إدريس سالم
لطالما رفض الروس في وصول المعارضة السورية إلى مناطق نفوذها في البحر المتوسط، فإنها حتماً لها اليد المباشرة في دخول تركيا إلى عفرين، وذلك بقطع الطريق أمام الكورد في الوصول إلى البحر، والتفاوض لاحقاً مع دمشق، وإضعاف النفوذ الأمريكي في سوريا «تخلي أمريكا عن عفرين لأنها منطقة نفوذ روسيّة، حسب التفاهمات التي جرت فيما بينهما تحت الطاولة»، وكسب وتعزيز التفاعل بين روسيا وتركيا كحليفين ضدّ أمريكا، وذلك لإحداث خلل في منظومة حلف شمال الأطلسي (ناتو) «الإدارة الذاتية لا تملك أيّ مشروع كوردي، وهذا يعطي تفسيرات ودلالات سياسية حول سقوط عفرين»، إذاً فقيام الروس ببيع عفرين لتركيا مقابل الغوطة الشرقية ليس إلا تأكيداً على ما سبق، وما الصمت الدولي حيال ما تتعرّض لها عفرين من عملية التغيير الديمغرافي وممارسات العنف والسلب والنهب إلا تأكيداً على الضوء الأخضر المعطى لأردوغان، باحتلالها، وضمّها لتركيا كولاية، لتصبح عدد ولاياتها 82 ولاية.
للتاريخ، هناك ثلاثة مسؤولين عن سقوط عفرين بيد الأتراك، وهم:
حزب الاتحاد الديمقراطي السوري (PYD)، الذي يدور في فلك منظومة حزب العمال الكوردستاني (PKK).
المجلس الوطني الكوردي (ENK-S)، الذي يدور في فلك الحزب الديمقراطي الكوردستاني (PDK)، هذا المجلس الذي يتحكّم في جميع مفاصله قيادات بارزة في منطقة الجزيرة «المعروفة لدى الشارع الكوردي بالجزراويين».
إقليم كوردستان، وجماهير شمالي كوردستان، فالأول لم يتحرّك إلا إغاثياً، والثاني خرج لنُصرة القدس والفلسطينيين ضد إسرائيل وأمريكا.
سقوط عفرين، يشكل اليوم عاراً في جبين الحركة السياسة الكوردية المتخبّطة «الأحزاب الكوردية في غربي كوردستان تمارس بين بعضها الكيدية الحزبوية»، فهناك فئة واضحة في إقليم كوردستان تعمل مع المشروع الشيعي في الشرق الأوسط، والمتمثل بالاتحاد الوطني الكوردستاني وفرعه السوري حزب الديمقراطي التقدمي، الذي يترأسه شخصية بارزة مسنّة في العمر «ما السرّ وراء دعوة التقدميين لعودة الكورد إلى دمشق؟ ولماذا هم مدعومون من قبل السليمانية؟»، فيما حركات وأحزاب وجماهير شمالي كوردستان لم تفعل أيّ شيء لعفرين، بل على العكس وقفت مع قضية فلسطين ضد إسرائيل، وكأنّ الأخيرة عدوّتهم، لا الأتراك «ربّما جماهير كورد الشمال أخذوا العبرة من سياسات حزب العمال الكوردستاني، وفهموا اللعبة».
السلطات والحركات الفلسطينية باعتبارها تتعامل مع قضيتها وشعبها وفق منظور حلفائها ومصالحهم، فإنها في يوم افتتاح السفارة الأمريكية في القدس طالبت شعبها بالعودة إلى القدس ومقاومة إسرائيل وأمريكا، فيما حزب الاتحاد الديمقراطي وبعد خسارته السياسية والعسكرية وحضورها الإقليمي في عفرين وانتصارها الإعلامي، طالبت أهالي عفرين بعدم العودة إلى مدنهم وقراهم، بل وحاربتهم في ذلك، دون أيّ سبب أو دافع يقتنع من خلاله الرأي العام «في السابق قالوا أن الأرض أغلى من الروح، واليوم يقولون أن الروح أغلى من الأرض. القيادية في PYD إلهام أحمد مثالاً لهذا التصريح» بل العكس، فكانت تزوّد الميليشيات الموالية لتركيا بالنفط «300 صهريج نفط يومياً، بحسب وكالة باسنيوز الإخبارية الكوردية» من منطقة الجزيرة الكوردية إلى الأسواق الحرة في المناطق التابعة للنفوذ التركي، وبذلك يكونوا قد قدّموا خدمة من الذهب لتركيا وروسيا وإيران وسوريا في أن يلعبوا على وتر التغيير الديمغرافي، وبكل سهولة وحرية.
إن منع أو تشجيع النازحين على عدم العودة لقراهم ومدنهم، بالتهديد والوعيد تارة، والخوف والترهيب من المحتل تارة أخرى، يخدم الأجندات التركية والسورية في تعريب وتتريك مدينة عفرين، وبالتالي محو هوية عفرين الكوردية، بتوطين ثلاثة ملايين تركماني وعربي فيها، ممَن جاؤوا من الغوطة الشرقة والضمير والقلمون وحمص «مشروع PYD ينحو نحو هذا المنحى، لو فكّرنا بعمقية المشروع»، أيّ أن الأتراك سحبوا يدهم من الغوطة، على أن تنسحب روسيا وقواتها من عفرين، ولتحتلها في حرب شرعنتها لنفسها عبر سكوت القوى الدولية الموجودة والمتحكّمة في سير الأحداث السياسية والاقتصادية والحرب فيها، ولتصبح عفرين مع الزمن ونتيجة حتمية وبمقارنة الظروف الجارية الولاية 82 تركياً، إذ أن قصة تخويف النازحين وترهيبهم لم تعد تنطلي على أحد، فهي قصة غير مقنعة، ولن تكون تركيا طليقة اليد في اضطهاد الشعب الكوردي في عفرين؛ إذ حسب القانون الدولي تكون الدولة المحتلة مسؤولة عن حماية المنطقة التي احتلتها، وكذلك حماية المدنيين فيها وتقديم الخدمات لهم، خاصة وأنه لم تعد هناك قوات عسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي في عفرين حتى تتخذها تركيا حجة لقمع الأهالي، وإذا تابعت سياسة القمع والتنكيل، فسوف تقف بوجهها الدول التي أعطتها الضوء الأخضر لاحتلاها، وضمّها لولاياتها.
إنّ حلم الهيمنة على غربي كوردستان، أو كما تسميه تركيا الشمال السوري، ليس ردّة فعل على الأحداث التي شهدها غربي كوردستان من إقامة إدارة ذاتية من خلال PYD، أو الارتباط السياسي والعسكري بين PYD و PKK، أو دعم أمريكا للكورد، بل كان في صلب السياسة التركية منذ الأيام الأولى للأزمة في سوريا، وقبلها «تركيا تسعى لربط الموصل بخط أفقي إلى إسكندرونة، وإعادة سوريا والعراق إلى ما قبل سايكس بيكو، حيث لم تكن دولاً بعد»، فالحكومة التركية ومن منطلقٍ توسعيٍ في المنطقة تستند إلى مخيلة تاريخية فضفاضة وذرائع أمنية، إلى السيطرة على مناطق واسعة من غربي كوردستان وجنوبه ومناطق من العراق، لمحاربة النهوض الكوردي في الداخل التركي أو خارجه بحسب زعمهم، واسترجاع هيبة إمبراطوريتها العثمانية.
وما تدعيه تركيا أن هناك دولة كوردية تتشكل بدعم غربي «الغرب نفسهم ضدّ قيام الدولة الكوردية»، وسيكون لها منفذ بحري على المتوسط، من خلال الساحل السوري، أو عبر ميناء إسكندرون التركي على البحر المتوسط وأنها تطمح لبيع النفط مباشرة عبر هذا الميناء مجرّد حجة للتوغّل في الأراضي السورية وتنفيذ مخططاتها، علماً أنّ هناك مسافة حوالي 150 كيلومتر تفصل عفرين عن الساحل السوري، وتتوسطها محافظة إدلب وريف اللاذقية الشمالي، التي تخلو من الوجود الكوردي.
أردوغان مازال هو نفسه يطمع بإعادة حدود السلطنة العثمانية واحتلال أية دولة كانت ضمن جغرافية هذه السلطنة، وتنصيب نفسه سلطاناً عليها، فهل تصبح عفرين ولاية تركية، أو مدينة تابعة لولاية أنطاكيا؟ أم سيناريو غزو صدام حسين للكويت يعيد نفسه في عفرين؟ فصدام غزا الكويت، ونهب البلد وهتك أعراض سكانها، ومصيره كان معروفاً للقاصي والداني. ثم هل بشار الأسد قادر على أن يطور ويعمّر المدن الكوردية في غربي كوردستان (لنستثني المدن العربية السورية!!)، كالتي قدمها أردوغان لمدن شمالي كوردستان؟
تركيا قامت باحتلال عفرين، وحالياً تقوم بمسح أمني، بدءاً من تعيين والي يدير شؤونها، واستخراج البطاقات الشخصية للمواطنين، كالتي يستخرجونها للاجئين السوريين في تركيا، وتغيير اللوحات المرورية، وتشكيل المجالس المحلية، وكلها دلالات واضحة، تشير إلى أن تركيا تعمل على جعل عفرين ولاية تركيا، وبضوء أخضر من الدول الراعية للحل السياسي في سورية، وعلى رأسهم واشنطن وموسكو.