متى يحترمك الناس في البثّ المباشر؟

إدريس سالم
 تبدأ في الصعود لأولى سلالم النجاح عندما تنتقد الآخر المختلف وتقول رأيك عنه بعيداً عن لغة الاتهام والشتم والتخوين والتجريح، لأن من حقي، ومن حقك، كما من حق الجميع أن يعبّر عن رأيه وينتقد بكل حرية، ولكن؛ حريتك هذه تنتهي عندما يغيب عنها حدود اللباقة والأدب والحكمة. 
أن تنتقد عمل أو حديث الشخص أو لا تنتقده هو إنسان قد يخطئ وقد يصيب، له سلبيات وأيضاً إيجابيات، وحريتك لا تعني أن تشتمه أو تتهمه تخويناً أو تجريحاً للقلب أو استهزاء بالعقل أو تقليلاً لحدود الأدب. 
للفقراء وضعفاء العقل والفكر: 
يحق للخارج كما الداخل، أن ينتقد، أن يعلّق، أن يكتب بلغة ساخرة عبر جداره الالكتروني (الفيسبوك، تويتر، انستغرام…)، أو كمعدّ لبرامجه وحواراته على البثّ المباشر في الفيس بوك أو كضيف يقوم بمداخلة زمنية محددة لموضوع معين أو عشوائي،
فمَن يقول مراراً وتكراراً أن حزب الاتحاد الديمقراطي يقرّر لوحده مصير الشعب الكوردي الذي يعيش في غربي كوردستان، أو أنه يمثله تمثيلاً شرعياً فهو مخطئ وواهم، مع كل تجليات الاحترام والتقدير لصمودهم وتضحياتهم، مَن يراهن على أن المعارضة السورية استطاعت لملمة جراح المواطن أو اللاجئ السوري فهو لا يعلم كم إصبعاً في يديه، مَن يعتقد أن النظام السوري استطاع الوقوف على قدميه بفضل جيشه وقيادته فهو بعيد عن الواقع بعداً كلياً مطلقاً «تُـرى: ماذا يفعل الجيش الأمريكي والروسي والفرنسي والتركي والإيراني وميليشات كل منها إلى الآن في سوريا؟». 
أتساءل دائماً أيّها الكوردي المتواجد يومياً على الفيس بوك: 
– ألا تلاحظ أن الشعب الكوردي ضائع بين فلسفة عبد الله أوجلان ونهج الراحل الخالد مصطفى ملا البارزاني؟
– ألا يحق لنا أن ننتقد قيادات الطرفين، الذين لا يحترمان ولا يقدّران ما ورد في الفلسفة من أفكار وفي النهج من قواعد ثابتة؟
– شاهد (هولير وقنديل) كيف أن علاقتهما قوية، ومن المستحيل أن يتركان بعضهما البعض، على حساب الشعب والعمل السياسي. ألا يحق لي أن أتمسّك بك وأنت الآبوجي، كما ألا يجدر بك أن تتمسّك بي وأنا البارزاني؟
– لم توحّد كل من النظام السوري والمعارضة السورية «تحت الطاولات» ضد طموح وحقوق الشعب الكوردي في غربي كوردستان، في حين التخوين والعمالة تنخر في عقول وقلوب أصحاب المدرسة والنهج؟
– ألا تقرأ الواقع الذي يشير ويؤكد بأن ذاك المقاتل الذي يناضل من أجل حرية واستقلال الكورد في صفوف وحدات حماية الشعب يقبل بأن يموت من أجل مقاتل البيشمركة وكما العكس، في حين أنا وأنت لا نتقبل أفكار بعضنا البعض برحابة صدر ورجاحة العقل؟
– ألا ترى بأن الفيس بوك أصبح منبراً للانتقام الشخصي والتحزّبي والتخوين والشتم وهدر الكرامات وخلق الفتن وزرع الرعب والحقد في نفوس الصغار والكبار، في حين بعض المجتمعات من خلاله أسقطت أكبر الأنظمة الديكتاتورية العربية، كما في تونس وليبيا ومصر؟
– الذي أسّس الفيس بوك كان طالباً، فكّر وعمل وخطّط وتعب… إلى أن أصبح مليارديراً من خلاله.. أما أنا وأنت نستخدمه لتخوين الشرفاء والمناضلين والمثقفين والبسطاء من الكورد والسوريين. 
– لم نتحاور ونتصارع في البثّ الفيسبوكي المباشر بلغة رخيصة لا تمدّ لأصلنا وأخلاقنا وتربيتنا الاجتماعية قيد نملة؟
لكن: 
– عندما أخون خائناً معروفاً لدى القاصي والداني.. لا يعني هذا أن أبي وأمي خائنان! 
– عندما أبيع وطني.. لا يعني أن أبي وأمي تاجران فارغان من الإنسانية! 
– عندما أمارس الجنس من أموال الثورات.. لا يعني أن أبي وأمي عديما الشرف والضمير! 
_ عندما أسرق أموال الفقراء.. لا يعني أن أبي وأمي أرشداني إلى ذاك الطريق! 
– عندما أشتم الناس وأقلّل الأدب والأخلاق.. لا يعني أن أبي وأمي لم يقوما بتربيتي على أكمل وجه! 
– عندما أترك الوطن وأهاجر للبحث عن الأمان وبناء المستقبل.. لا يعني أن أبي وأمي أنجبا ابناً عاقاً!
– عندما أعبّر عن رأيي بقضايا شعبي ووطني في بلاد غريبة (صديقة للكورد أو عدوة لها).. لا يعني – أيها الصامد في الوطن – بأنه يحق لك فقط التحدث باسم الوطن، ووصفي بالأردوغاني والإخواني والبعثي والشيعي..! 
أخيراً:
لنواجه مشاكلنا ومصائبنا بعقل راجح وقلب صبور، ونحترم كرامتنا وكرامة الناس «الخصم والصديق» دون أن نحترم كرامة أحد ما على حساب الآخر، ومعاً نبني أسس الحياة المشتركة من ألف حزب سياسي والمئات من القوى العسكرية. ففي الصين يوجد 56 قومية أولها وأكبرها قومية «هان»، و 54 لغة أولها لغة «الهان»، أما نحن فمن قومية ولغة واحدة، فلما كل هذه الحرب الفكرية والنفسية والسياسية، ولم كل هذه الانشقاقات الاجتماعية والثقافية والتنظيمية؟ لم – وأنت القادر على حلّ مشكلة مستعصية – لا تضع عقلك في رأسك، في حين – وأنت الضجوج اللجوج لا تملك شيئاً من أدوات الحل –  لا تلتزم الصمت؟
إذاً سيحترمك المتابع في حواراتك على البثّ المباشر في الفيس بوك عندما تبتعد عن تخوين الآخر واتهامه وشتمه وتجريحه والمسّ بكرامته واللعب بشرفه بكلمات نابية غير أخلاقية، وسيصبح بثّك الحواري المباشر ناجحاً وإيجابياً – إلى حدّ ما – عندما تضع أمامك خطة منظمة وبرنامجاً مدروساً وأدوات بسيطة تحكم بها الموضوع والضيف والمتلقي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…