جان كورد
يسعى النظام الحاكم في دمشق لفرض سيطرته العسكرية والإدارية على مجمل التراب السوري، من جنوب البلاد إلى شمالها، ويوافقه على هذا المسعى كل من روسيا وإيران، بشرط أن يبقى طموحه بأكمله ضمن الشروط والصياغات التي يصوغها كل من جهته، فإن إيران تعتبر سوريا مخفراً أمامياً لها على الحدود مع اسرائيل والحرب السورية فرصة ذهبية لنشر عقيدتها الدينية المخالفة كلياً لعقيدة غالبية الشعب السوري، ولتثبيت أقدامها في مواقع سورية حساسة حول العاصمة السورية دمشق، وروسيا تدعم الأسد في هذا المسعى لأنها حصلت على ما تريد من امتيازات استراتيجية وعقود طويلة الأمد لشراء الأسلحلة وقطع غيارها وللتعامل مع روسيا معاملة الولد الضعيف مع أبيه القوي، وتركيا موافقة أيضاً على خضوع سوريا للنظام بشروطها العديدة التي منها منع الكورد في سوريا من التمتّع بأي حقوق في إدارة أنفسهم، لأن تركيا تجد في الكورد أعداءً تاريخيين لأسباب تتعلّق بالنزعة العنصرية للطورانية المتجذرة في الوعي السياسي والعقيدي التركي منذ قرون،
إلاّ أن لتركيا طموح آخر هو التمدد على الأرض في الشمال السوري، عسكرياً الآن بهدف ضم أجزاء من سوريا لأراضيها يذريعة أن تلك المدن والأرياف كانت تابعة للدولة العثمانية قبل تأسيس الدولة السورية، إضافةً إلى استمرارها في التدخل السافر في الشأن السورية بذريعة حمايتها للمعارضة السورية والمنظمات المتطرّفة، حيث استفادت من تواجدها على الأراضي التركية بتحقيق الكثير من المنافع المالية والأمل معقودٌ على أن تتولى تركيا إعادة تفعيل الأسواق السورية وشحنها بمنتوجاتها بحيث تصبح سوريا تابعةً لها اقتصادياً ومالياً عقوداً من الزمن وفي ذلك أرباح هائلة للاقتصاد التركي الذي شهد مؤخراً انهياراً مفاجئاً للعملة الوطنية أمام العملات الصعبة، وبالتالي سيكون لذلك فوائد جمة لسياسة الحكومة التركية التي فقدت معظم الأصدقاء والحلفاء في العالم بسبب سياساتها المضطربة داخلياً وخارجياً.
سيحاول الأسد بعد الاستيلاء على محافظة ادلب عسكرياً الصعود إلى الجزيرة التي تعتبر عملياً تحت السيطرة الأمريكية أو قبل ذلك إلى منطقة عفرين التي يسيطر عليها الجيش التركي وآلافٌ من مقاتلي ما يسمى بالجيش السوري الحر، الذي يجده الكورد بسبب السلب والنهب والتقتيل والتهجير والتعريب الذي يمارسه بشكل منهجي تحت أنظار الجيش التركي قوة غاشمة لا علاقة لها بحرية الشعب السوري أو بالوطنية، كما يعتبره السوريون المعارضون للتمدد التركي متواطئاً مع المحتل التركي بذرائع دينية خاطئة، فإن لتركيا طموحٌ صارخ في تتريك المنطقة على مستوى التعليم والتربية أولاً وإداريا أيضاً.
فهل سيقف الكورد مع القوى التي تحارب نظام الأسد الطامح في استعادة مناطقهم وفرض سياساته المتحجرة كما في اعتاد عليه السوريون منذ استيلاء البعث على الحكم في البلاد في عام 1963. وإن وقفت مع هذه القوى فماذا سينال الكورد من موقفهم هذا، أفلا يكفي درس عفرين لأخذ العبرة من ممارسات هذه القوى ضد الشعب الكوردي؟ بل بماذا تختلف نظرة زعماء المعارضة السورية وقادة (سراق الدجاج) عن نظرة البعث للقضية الكوردية عامةً وللقضية الكوردية في سوريا خاصةً؟ أم سيقف الكورد مع النظام الذي في استمرار بقائه استمرار لسياسة الاضهاد القومي والتمييز والتنكر للوجود القومي الكوردي وسائر السياسات المعادية للأمة الكوردية؟ أفلا يعني هذا العودة إلى عهد “التحجّر” و”التصحر” السياسي – الثقافي بالنسبة لشعبنا؟
فماذا يجب القيام به؟
هناك تركيا وايران اللتان تعاديان الأمة الكوردية بشكلٍ صارخ، وللكورد معهما تجارب تاريخية أليمة وعديدة، تخضبت كوردستان في ظل حكوماتهما المتعاقبة بدماء شعبنا، ولا يمر وقتٌ قصير إلاّ وتشهد مقابر كوردستان كوكبة جديدة من الشهداء الذي يسقطون بأسلحة هاتين القوتين أو بحبال المشانق وبرصاصات الاغتيال… ولكن هناك على الأرض السورية دولتان عظيمتان، هما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وإذا كنا نرى الدولتين في حالة عداءِ مستعرٍ الآن، بسبب سياسات الرئيسين ترامب الأمريكي وبوتين الروسي، فإن للدولتين مصالح مشتركة، عديدة ومتشابكة، سواءً في أوروبا أو في الشرق الأوسط أو في أنحاء أخرى من العالم، والخلافات على سوريا لا تعني أبداً إنزلاقهما السريع إلى حربٍ فعلية مباشرة بينهما، كما يعتقد بعض الباحثين، فالطرفان يعرفان جيداً أن مثل هذه الحرب لن تنفع أحداً وقد تؤدي إلى كوارث عالمية رهيبة لمختلف الشعوب والأوطان، ولذلك لن تخاطرا من أجل نظام الأسد أو الرقعة الجغرافية لسوريا بالولوج في النفق المظلم، إلاّ أنهما ستدفعان بالموالي في المنطقة من عربٍ وتركٍ وفرسٍ وكوردٍ للتصادم الدموي لفترةٍ محدودة، تجرّب فيها أنواعٌ مختلفة من الأسلحة المتطوّرة، ضمن إطار توافقي خطير، فهل سيدخل الكورد في حلبة الصراع الدموي هذه ليصبح بسبب تفجيرٍ كبير ما تبقّى من وطنهم الممزّق دماراً شاملاً؟
لا أستطيع – شخصياً – طرح أجوبة عن هذ الأسئلة حقاً فالموضوع أخطر من أن أغامر بأجوبةٍ قد تأتي بنتائج وخيمة للسياسة الكوردية، ولذا لابد لنا من مشروع معهدٍ للدراسات الاستراتيجية يلتقي قي إطاره خبراء من مختلف الاختصاصات السياسة والعلمية والعسكرية والاقتصادية والاعلامية والنفسية، ليقدموا من خلال مشاوراتهم ودراساتهم للسياسيين الكوردستانيين خريطةً واضحة المعالم للمستقبل وأجندا حركية وتنظيمية ودبلوماسية متلازمة مع التطورات المتسارعة على مستوى العالم والمنطقة التي تعيش فيها أمتنا الكوردية.
kurdaxi@live.com