إدريس ح سالم
في مقالة للكاتب التركي «هاشمت بابا أوغلو – Haşmet Baba Oğlu»، التي نشرتها صحيفة (صباح) التركية، أن هناك عدد لا حصر له من المحرّضين “المتطوّعين أو المكلّفين” في مسألة تأليب الشارع التركي ضدّ اللاجئين السوريين، وأن الكذب والتلفيق الممنهج في هذا الخصوص لا حدّ له، والظلم والعنف لا زال في ذروته.
أيُّــــها اللاجـئ:
إن موقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” موقع لا مصداقية له ولا مهنية، بل بات أداة لزرع الفوضى والخراب في النفوس، ومرضاً خطيراً، لا يقلّ خطورة عن الفتنة أو الحرب الطاحنة «اعلمْ أن تركيا ليست أوروبا.. اعلمها جيّداً» فعلى سبيل المثال لا الحصر، إن أخطأ ثلاثة سوريون فيما بينهم حول قضية ما، في بقعة تركية ما، وتم نشر خبر عنها على الفيس بوك من قبل مستخدم تركي كان شاهداً عليها، فالمحرّضون مستعدون لأن يتلاعبوا بالقضية، ويشعلوها فتنة وحرباً وخيمتين بين السوريين أنفسهم، والسوريين والأتراك، ويحمّلوا المسؤولية إلى ثلاثة ملايين سوري!! فتخيّل حجم الدمار الذي سيلحق بك وبعائلتك، وأنت الهارب من مستنقع الحرب والعنف!!!
في قصة كلب، قُطِعَت قوائمه الأربع، في حادثة لم تتضح ملابساتها بعد «قرأتها على صفحة صديق، تركي الجنسية كوردي الدم والقومية»، واتُّهم أطفال سوريون بفعل ذلك «أيعقل أن يُقدِم الأطفال السوريون على قطع قوائم كلب تركي ما؟!!!»، فَنَمَت في داخل المواطنين الأتراك فجأة الكراهية والحقد على السوريين، متأثّرين بأكاذيب واستفزازات ومبالغات، على مواقع التواصل الاجتماعي «إن هذه التحركات مدروسة بعناية فائقة من قبل أطراف سياسية معيّنة، ويجب على أجهزة الدولة ومؤسّسات الأمم المتحدة ومنظمات اللاجئين المدنية وضع حدّ لها».
يقول بابا أوغلو – المتعاطف مع اللاجئين – في مقالته «يريدون إشعال فتنة.. احذروا المحرّضين على السوريين»، التي ترجمتها موقع ترك برس: “أكتب وأكرّر، وعلى وجه الخصوص أؤكّد أن علينا ألا نندهش إذا واجهنا تحريضات ضدّ السوريين مرسومة ومخطّط لها مسبقًا”. هنا تكمن حقيقة جوهرية، مفادها، أن الكاتب بصفته ابن لبيئته، يعلم جيداً مَن هي الجهات المستفيدة خلف هذه التحريضات، وما هي غاياتهم وأهدافهم.
على الشعب التركي أن يدرك حقيقة أن نسبة الجريمة بين السوريين المتعايشين داخل المجتمع التركي أقل عنها بين الأتراك أنفسهم، والدليل على ذلك تصريح نائب رئيس الوزراء التركي “ويسي كايناك” محذّراً عبر وسائل الإعلام من فتنة يخطّط لها بين الأتراك والسوريين، والذي أثبت تلك المقارنة الإيجابية بالأرقام والإحصاءات أن نسبة الجريمة بين السوريين أقلّ منها في المجتمع التركي.
أوغلو يرى أن أول مهمة مطلوبة هي أن يكون المسؤولون المحليون الأتراك يقظين تماماً تجاه التحريضات والاستفزازات التي يتعرّض لها اللاجئ السوري، وأن يتصرّفوا بسرعة قدر الإمكان، عند اندلاع أيّ شرارة، وأن هذه القضية لا تحتمل الإهمال والتقاعس «هناك أيادٍ أجنبية تسعى لإشعال فتيل الفتنة بين المواطنين الأتراك واللاجئين السوريين، لغايات وأهداف سياسية محدّدة».
يتوجّب التعامل مع قضية التحريض ضدّ اللاجئين بعناية شديدة، سواء من قبل الشارع التركي، أو من جانب الدولة ومسؤوليها، أو من جانب اللاجئين، فقد اتضح بما لا يدع مجالاً للشكّ أن حملات التحريض وزيادة الاستياء الاجتماعي قد تنفّذ عبر استغلال قضية اللاجئين، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، وعلى الجميع أن يكون واعياً، ليواجهها بعقلانية.
المحرّضون كُثر، ولكن مع الأيام سيخفّ التحريض ضدّ اللاجئين السوريين في تركيا، إن انتبه هذا اللاجئ لنفسه، واحتكم لعقله وواقعه واحترم قانون البلد الذي يحميه، والمطلوب من العقول النيّرة من السوريين في تركيا تشكيل لجان ووفود اجتماعية وثقافية ومدنية لحماية السوريين، وضمان حقوقهم، وإيصال صوتهم للحكومة، وتحسين صورتهم، ومطالبة المسؤولين الأتراك لمعاودة دراسة فكرة تأسيس وزارة خاصة للاجئين السوريين، وضمان حياتهم ومستقبلهم وعدم التفريط بحقوقهم، أسوة بباقي الدول الأوروبية المستضيفة للاجئين.
ما المطلوب من اللاجئ السوري؟
على اللاجئ السوري بمؤسّساته الرسمية والمدنية والشعبية والشبابية أن يدرك أن لا حول له ولا قوة «إن لم تعمل لمدة أسبوع في تركيا، فستنام جائعاً، لتستفيق مُحتاجاً، فاتحاً يديك أمام مَن ينتظر فرصة لأن يهينك»، وأنه غير قادر على مجابهة العنف والحقد إن هبّ نحوه، والقانون ليس معه دائماً، فعليه أن يتحلّى بالفطنة واحتكام منطق العقل حيال أيّ مشكلة أو قضية، من الممكن أن تشعل فتنة بين السوريين والأتراك، فالقانون مع التركي أولاً ثم مع السوري ثانياً، فتركيا تمرّ بمرحلة مليئة بالصعوبات الداخلية والخارجية المعقدة، وهناك دول تتربّص بها، وجهات خارجية تسعى لإحداث شروخ مجتمعية فيها، وأيّ اضطرابات فيها سيكون تأثيرها على اللاجئ عشرات الأضعاف، فالمطلوب أولاً وأخيراً أن تحترم القانون، وتلجأ إلى لغة العقل، وألا تنجرّ وراء العاطفة.
خلاصــة القــول:
إن اللاجئين السوريين في تركيا، باتوا اليوم يشكّلون قوة بشرية واقتصادية مهمة ودافعة للاقتصاد التركي نحو الأمام، وتتم الاستفادة منهم في كثير من المجالات الصناعية والزراعية والتجارية والعقارية، في حين على الحكومة التركية أن توفر العمل والحماية العامة لهؤلاء اللاجئين، بحيث لا تكون فرص العمل والحماية مسموحة لذاك اللاجئ، ومرفوضة لذاك الآخر، بسبب اللغة أو الهوية القومية، إضافة إلى أن تتبع الحكومة سياسة إعلامية واضحة وطويلة الأمد، لتوعية الشعب التركي بحقائق الوجود السوري في تركيا، أسباباً ومظاهراً وتداعيات، مع التركيز على الجوانب الإيجابية، كمساهمة اللاجئين السوريين في تنشيط الاقتصاد التركي، لترسيخ فكرة قبول الآخر رغم الاختلافات، واعتبار ذلك نقطة ثراء وتنوّع، وليس خلاف وتضاد.