مع مَن تقف: فلسطين أم إسرائيل؟

إدريس سالم
الشارع الكوردي وجراء آخر المستجدات السياسية والميدانية على الصعيد الفلسطيني الإسرائيلي – الأمريكي انقسم إلى فريقين، ونسي ما يحلّ به يومياً من ويلات اجتماعية وعنف عربي شوفيني، ففريق يقف مع القضية الفلسطينية ويؤيد حقوقه، وبالضدّ من ممارسات إسرائيل وأمريكا، وفريق يقف مع القضية الإسرائيلية ويعترف بحقه في إقام دولته والاعتراف بالقدس عاصمة له، ويرى أن مطالب الفلسطينيين غير شرعية «أين الشارع الكوردي من تشتته وانقسامه وتهميش قضيته في المحافل الدولية؟».
     فلسطين وقفت ضدّ طموحات الشعب الكوردي في الاستقلال، فالرئيس الراحل ياسر عرفات كان قد أيّد الضربة الكيماوية بقيادة صدام حسين على مدينة حلبجة الكوردية، قائلاً “وهل تريدون أن يرميهم بالورود؟”، والسفير الفلسطيني في العراق أحمد عقل أعلن أن الاستفتاء مخطط إسرائيلي، يهدف إلى تقسيم العراق «العراق بات مقسّماً اليوم بين السنّة والشيعة»، وصائب عريقات أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، صرح لوسائل الإعلام أن قيام الدولة الكوردية ستكون بمثابة خنجر مسموم مغروس في الجسد العربي، وكذلك رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، الذي بارك لأردوغان حربه ضد الكورد في عفرين «خالد مشعل قَـدَمٌ في أنقرة، والثانية في طهران»، والحال مع الحركة الفلسطينية بكافة تياراتها القومية والإسلامية واليسارية، التي وقفت ضد حقوق وطموحات الشعب الكوردي في الأجزاء الأربعة سياسياً وعسكرياً.
     أما إسرائيل فلم تفعل بالكورد ما فعله حكّام وقيادات ومفكّري الدول العربية والإسلامية بهم من مجازر وظلم واضطهاد، ولا بدّ أن نشير هنا إلى أن دعم إسرائيل لمشروع استفتاء الاستقلال بقيادة الرئيس مسعود بارزاني كان دعماً إعلامياً شكلياً نظرياً، ليس إلا، كالتي نسمعها ونقرأها يومياً من الكاتب والمحلل السياسي اليهودي إيدي كوهين، الذي يلعب بعواطف فئة من شباب الكورد المتحمّسين لإسرائيل، في أنها ستنقذهم وتقدم لهم الاستقلال على طبق من ذهب. وأسأل هنا القارئ الكوردي: «مع مَن تقف: فلسطين أم إسرائيل؟».
     حكّام العرب بدل أن يكونوا صنّاع أمل لشعوبهم وأوطانهم، باتوا اليوم صنّاعاً ماهرين لإنتاج الخوف والقهر والظلم والجوع. أما دونالد ترامب الرئيس المجنون والـ «Businessmen» فيتحدّى العالمين العربي والإسلامي، ولا يأبه بموقف العالم الغربي، ليعلن أن القدس عاصمة لإسرائيل، ثم تأتي ابنته الشقراء لتفتتح سفارة أبيها وبلادها في القدس، وفي احتفالية يهودية بامتياز، لتبشّر بغدٍ كله دم وسمّ وخراب، وسط غياب حكّام ودبلوماسيي العرب، بصفتهم عملاء صادقين لإسرائيل «رئيس الـ CIA السابق، يؤكد أن قرار ترامب كان بتنسيق سعودي إسرائيلي أمريكي»، وبسكوتهم هذا فهم يوقّعون على اتفاقية تصفية القضية الفلسطينية، ولسان حالهم يقول للعالم: “فلسطين لم تعد قضيتنا، لا الأولى ولا المركزية”.
     لقد ندّد “جان ماري لوبان” وهو مؤسّس الجبهة الوطنية الفرنسية المنتمي إلى أقصى اليمين، عبر تغريدة على صفحته في تويتر “في غزّة تتحدث وسائل الإعلام عن مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والحال أن عشرات القتلى ومئات الجرحى كلهم فلسطينيون. أوقفوا هذه المجزرة!”، فلوبان، وهو مؤسّس حزب متطرّف معادي للعرب يتحدث عن مجزرة بحق الفلسطينيين، وعن تأييد الإعلام الغربي لإسرائيل، وهو موقف شجاع من رجل يرفض العنف، فيما جنوب أفريقيا، وهي دولة غير عربية أعلنت استدعاء سفيرها “سيسا نجومبوان بأثر فوري” من إسرائيل، احتجاجاً على ما ارتكبته إسرائيل من جرائم في غزة، أما العرب «أمّة التسويف» والمحيط الجار لحدود فلسطين فتآمرهم ضد فلسطين وقضيتها باتت خيوطها تنكشف وتتضح يوماً بعد يوم. أيّ عار هذا؟.
     المطلوب من جيران فلسطين أن يقدموا على تنفيذ أفعال ولو دبلوماسية سياسية، مثلما فعل لوبان وجنوب أفريقيا، كأن يقوموا باستصدار قرارات دبلوماسية، تتعلق بتجميد عمل السفارات والقنصليات والبعثات الأجنبية المنحازة لقرارات أمريكية وممارسات إسرائيلية بحق فلسطين، هذا إن كانوا بالفعل يعتبرون إسرائيل العدوّة الأولى واللدودة للعرب «لن يأتي السلام، ولا الغضب الساطع ليحرّر القدس»، فهل ستقدم مصر الشقيقة الكبرى لفلسطين والأردن الوصية على القدس والسعودية والإمارات وتونس والبحرين على خطوات فعلية، للوقوف في وجه سياسة التهويد؟
     لكن عند التفكير العميق بموقف العرب من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، يتبيّن للسامع والناظر أن الواقع العربي الراهن يشير إلى حقيقة مفادها أن كل سياسي أو قيادي أو أمير أو حاكم أو رئيس عربي عندما يعلن عن رفضه واستنكاره لأيّ عمل عدائي إسرائيلي، فهو يعطي تفسيراً سياسياً واضحاً، فحواه أن كل التنديدات واللاءات العربية ضد إسرائيل وممارساتها باتت تشكل اليوم اعترافاً رسمياً شرعياً بإسرائيل، دولة لليهود والقدس عاصمة لها، أو كما يسميه اليهود مدينة (أورشليم).
     إن الحقيقة مهما كانت مُرّة فيجب أن تُقال، إذ أن كل الأنظمة العربية تاجرت بقضية الفلسطينيين، سواء بالاعتراف الضمني بإسرائيل أو بتطبيع العلاقات معها أو التبادل الدبلوماسي والتجاري والصناعي، وكلها فشلت في احتواء الكفاح الفلسطيني، أو تحرير شبر واحد من أراضيهم المحتلة بالقوة والاستقواء. فمنطقة سيناء أعيدت لمصر من خلال اتفاقية كامب ديفيد، شريطة الاعتراف بدولة إسرائيل وإيجاد صيغ للتبادل الدبلوماسي والتطبيع معها. الجولان أعيدت جزء منها في اتفاقيات فصل القوات، وما زال الجزء الأكبر محتلّ وفق منظور محور الممانعة. في لبنان مزارع شبعة ما زالت تحت السيطرة الإسرائيلية، واليوم السعودية تتواطأ ضد إرادة الشعب الفلسطيني، وتؤكد على لسان ولي عهدها أن أرض فلسطين هي أرض لليهود، وما تبقى من دول الجامعة العربية يلتزمون الصمت، منهم مَن يقوم باتصالات سرية مع إسرائيل، ومنهم مَن يستقوي بها، وعليه لم يتبقَّ للفلسطينيين سوى بقايا جذوع الزيتون والحلم الطويل باستعادة القدس.
     كمواطن كوردي، سأرفض الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل رفضاً قطعياً، شريطة أن يعترف العرب – كباراً وصغاراً فقراءً وأغنياء متعلمين وأمّيين – بكوردستان دولة للكورد وذات سيادة «هيهات أن يفعل العرب ذلك»، وأن يدعو إلى ذلك الاعتراف بقرار رسمي من مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية، لأن كل الدماء التي تسفك بحق الفلسطينيين المسؤول الأول والأخير عنها هم حكّام وأمراء العرب، الذين جاؤوا على كرسي السلطة بإرادة وتخطيط غربي، فكيف لهم أن يقفوا بوجه إسرائيل وتهويد فلسطين؟ ثم لماذا يكونون أسوداً على الشعب الكوردي والفلسطيني وفئراناً أمام إسرائيل وأمريكا؟
     في المقابل فإن الصراع العنيف والمعقّد بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين حول مراكز النفوذ والقوة والاستقواء يشبه تماماً الصراع بين حزب الاتحاد الديمقراطي مروّج مشروع (أخوة الشعوب) والمجلس الوطني الكوردي حامل مشروع (القومية الكوردية)  على تركة غربي كوردستان المحتل سورياً، ففتح وحماس خسرا حيفا وعكا ويافا والقدس وغيرها من المدن، وكلها اليوم أصبحت مدناً يهودية، في ظل تواطؤ العرب ووحشية الغرب، في حين حزب الاتحاد الديمقراطي المدعوم قنديلياً والمجلس الوطني الكوردي هوليرياً خسرا عفرين وأصبحت محتلة تركياً، ودمّرا كوباني مرتين، وقامشلوا وشعبها التي تدار من قبل قيادات حزب البعث العربي السوري، وبأوامر وتوجيهات من قادة فيلق القدس الإيراني. إذاً حياة الفلسطينيين والكورد متشابهة، كلّها خيانات ونكبات ومجازر.
     قبل الختام، فإن تداعيات وردود الفعل العربية على مسألتي نقل السفارة الأمريكية والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل باتت تشعر الشعوب العربية بالتقيؤ والإحباط، وعليها أن تعي جيداً أنه لا فائدة من الاعتماد على أنظمتهم العربية والإسلامية، والخلاص استمرارهم في ثوراتهم ضد أنظمتهم المستبدة؛ وما المناوشات الإعلامية والدبلوماسية، التي حدثت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلا دليلاً واضحاً على التخبّط، فأردوغان يجمع الدعم الشعبي ويخزّن الرصيد السياسي، ليواجه خصومه في الانتخابات الرئاسية التركية القادمة، خاصة وأن تركيا عضوة في حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، الذي تديره أمريكا «العداوة التي بين تركيا وأمريكا، هي نفسها التي بين أمريكا وإسرائيل وإيران!».
          أخبراً.. إن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس لن تكون الأولى والأخيرة، بل سيليها نقل سفارات أخرى، ولدول كبرى وفاعلة، وعلى المواطن الكوردي أن يلتفت إلى قضيته وهموم شعبه المثخنة بالجراح العميقة، فلن يفيده الفلسطيني لو أيّد القضية الكوردية، ولن يسانده الإسرائيلي لو وقف معه، فكلاهما يبحثان عن تحقيق مصالحه من الدرجة الأولى، فلو كانت فلسطين مع الحق الكوردي لأيدت استفتاء الكورد في الحرية والاستقلال، ولو كان الدعم الإسرائيلي جدياً، لعمد إلى خطوات فعلية في المدن الكوردية، بقيام مشاريع اقتصادية ضخمة وفتح سفارتها وقناصلها في إقليم كوردستان.. الخ. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…