النزعة الإنشقاقية في المجتمع الكردي

مروان سليمان
التجارب الكردية في تشكيل الأحزاب ضمن أطر الحركة الكردية تكاد تنفرد بخاصيتها في الإنقسامات إلى درجة أن هذه الإنقسامات أصبحت تنتج إنقسامات أكثر و تتفقس منها الأحزاب أكثر من الأفكار لا بل أن الفكرة الوحيدة التي أنتجتها النخب السياسية الكردية و الذي زاد و ساهم في نزول الحالة السياسية إلى الحضيض و ركود المشهد السياسي الكردي هذه الفكرة كانت اللجوء لتشكيل أحزاب جديدة و التي تنم بعد صراعات طويلة على المناصب الحزبية و في حال الفشل يلجأ القسم الآخر إلى تشكيل بديل حزبي أخر و كانت العدالة في هذا الأمر أن هذه الظاهرة شملت كل الأحزاب سواء اليمينية أو اليسارية أو ما تسمى بالحيادية أي بمختلف توجهاتها الأيديولوجية( النزعة الإنشقاقية لدى المجتمع الكردي).
عندما ننظر إلى هذه الظاهرة الإنشقاقية منذ التجربة الأولى في نشوء الحزب الأول في عام 1957 كان أول مظهر لهذه الإنقسامات هو تقسيم الأعضاء أنفسهم إلى يميني و يساري و حيادي و بعد إحتدام الصراع فيما بينهم لجأ كل منهم إلى تشكيل حزب له و سماه بأسماء مختلفة و لكن الصفات الثلاثة بقيت في ذاكرة الجماهير و من المفارقات أن النزعة الإنشقاقية كانت منتجة و فعالة و كانت تستقطب الجماهير لكل منهم.
و بما أنه لم يكن هناك و لا يوجد زعيم بمفهوم الزعامة و القيادة لكي يستطيع أن يوحد جميع تلك الطاقات و الأفكار في بوتقة واحدة فتشكلت الممارسات الإنشقاقية لدى الأحزاب السياسية و توارثتها الأجيال و الملفت للنظر أن هذه النزعة حصلت بعد الولاء للثورة الكردية بقيادة الأب الروحي للكرد ملا مصطفى البارزاني.
و مع مرور الزمن و تعدد الإنشقاقات داخل الحركة الكردية و كثرة تشكيل الأحزاب حتى أصبحت عائلية فبدأت الملامح الأسطورية و البحث عن القائد مختفياً من على الساحة الكردية لتأخذ مكانها الوجاهة و المنصب و المركز هو المهيمن على ( مؤسسة) الحزب و حيث تتمركز القاعدة الشعبية لذلك القيادي على سلوكيات جديدة تتمثل بالإستهتار بالقيادي الآخر في الحزب الآخر فعملت الإتهامات فعلها و المناورات و المؤامرات على البعض الصفة الأبرز مما تم ترسيخ فكرة الإنشقاقات و النزاعات و الخلافات داخل الأحزاب و خاصة الذين كانوا يتصدرون الإنشقاقات كانوا من الفئات الإجتماعية التي تملك تراكمات و خلافات و التأخير في الوصول إلى المناصب العليا داخل كل حزب من الأحزاب و خاصة القيادات القديمة التي كانت تشكل العائق الأكبر بسبب الخرف الذي أصاب ممن كانوا يديرون دفة ( مؤسسات) الحزب مما أدى إلى مزيد من الإنقسامات و ظهر الصراع جلياً بين القيادة و تشكلت فرق الموالين لها و المعارضين و ظهرت حالات الثأر و الإنتقام و تلفيق تهم الخيانة التي كانت تلقى جزافاً و خروجاً عن الإجماع الوطني و أدى إلى نشوء أحزاب موازية داخل كل حزب و ظهرت مفاهيم جديدة وسط الحركات الإنشقاقية بأنهم ينادون بالإصلاح و الآخرون يقفون عائقاً ضد هذا الإصلاح بحجة المحافظة على القيم و المبادئ و إعتبروا الخروج عنها خيانة و تم التصدي لها بالأساليب الدنيئة و الرديئة و تكررت تلك السيناريوهات مع كل حركة إنشقاقية وبقيت الأوضاع كما هي مع تغيير أسماء ( الممثلين) السكرتير.
  و أخذت الصراعات الشخصية بين القيادات و إختلافهم في رؤية الأزمات و ظهرت طبقة الموالين (العميان) و طبقة المثقفين و كانت الغلبة دائماً للذين كانوا يسيرون خلف الآخرين( تحت شعار معاهم معاهم) مما أثر تأثيراً كبيراً على الأجيال التي أتت فيما بعد لإستكمال الممارسة السياسية.
إن ظاهرة نشوء الخلاف و صناعته كانت في أغلب الأحيان قبل المحطات الحزبية الهامة مثل الكونفرانسات و المؤتمرات ثم الإنتقال بها إلى شخصنة الأمور و الخلافات و تحميل الطرف الآخر ما آلت إليه الأمور و نعت بعضهم البعض بكلمات نابية و كل طرف يبرز محاسنه مع التركيز على مساوئ الطرف الآخر و بعد أن يتم التغيير حتى و إن تم تبقى الأمور على ما كانت عليه و تستمر نفس الخطابات دون الإقتراب من أي شئ من النقاط التي كان يثيرها المختلف و هذا ما كان يجعل منه مادة دسمة لكي يكون سبباً أساسياً لأزمة جديدة .
و بسبب قصر النظر و ضيق سعة الصدر و إنعدام الصبر خلال الصراع يلجأ الجميع إلى حسم الموضوع من خلال شرعنة غير الشرعي و تشكل هياكل موازية و التبشير بنتائجها سلفاً كمن يريد بيع بضاعته و تنتهي هذه الوعود إما نحو الأسوأ أو الإنشقاق و بدل وضع الأصبع على الجرح و تعيين الخطأ و العمل على تصحيحه فإن الإنجاز الجديد يهدف إلى تدمير القديم و السعي إلى إزالته من الواقع و هذا مرده إلى غياب و إنعدام العقلية التنظيمية و عدم إستخلاص الدروس و العبر من التجارب السابقة و هكذا دارت و لا تزال تدار الصراعات إلى ما لا نهاية.
إن الإنشقاقات في الحركة الكردية التي حصلت كانت دوماً تمر قبل إنعقاد المؤتمر و تنفذ في المؤتمرات بسبب النشاط الكثيف من قبل الإنشقاقيين في تلك الفترة و وضع المبررات السياسية و التنظيمية لها لتنفجر في اللاشعور الجماعي من خلال تصريح أو بيان حيث يتم تجريم القيادة و التكلم بكثافة عن أخطاء و سلبيات القيادة و نقلها من المستوى العادي السياسي و الإداري إلى المستوى الذي يلامس فيه الأخلاق وصولاً إلى الخيانة مما يؤدي إلى تفجير الكيان الحزبي عبر إنشقاق أو إنشقاقات برؤوس متعددة و هناك  يعمل كل طرف على إزالة الطرف الآخر و محوه من الوجود و إلغائه سياسياً و إجتماعياً و يظهر الإنتقام و البغض دون أن يدروا بأنهم يدمرون الإنسان ذاتياً و خلق فتنة كبيرة بين أبناء الشعب الكردي بسبب الإنقسامات السياسية و الحزبية و تدوم إلى ما لا نهاية.
و من أهم المميزات التي يتميز بها المنشقون هو توجيه أنظارهم إلى منطقة ما و العمل ضد أية حلول أو أفكار منطقية تحد من عمليات الإختلاف في وجهات النظر كما يقوم المنشقون بتقديم الأعذار و التبريرات التي ينتجونها من مخيلتهم الذاتية للتهرب من مسؤولية فشلهم لأنهم تسببوا في تشكيل أزمة بسبب عدم إحترام النظام الداخلي لحزبهم و قاعدة الحزب و تكون حجتهم دائماً في ذلك هو ذهنية القيادة و سلوكياتها التسلطية و الإقصائية و الديكتاتورية، و إذا ما أصر المنشقون على رأي ثبتوا عليه و يقومون برش البهارات عليها و صبغها بمجموعة من القيم مثل الخيانة و الوفاء و المرتزقة و الخارجين عن القانون و تصل إلى مستوى أكثر توسعاً و تؤخذ من زاوية الثبات و الإصرار على التمسك بها.
ينهل المنشقون من خطاب تبرير الفساد و التوريط و الدخول في معارك وهمية مما يشكل شللاً تاماً في مؤسسات الحزب و يسيطر الإحباط على نفوس المناضلين و تتراخى هممهم كما إن المخلصون سوف ينفضون من حولهم و يبتعدون عن اليأس الذي أنتجه بعض القياديين و سوف تكون نتائجها كارثية و تتحول هياكلهم إلى مجمعات للكذب و الدجل و البوح بالغرائز الهمجية و التلفيقات بدل الإتزان و تتكون لديهم أفكاراً بأن الممارسة السياسية هي حرب وجود و قتال مصالح و ليس نضال من أجل الأفكار أو المشروع كما يدعون لأن ولائهم لبعضهم مؤقت، و في هذه الظروف التي نمر بها اليوم و الفضاء الأعلامي الواسع نجد بأن ميلاد الخلافات و النزاعات و الإنشقاقات أصبحت ضمن الممارسات الإعلامية و التي أصبحت مادة مستهلكة تخضع لقوانين الدعاية الإستهلاكية لتحقيق الإشباع الذاتي من أجل طموحات المنشقين الذين يحولون أنفسهم إلى رموز إجتماعية و نجوم و ينسجون علاقات جديدة من أجل حسم معاركهم المستقبلية.
06.07.2018 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…