السياسي بحالته الطبيعية دون تبعية وارتباطات وإرضاءات إقليمية، وأنه يعمل على تطوير مشروعه المُعلن في وقت سابق «الإدارة الذاتية الديمقراطية»، والنهوض به إلى مستوى آخر واستبداله بمشروع «الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا».
تطلق جهات عسكرية وأمنية تابعة للإدارة الذاتية «ديمقراطيتها لغيرنا وديكتاتوريتها لنا»، بين الحين والآخر، سراح عناصر من تنظيم داعش الإرهابي، المجنّدون والمدعومون من استخبارات إقليمية ودولية، تحت ذريعة أنهم من الأجانب المهاجرين أو من أبناء العشائر العربية، وأنهم تابوا وقدّموا وعوداً في ألا ينضمّوا للتنظيم مجدداً، هؤلاء العناصر المشاركين بفعالية مهووسة في عمليات تفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة أو داخل سيارات مصفّحة مفخّخة في المناطق الكوردية المأهولة، ليخلّفوا دماراً وخراباً في بُنيتها التحتية، فيستشهد المدنيون والعسكريون بأعداد كبيرة، أما الكوردي الذي يشاركه في حلّ القضية سياسياً ومساعدة الشعب اجتماعياً ومعيشياً، فيبقى في سجونه ومعتقلاته، دون أيّ رادع قومي أو إنساني. 
في الصورة التي تداولتها وسائل الإعلام الاجتماعية الخاصّة بإطلاق سراح عناصر تنظيم داعش يقول المهندس والناشط الكوردي “إسماعيل درويش” في صفحته على الفيس بوك: “للوهلة الأولى وأنت تنظر إلى هذه الصورة، تعتقد بأنك في مركز ثقافي يجمع المثقفين والكُتّاب والساسّة، لحضور ندوة ثقافية أو حفل توقيع كتاب حديث الإصدار، أو حوار حول القضية الكوردية أو السورية، وربّما تعتقد بأنك أمام اجتماع لتوحيد الرؤى السياسية بين الأحزاب الكوردية أو مبادرة نيّة، والإفراج عن المعتقلين الكورد في سجون الإدارة الذاتية”.
ويضيف درويش: “لكن ومع قراءة الخبر العاجل بلهفة تكتشف بأنك أمام مبادرة حسن نيّة من الإدارة الذاتية في الإفراج عن العناصر الإرهابية لتنظيم داعش، والذين تمّ القبض عليهم في ساحات المعارك، وهم يدمّرون مناطقنا ويقتلون خيرة شبابنا وبناتنا، هي عملية إفراج عن مدمّري كوباني ومنبج والباب والرقة والدير الزور، والأهم من كلّ هذا هي عملية إفراج عن العناصر المدعومة من أردوغان، هذا الأردوغان الذي ما زال يعتقل PYD بسببه العشرات من خيرة الشباب الكوردي، الأهم أن مَن يحتلّ عفرين هو أردوغان نفسه، الذي يدعم هؤلاء العناصر الذين أفرج عنهم إدارة PYD الذاتية الديمقراطية”.
بالمقارنة بين المعتقلين الكورد ومعتقلي عناصر داعش في سجون الإدارة الذاتية، يُبادر إلى ذهن القارئ أسئلة محيّرة غريبة، تحتاج إلى إجابة موضوعية وواقعية بعيدة عن لغة التخوين والتهم الشنيعة، سواء من قيادات الإدارة الذاتية أو المجلس الوطني الكوردي: هل عبد الرحمن آبو «المُعتقل للمرّة السابعة» أخطر من داعش وأخواتها، حتى تمّ اعتقاله بحجّة أنه من حزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا؟ هل عناصر داعش أكثر قيمة وأهمية لدى PYD من المعتقلين الكورد، حتى أفرجوا عنهم وقدّموا لهم الفاكهة والحلوى، عربوناً لتلك المبادرة التي أقلّ ما يقال عنها بأنها إنسانية؟ ماذا فعل حزبا «يكيتي الكوردي والديمقراطي الكوردستاني – سوريا» حتى يكون لهما النصيب الأكبر من الاعتقال والاختطاف والنفي والتخوين؟ أليس عناصر تنظيم داعش هم عناصر إرهابية مدعومة من أردوغان وحزبه؟ أليس الأوْلى أن تطلق سراح المئات من المعتقلين الكورد من سجونها بدلاً ممَن دمّروا الكورد ومدنهم؟
بدوره – وخلال تصريح – برّر القيادي في قوّات سوريا الديمقراطية “شيار حاج فتاح” إطلاق سراح عناصر داعش بقوله: “شعارنا بُني على أساس التسامح وأخوة الشعوب والإنسانية، ومن هذا المبدأ نطلق سراح هؤلاء الموقوفين”، إن هذا الكلام ضروري ومهمّ جداً، فالثورة السورية ومنذ يومها الأول كان شعارها إنسانياً بحتاً، وفكرة PYD تدلّ على حالة إيجابية بين المكوّنات العرقية والدينية في غربي كوردستان، في المقابل لماذا لا يكون شعار أخوة الشعوب مع المعتقلين الكورد أولاً؟ لِم عناصر داعش تمّ توصيفهم بالموقوفين، فيما معتقلي الرأي والقادة السياسيين من الكورد إما مختطفين أو منفيين أو مخوّنين، بتهمة بيعهم عفرين إلى تركيا، إذ العقل يقول بأن هناك فرق بين مَن يحاربك بقلمه من باب حرّية الرأي ونشر الوعي والفكر الحرّ، وبين مَن يحاربك ببندقيته المليئة برصاصات الإرهاب والعنف والاضطهاد.
أما القيادية في الإدارة الذاتية “سمر العبد الله” قالت خلال مراسم إطلاق سراح المعتقلين: “نحن شعب مسالم وديمقراطي على مبدأ أخوة الشعوب والتعايش المشترك، لطالما كان هدفنا واحداً وهو حماية وطننا ضدّ الأعداء الذين يحاولون النيل من حالة الأمن والاستقرار التي ننعم بها”، مطالبة: “وعلى المفرج عنهم اليوم، أن يتعظوا ويبدؤوا صفحة جديدة، بإرادة وتصميم أكبر لخلق حياة حرة كريمة”. أتساءل: هل المعتقلين الكورد ديكتاتوريون يقفون بالضدّ من أخوة الشعوب والتعايش المشترك؟ لماذا يعتبرون عمل المجلس الوطني الكوردي مع الائتلاف السوري عملاً مناهضاً لحقوق الكورد في الحرّية والاستقلال؟ لأجل ماذا كلّ هذا الخوف والرعب من الحركة القومية الكوردية؟
هناك عشرات المبادرات تمّت حتى الآن، لإخلاء السجون وتبييضها من داعش، والهدف الأساسي كسب ودّ العشائر العربية وجهات خارجية، خوفاً وتحسّباً من تحدّيات داخلية بين الكورد والعرب، وهذا بالشيء الإيجابي، ولكن ماذا عن العشائر الكوردية القادرة على تبييض سجون ومعتقلات الإدارة الذاتية من مناضليها وشبابها بالقوة الاجتماعية والشعبية، والملتزمة حتى الآن بالتريّث، تحسّباً للاقتتال الكوردي الكوردي، الذي أصبح بشكل أو بآخر حالة فعلية يعيشها الكورد يومياً؟
يرى الرأي العام أن حزب الاتحاد الديمقراطي يحرّر عناصر داعش ويفرج عنهم حبّاً بإخوة الشعوب، ثم يقبلهم بأساليب مختلفة كقياديين سياسيين وضبّاط عسكريين بين صفوفه، وعلى أنصار هذا الحزب – الذي نراه حزباً كوردياً – وكلّ مَن يشدّ على يديه، أن يدرك حقيقة أن هناك حقد دفين وتعال متجبّر – يظهره ويخفيه في آن واحد – الأغلبية العربية تجاه الكورد، من جهلهم بتاريخ وحضارة الكورد تماماً أو جزئياً، والتواطؤ مع السلطات العربية العرقية، ولأسباب نفسية وأخلاقية غير مفهومة، وفشلهم المخزي في تعريب روح الثورات التحرّرية الكوردستانية، فهم ادخروا أموالاً طائلة في سبيل إذلال الكورد خلال المائة سنة الأخيرة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين

كلامي موجه بالدرجة الأولى والاساسية الى الفئات المتعلمة من شعبنا الكردي السوري ، او مجازا المثقفين (بعد الاذن من غرامشي) ، واللذين يهربون الى الامام امام كل حدث ، او تطور سياسي في المنطقة والعالم .

وعلى سبيل المثال بعد الانتخابات الرئاسية الامريكية في تلك الدولة العظمى وفوز الرئيس – ترامب – من الطبيعي ان يتطلع رؤساء الدول ، وممثلي…

دجوار هرميسي

كي أختصر معاناة التفكير في العنوان، موضوعنا بعيد كل البعد عن المنحى الديني؛ إنما هو استعارة للمصطلح، والغرض منه إيصال الفكرة بصورة سهلة وواضحة. تعلمون أننا اجتزنا مرحلة التفاضل بين “أن الإنترنت جيد أو سيئ، أو ضروري أو غير ضروري”، لأن الإنترنت والعالم الافتراضي باتا يفرضان نفسيهما أكثر من الواقع الذي نعيشه، وأصبحا حاجة أكثر من أن نختارهما أو…

إبراهيم اليوسف

في عالمنا الحالي، تبدو السياسة وكأنها تخلت عن المبادئ الأخلاقية التي كانت تدّعي تمثيلها، ودخلت مرحلة ما بعد الحداثة التي يمكن وصفها بالسريالية. إذ تتسم هذه المرحلة بالانهيار الأخلاقي حيث تتداخل المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسي بطريقة تفضح عمق التناقضات في المشهد الدولي. في هذه الساحة الغرائبية، يتماهى الغرب وروسيا، وتتراجع القيم الإنسانية لتصبح ضحية للسعي وراء السلطة والمكاسب.

السقوط الأخلاقي…

د آلان كيكاني

من بين الطلبة العرب، في هذه الجامعة الأوربية العريقة، يتم تداول اسم وسيم على نطاق واسع.

لا لكرمه ودماثته وحسن سيرته فحسب، بل لأسباب أخرى. سنتطرق إليها في متن هذا النص.

ولكونه صديقاً مقرباً من أحد أقاربي ارتأى الشاب الأنيق أن يدعوني إلى وليمة في مطعم فاخر على ضفة أحد الأنهار.

 

وفي الموعد المتفق عليه اتصل بي يطلب موقعي على نظام…